“نبوءة” قصة قصيرة للأديب سيد جعيتم
ملحق بالقصة ثلاثة دراسات نقدية من السادة الأساتذة الأدباء
كمال عبد الرحمن ( العراق)
سليمان جمعة ( لبنان)
محسن الطوخي ( مصر)
منهكُ القوي جلستُ أمام زوجتي كاشفاً لها ظهري، علي ضوءِ شعلةِ مصباحٍِ صغير تُداوي أثارَ السياط الداميةُ التي اعتادت رؤيتها، بللت خرقةًً بماءِ البئر الملوث، مرت بها فوقَ جراحي، تألمتُ صامتا, بكيتُ بغيرِ دموع، آلامُ النفسِ لا يجدي معها دواء.
تقاسمتُ ما رزقني الإلهُ مع من أعول، لقيماتٌ قليلةٌ نجوت بها من الجلادين نُغمِسها بالماءِ والملحِ لتتقبلها النفس.
حفرةٌ عميقةٌ من ظلامِ الظلم جسمت فوق النورِ وجرجرتنا مسحولينَ لقاعها، خمدت مقاومتُنا تحت سيوفِ وسياطِ الطغاة الذين صنعناهم بتأليهنا لهم، في قاعِها معتادينَ غيابَ نورِ العدل.
جن الليلُ وأرخي سدولهُ، أشار الكاهنُ لمرافقيهِ الوقفين ببابِ الغار، لم يحن موعدُ خروجهِ ، استداروا عائدينَ من رحلتهِم اليومية.
بين أضواءِ المشاعلِ في محرابِ القرابينِ بالمعبدِ الكبير، أصطف الكهنةُ حالقي الرؤوسِ بثيابهم البيضاءِ الخشنةِ علي جانبيِ القاعةِ يتلون التراتيلَ المقدسةَ والمؤمنونَ راكعونَ في خشوع، أنظارُهم معلقةٌ بقدسِ الأقداس، خرج عليهمِ كبيرُ كهنةِ آمون رع، طأطأَ الجميعُ رؤوسهم، جال بينهم ببصره، تناول حفنةً من بخورِ بلادِ بونت، قذفها في النار، غلف الدخانُ المكانَ وتصاعدت رائحةُ البخورِ الذكية، توقف عن موعظته، أغمض عينيه، طال صمتهُ، لم يجرؤ أحدٌ علي رفع راسه، صاح متهللاً بصوتهِ الجهوريِ المؤثر، هو آتٍ، سيبزغُ النور.
- نم يا بني، لمَ أنت مستيقظ ؟
= نمتُ كثيرًا، سأنهض . - نَمْ.. هو آتٍ، نبأنا به ( نفر رهو) كاهن آمون.
= من أكثرِ من أربعةِ آلافِ عامٍ، نائمون في انتظاره، نحلُم بيومٍٍ موعودٍ .. لن يأتي . - لا تجادل فتُغضِب الآلهة، حان موعدُ خروج المخلِص .
= بل حان وقت البحثِ عنه.
أنفلت الأبن من بينِ المؤمنين الواقفين ببابِ الغارِ ينتظرونَ خروجه، دلف من بابِ الغار، يعمً المكان ظلامٌ دامس ورائحةٌ عطنه، أنتظر حتي تعودت عينهُ الظلام ، سار في دهاليزِ متشابكةٍ متعرجةً وأرضُها غير مستوية، وجدهُ قابعً في قاعِ حفرةِ عميقة، سمع صوتهُ يناديه:
أنتظرك لتخرجني من ألافِ السنين.
بقلم سيد جعيتم
جمهورية مصر العربية
دراسة ( نقد) نقد الأديب كمال عبدالرحمن(اديب وباحث وناقد وخبير لغوي)من العراق
المخلص المختار بوصفه دالاّ سيميائيا في ( النبوءة) لسيد جعيتم
كمال عبد الرحمن
ناقد من العراق
نقد لقصتي نبؤة
نقد الأديب كمال عبدالرحمن(اديب وباحث وناقد وخبير لغوي)من العراق
السيمياء :علم العلامات(semiology/semiotics)،افترض وجوده(فردينان دوسوسير)محددا اياه بالعلم الذي يعكف على دراسةانظمة العلامات مما يفهم به البشر بعضهم عن بعض والذي اداهُ الى هذا التصور اعتباره اللغة نظاما من العلامات قبل كل شيء،وتنطلق المنهجيةالسيميائية في رؤيتها((من الشكل في فهم الانسان،ولا تطمح الى اكثر من وصف وجوده)) على النحو الذي يكون بوسعها الكشف عن حيوية هذا الفهم وحراكه وشغله داخل كيان الشكل،ومن ثم وصف فعاليته العلامية التي تصور حساسية ذلك وتنتج معناه من خلال الكيان الوجودي للانسان،ومن خلال فلسفة التّوجه نحو صوغ النظام الدلالي في الاشياء والرؤى المكونة لهذ الوجود داخل اعماق الدوال ونظم تشكيلاتها،والعلامة(اللغوية)عند سو سير كائن مزدوج الوجه،يتكون من (دال) (مدلول) وتعمل هذه العلامة على توصيل الدلالة وهذان العنصران،احدهما (الدال)عبارة عن صورة صوتية او سمعية او بصرية (صورة مادية)،اما الاخر (المدلول) فهو تصور(مفهوم) ذهني غير مادي،وبذلك تصبح العلامة اللغوية لديه كيانا سايكلوجيا له جانبان،يتحدان في دماغ الانسان بآصرة التداعي، يصبو القاص سيد جعيتم في هذا النص إلى مماهاة عنقود من أفعال المضي، استلت من مسألة الوحشة أو فعل الحزن ،بتيسير من فراديس معطلة ، يصرخ من خلالها في رحاب الفضاءات المجروحة ، من أجل ان يكون هذا المفهوم الازلي للصراخ ، مجرد حاسة ملتهبة تنطوي عليها قيامة الاسى :
((جلستُ أمام زوجتي كاشفاً لها ظهري/ تُداوي أثارَ السياط الداميةُ/ اعتادت رؤيتها / مرت بها فوقَ جروحي/ تألمتُ صامتا/ بكيتُ بغيرِ دموع/ تقاسمتُ ما رزقني الإلهُ مع من أعول / نجوت بها من الجلادين/ نُغمِسها بالماءِ والملحِ لتتقبلها النفس)). يستقصد الناص سيد جعيتم من خلال كينونة الافعال ( المتراصة ، المتوثبة ) ، توكيد استعراض ( سيرة زمنية ) لفراديس يابسة ، يخرجها الأسى ، الى معاجمه المشفرة بانماط واُطُر دلالية ، قادرة على إنتاج فضاءات تتسع على تقرير البوح بما هو مألوف أو غير مألوف ، وحين يتقعر الاسى بدلالات الخراب في فراديس القحط ، فان السياق السردي يخرج من جادته المعجمية المألوفة ليتجذر في مستوى جمالي ينبع من داخل الذات ، هاتكا أزمنة من جدلية ( التمني / الواقع ) في التجارب الشعورية ، وسابرا ابعاد هذا الخراب بترويضه لمفردة الزمن ، ومتأملا في انزياحاتها التي تكسر اعراف اللغة المشاكسة في خضم حركة تهتك حجب الامكنة المطوقة بالمألوف ، وتتجه صوب تأسيسات اولية لفراديس اخرى لا تتقن العطل :
(( بين أضواءِ المشاعلِ في محرابِ القرابينِ بالمعبدِ الكبير، أصطف الكهنةُ حالقي الرؤوسِ بثيابهم البيضاءِ الخشنةِ علي جانبيِ القاعةِ يتلون التراتيلَ المقدسةَ والمؤمنونَ راكعونَ في خشوع، أنظارُهم معلقةٌ بقدسِ الأقداس، خرج عليهمِ كبيرُ كهنةِ آمون رع، طأطأَ الجميعُ رؤوسهم، جال بينهم ببصره، تناول حفنةً من بخورِ بلادِ بونت، قذفها في النار، غلف الدخانُ المكانَ وتصاعدت رائحةُ البخورِ الذكية، توقف عن موعظته، أغمض عينيه، طال صمتهُ، لم يجرؤ أحدٌ علي رفع راسه، صاح متهللاً بصوتهِ الجهوريِ المؤثر، هو آتٍ، سيبزغُ النور)).
هذا هو ما يتعتق على غارب الأمل من رؤى استشراقية، يبعث القاص جعيتم فيها دفق الحيوية الجديدة، في محاولة لأفشال نوايا اليأس الاستعمارية( الطواغيت والآلهة الغاضبة)، وهو يشير باصبع الأمل نحو خلاص ينبعث من جذوة ما.
ويمنح التضاد بيئة هذه القصة ، عنفوان احتدامها ، فيتجلى في مستويين :
الأول : عبر عناقيد الأسئلة التي تتشكل من خلال رؤى ملونة ، تدور في الزمن الجميل ، رؤى تحريضية فاعلة لها القدرة على وصف الماضي بآلة التمني التي لاقدرة لها سوى على التصور والتخيل السلبي ولاقدرة لها أيضاً على صنع تكوينات الحاضروتشكيلهِ الواقع بفلسفاته وارهاصاته ومعاجمه التأويلية:
رؤى ملونة:
(( – نم يا بني، لمَ أنت مستيقظ ؟
= نمتُ كثيرًا، سأنهض .
نَمْ.. هو آتٍ، نبأنا به ( نفر رهو) كاهن آمون.
= من أكثرِ من أربعةِ آلافِ عامٍ، نائمون في انتظاره، نحلُم بيومٍٍ موعودٍ .. لن يأتي .
لا تجادل فتُغضِب الآلهة، حان موعدُ خروج المخلِص )).
والثاني : فهو يشتغل على تفصيل الجدليات بين ( الأنا ) الضامرة في انسحاقاتها تحت صعق المفاجأة الدموية و ( الآخر ) الغارق في ظلام روحه ، الشاهر جهله على فلسفة التسامح والرحمة والانسانية، السابح في بِرك الدم في مسافة لا تبتعد كثيرا عن الحلم ، ولا تقترب كثيرا من الواقع :
((حفرةٌ عميقةٌ من ظلامِ الظلم جسمت فوق النورِ وجرجرتنا مسحولينَ لقاعها، خمدت مقاومتُنا تحت سيوفِ وسياطِ الطغاة الذين صنعناهم بتأليهنا لهم، في قاعِها معتادينَ غيابَ نورِ العدل.
جن الليلُ وأرخي سدولهُ، أشار الكاهنُ لمرافقيهِ الوقفين ببابِ الغار، لم يحن موعدُ خروجهِ ، استداروا عائدينَ من رحلتهِم اليومية)).
اما إيقاعات الاسى التي شاكسها القاص سيد جعيتم في ( النبوءة) ، فقد ارتكزت على تفاعلات وتضادات ( داخلية / خارجية ) ذات صدى قوي في تشكيل غالبية القصة ، ويتواشج طرفا هذه الثنائية المتضادة في نسج حركة متصارعة تبقى مهمشة خارج إطار الذات المغتبطة بحبر الأذى ( الأسى ) والاحزان، تتصارع الشخصيات مع نوعين من التصادم يشتغل على حاستي التعالق والصعق:
((منهكُ القوي جلستُ أمام زوجتي كاشفاً لها ظهري، علي ضوءِ شعلةِ مصباحٍِ صغير تُداوي أثارَ السياط الداميةُ التي اعتادت رؤيتها، بللت خرقةًً بماءِ البئر الملوث، مرت بها فوقَ جراحي، تألمتُ صامتا, بكيتُ بغيرِ دموع، آلامُ النفسِ لا يجدي معها دواء.
تقاسمتُ ما رزقني الإلهُ مع من أعول، لقيماتٌ قليلةٌ نجوت بها من الجلادين نُغمِسها بالماءِ والملحِ لتتقبلها النفس)).
وفوق هذا فالقاص جعيتم يتقمص شخوصه التي تنتشر داخل بقاع النص وعلى مدى الأسى في مدائن قصته ، وذلك يبدو واضحا من القشرة المتطامنة على سطح النص ، وهو في الأعماق يرسم صورته الخفية في سيرة إنسانية صاغها ببراعة عبر لحظة انزياح جهة تلك العوالم التي سكنتهُ فردّها الى فضاءات النص بأسلوبية تتشكل على هيئة أسئلة رائحة غادية بين أزل النص وأبده، قادر هذا السيد الجعيتم ان يتقمص هيئة جرح غائر أو دمعة من نار، أو انكسار طفل، أواغتيال براءة، قادر على الغور بعيدا في اعماق الحقيقة، وكأنني أراه يبكي ويكتب، ثم يتوقف قليلا ليمسح دمعة، ويواصل بعد ذلك مشقة السرد :
(( بللت خرقةً بماءِ البئر الملوث، مرت بها فوقَ جراحي، تألمتُ صامتا, بكيتُ بغيرِ دموع، آلامُ النفسِ لا يجدي معها دواء.
تقاسمتُ ما رزقني الإلهُ مع من أعول، لقيماتٌ قليلةٌ نجوت بها من الجلادين نُغمِسها بالماءِ والملحِ لتتقبلها النفس
حفرةٌ عميقةٌ من ظلامِ الظلم جسمت فوق النورِ وجرجرتنا مسحولينَ لقاعها، خمدت مقاومتُنا تحت سيوفِ وسياطِ الطغاة الذين صنعناهم بتأليهنا لهم، في قاعِها معتادينَ غيابَ نورِ العدل))
ويرسم السيد جعيتم صرخاته الصامتة بين مسارات الصدى وانكسارات السُدى ، تلك المسارات التي لا تتفق على جهة ما ، بل تبقى دائرة في غيابة الحزن التي تطارد السارد من أسى إلى أسى، كيف لا ، وهو القاص المبدع الانسان ،وهكذا تتجسد هندسة الألم في سرابيل الكارثة الانسانية ، حيث يقف القاص في مهب النيران مقتحما سعيرها ، فاضحا ممالك الرماد التي تضيء خرافات من جمر روحها، واشتعالات كابية تخبو هناك ، لتحيا هنا من جديد .
يعاني النّاص جعيتم على طول القصة من رهاب انسحاق الزمن الجميل والالتجاء إلى الحزن كحلّ غير ودي لكنه واقع لا محالة هذا الحزن الذي لاينتهي الا ليبدأ من جديد ، وعلى الرغم من كل ذلك ، فهو يصرخ في فضاء الجمر مؤملا أو متخيلا ان تصل اخر تموجات صوته إلى من لم يعد يهتم بالأمر ولو كان صراخه نثار غبار من بكاء السنوات .
تشتغل قصة سيد جعيتم هذه على بلورة الغائص من التأزم الانساني في فضاءات مغلقة تحت وابل القهر العظيم ، إلى اخرى مشرقة بإعادة التشكيل من أطُر خربة إلى رؤى يمكن إحياؤها واخراجها من دياجير السياسات ( الانسانية / الزمنية ) المقعرة إلى بشائر تتلألأ في جبين الابيض من الايدلوجي الانساني(ظهور المخلص المختار) ، هذا الذي خرج توا من محرقة الاسى الى مشاريع الصفاء . لكن هذا الصفاء لايعلن على رؤوس الاشهاد دائما ، بل يظل معلقا على باصرة الامل ( البعيد / القريب ) في استعراض ( امجاد الماضي ايام تلألأت وكانت … )، هي ثورة صامتة بوجه الاستلاب، هي صرخة داخل جسد زلزلت الأعراف المسعورة بالظلم والغدر والاستعلاء .
يكثر القول في قصة ( النبوءة ) للقاص سيد جعيتم ، ففيها تعدد قراءات ، وفيها تأويلات لغوية ، وفيها جدلية الانسنة والشيئنة ، لكننا نختصر فنقول ان هذه القصة تصطبغ بإحساس المبدع الذي له القدرة على شيئنة فراديس اخرى لاتتقن سوى الاسى ولاتمارس الا العطب ، فراديس مجهضة اسسها الموت المجاني بعد ان عاشرها الحزن الذي تشرنق مسامات جسدها من اول الجمر الى اخر النار ، وتلاقحت مسارات معاجمها بترياق الصدى بحثا عن المخلص ، ذلك الهلام الذي ما يزال يركض وراء الصوت منذ الاف السنين ولايجد اليه سبيلا .
قراءة للأستاذ الناقد الأديب/ سليمان جمعة( لبنان)
في القصة القصيرة
نبوءة
للأديب/ سيد جعيتم
البنى المعرفية
نبوءة ترتبط عادة بنبي يربط الارض بالسماء ويمحي الحدود بين الازمنة فيقف الانسان منتظرا لما سيأتي ومتثبتا بما قدمضى .. ومنها انبثق بشريا فعل العرافة وقراءة الكف والحظ…والافكار ووحديثا التوقعات .. ومنها الاستخارات ومنها التنجيم المرتبط بعلم الهيئة ..
اذن انبثق منها الاهم وهو فكرة المخلص ..
وهنا هي الخيط الذي يربط البنى الاخرى .
والجلد نعرف في سلوك الشعوب جلد العبيد العاصين بالسوط وجلد الزانية والزاني وجلد مصطنع هو حد شارب الخمر ..ما دوره هنا ؟
الزوجة تداوي جروحه اذن ليس زانيا انما من المستبد ليكون طائعا للاوامر .. والجلد هنا مادي له اثر وكذلك معنوي في الاحساس بالظلم ..ويتجلى ذلك في اسرة اي البنية المكونة للمجتمع .. ويستدعي بنية معرفية اخرى هي جب يوسف بالاشارة انها حفرة عميقة في الارض ولكن النور /نبوة يوسف مقهورة …
ويأتي بعد ذلك بنية الغار ..الغار هو اشارة تحيل الى غار حراء حؤث تحنث النبي وثم اتاه الوحي بالرسالة فتم الخلاص ..ولكن هنا يلعب النص لعبة السفر في الزمن كخيال يعود ليقول ان الكهنة ورثة الديانة ينتظرون مخلصا ويقفون امام الغار ويقدمون طقوسهم وتراتيلهم هذه اللعبة لها وجهان هروبيان ..الهروب من وطأة السلطة الدنية اليوم وكذلك ليثبت ان هذا الظلم قديم ومن ننظر الخلاص من الكهنوت هم ينتظرون ولا يقدمون شيئا الا الكلام..وتنويم الناس المظلومين على وعود عرقوبية ..اذن وصل الازمان ليحدد فشل الكهنوت .. ولكن بنية اخرى تنهض هي البطل .. وهو الرؤية هنا التي انشيء النص لاجلها وهي اليقظة والرفض لكل طقوس الانتظار والدخول الى الغار والتأكد مما يدعيه الكهنوت ..الشاب يستيقظ يخترق كل التابوات والحواجز فيصل الى نقطة مهمة من عمق النص هنا الحفرة التي تردع النور هي نفسها الغار وهناك المخلص ينتظر من يخرج يوسف من جبه لينقذ شعبه من الهلاك … اذن ان ملاحقة النى المعرفية في النص تجعلنا نفكك الطبقات لنصل الى المعنى ..وهو الرؤية /البطل .اي اليقظة للشباب والتمرد على ثقافة الكهنوت والاعتماد على الذات .. وننقذ حضارتنا وديننا ونقضي على الظلم ..الذي يعتمد طقوس وبخور للتنويم والتخدير ويعتمد الظالم معه على السوط .
اذن المشروع المتضمن في النص هو الاعتماد على الذات الشابة المستيقظة القادرة على تجاوز تابو الكهنوت والوعود المقدسة .
سليمان جمعة
قرأه للأديب أ ستانا / محسن الطوخي ( مصر )
قراءة في القصة القصيرة
نبوءة
للأديب/ سيد جعيتم
يوحي النص بأن فكرة المخلص هي فكرة عقيمة، ليست إلا من اختراع كهنة كل زمان، يسيطرون بها على الجمهور، ويذلون بها أعناق العباد، ويستنزفون قرابينهم.
فالمخلص ( في النص ) يحتاج إلى من يخلصه.
كيف عالج الكاتب السرد ليخلص إلى فكرته؟
قسم النص إلى شطرين.
في الشطر الاستهلالي نرى شخصاً مسحوقاً، مهانا من جلاديه، لا نعرف ما الجناية التي ارتكبها ليستحق العقاب.
الراوي الراصد الخارجي علمه محدود. يصف للقارىء مايدركه بالحواس. وهي حيلة ناجحة. أولا لكي يكتشف القارىء بنفسه التيمة. وثانيا لكي يدخر المفاجأة إلى الخاتمة، فتكون تتويجا للفكرة.
يسقط المجلود في حفرة عميقة مظلمة، وهي ليست حفرة مادية، بل حفرة معنوية تجلياتها التهميش، والابعاد، والمحو، والتعتيم. والدليل يلتقطه حس القارىء الفطن، فالحفرة المادية لا تسقط من عل، كما يوحي اللفظ ” تجثم فوق النور ” . إنما الباطل هو مايجثم فوق الحق فيمحقه ويحيله ظلاما.
وبينما تدور احداث الشطر الأول في مكان وزمان غير محددين. يدور الشطر الثاني في معبد الإله آمون حيث يستوى الكاهن والعباد بعد زيارتهم اليومية ل ” المغارة “، وللفظ المغارة في هذا المقام شأن.
- فهو مصدر غار، بما له في الحس الشعبي من إيحاءات ومدلولات تحيل إلى الكراهية، والاستبعاد، والنفي، والإقصاء.
- وهو اسم مكان من غار … بمعنى المكان الذي تشن عليه الغارات.
- ويشتق منه الفعل ” غوار ” بتشديد وفتح الواو، ومنه غور الماء : أي ذهب بعيدا في باطن الأرض. ومنه غورت الشمس: أي غابت.ومنه : غور العدو، أي هزمه.
زيارة الكاهن اليومية للمغارة إذن توحي في هذا السياق بضرب من التدليس، والتموية بمنتظر وهمي، بعيد المنال.
تدليس، واقعه الإقصاء، وظاهره الوعد المأمول.
يكرس الشطر الثاني لسيطرة الوهم. واختيار بقعة تحف بها هالة التقديس، وزمنا تاريخيا يعود إلى الميثولوجيا المصرية القديمة، يأتي في إطار تكريس إنموذجا يجمع بين عمق التاريخ ( دلالة على قدم التجربة القصصية )، وبين نظام حكم جمع بين السلطتين، الزمنية، والروحية.
فهما زمان، ومكان غير مقصودان لذاتهما، بل بما يرسخان لتيمة القصة.
ويقابل القارىء في ظل ممارسة ( الكاهن ) لسلطته، إشارأت دالة توحي بما اراد الكاتب أن يبين به حال المحكومين كما ينبغي لهم أن يكونوا في نظر السلطة: - راكعون في خشوع،
- طأطأ الجميع رؤوسهم.
- لم يجرؤ أحد على رفع رأسه.
- نم يابني. لم أنت مستيقظ؟
- لا تجادل، فتغضب الآلهة.
وينقلب المشهد بصيحة الثائر: لن يأتي…. يقصد المخلص.
لكنها ثورة هادئة، باهتة، إذ يخرج الثائر، بينما لم يرد في النص إشارة تشي باستيقاظ الجموع، إنه ينفلت من بينهم، بينما هم ( ينتظرون خروجه ) يستمر مشهد الخنوع إذن، ويغادر الثائر وحيداً، ليسير في ظلام دامس، ودهاليز متشابكة عطنة، ليلتقي بوهم المخلص.
والحبكة تدفع القارىء إلى الربط بين هذا الوهم وبين المعذب المجلود في مستهل القصة.
والخاتمة مفتوحة على كافة التأويلات، فالكاتب الواعي أدرك أن الخاتمة المنطقية تبلغ من القتامة مبلغاً يعفيه من أن يبشر بها.
فكل مانقله السارد هو صيحة المنتظر المقهور: انتظرك لتخرجني من آلاف السنين.
ولا أظن إلا أنه قد وجد رفيقا يجاوره في قاع البئر، بعد تلك الوحدة الطويلة.
بعض الملاحظات البسيطة:
جمل رأيتها تقريرية، وزائدة - آلام النفس لا يجدي معها دواء.
- الذين صنعناهم بتأليهنا لهم …. الخ.
- بلاد بونت … زائدة
كل التحية، والتقدير لإبداعك صديقي العزيز سيد جعيتم.
التعليقات مغلقة.