نجمتان بقلم : محمود حمدون
نجمتان
محمود حمدون
===
بتُّ ليلتي بالأمس وبين أضلعي مهام ثلاث نويّت قضاءها , خرجت صبيحة اليوم وأمام عيني طريق طويل أدري بدايته ورجاء ببلوغ النهاية ..
فلمّا قضيت الأولى , ركنت جانب طريق يخلو من البشر والدواب وتتراص على جانبيه أشجار باسقة تلفّه كستار سميك يخفي ما وراءه, مقهى صغير ونادل شاب لا يفعل شيئا إلاّ جمع أوراق الخريف المتساقطة , جلست دقائق طالت كثيرًا وبيدي فنجان قهوة لم يفقد حرارته , أمامي شجرة تخفق أغصانها كعجوز تحتضر …
أفقت على شبح يقترب , شاب يدنو من العقد الثالث , مهندم الملابس , بلحية خفيفة وعلى وجهه ابتسامة بدأت تتضح معالمها بإقترابه رويدًا , وقف قبالتي , يحمل على ظهره حقيبة جلدية صغيرة, فأنكرت بداخلي أن يكون مثله من السائلين , لكنه عاجلني بما أطاح بهاجسي بقوله: رأيتك غريبًا عن المكان , سفرك طويل وأمامك مشقة أطول تنتظرك , لم يدع ليّ فرصة لمقاطعته فلطالما علمت أساليب الباعة الجائلين ومراودتهم جيوب الزبائن عن نفسها , لكنه أثنى بقوله: أنت زائر يطوف هنا مثلي , ستغادر المكان عاجلًا أو .. ثم أحجم عن الكلام , صمت قليلًا كمن يبحث عن كلمة مناسبة ثم مد يده قائلًا: هاتان ” سبحتان ” هديّة لأول من تقع عليهما عيناك , هما أمانة ..
قلت : لمن ؟ هل تعرفني ؟ لم أرك من قبل. خلتُك من الهائمين على .. ثم أحجمت خشية أن أصيبه بأذى برذاذ كلماتي ..
فقال بأدب : لم نلتق من قبل ولن تراني ثانية , مهمة أنجزتها أنا بلقائي بك وبتمرير ” السبحتين ” لك , عندها يكون بيني وبينك فراق لن يتصل..
سألته : لمن أعطيهما ؟! ..
قال وهو ينسحب كعتمة المساء حينما تتقهقر أمام ضوء الفجر : عُد بذاكرتك لبداية حديثي معك ..
نظرت إلى” السبحتين ” فضية لامعة , ثقيلتان, أودعتهما جيبي ثم انطلقت لما عزمت عليه من قبل …
فلمّا أوشك يومي على الانقضاء , قابلت نجمتين يطغي وهجهما الآخاذ على ضوء الشمس الغاربة , تذكرت الأمانة فأخرجت ” السبحتين ” وقد عرفت كل منهما طريقها لصاحبتها , ثم أكملت طريقي يحدوني أمل أن أبلغ مشارف المدينة سالمًا ..
التعليقات مغلقة.