نساء في الإسلام بقلم مدحت رحال
حيوا ( تماضر ) واربعوا صحبي
وقفوا فإن وقوفكم حسبي
أخُناس قد هام الفؤاد بكم
وأصابه تبل من الحب
من هذه الخناس التي هام بها فؤاد شيخ العرب وفارسها /
دريد بن الصمة ؟
إنها : تماضر بنت عمرو بن الشريد السلمية
فإن لم تعرفها فهي :
الخنساء
وما أدراك ما الخنساء ،
غلب لقبها على اسمها فعرفت به ،
صحابية ، وشاعرة مخضرمة
اتصفت بجمالها الأخاذ
ظبية في أنفها خنس يزيدها جمالا وملاحة ،
يحتار المرء من اين يبدأ ،
كل ما فيها ومنها جدير بالعُجب والإعجاب
نشأت ودرجت في بيت عز وسؤدد ،
صقلتها البادية ،
فشبت كريمة النفس ، قوة الشخصية ، معتدة بنفسها وحسبها ،
ملكت ناصية البيان الجزل ،
منحتها هذه الخصال قدرا من حرية الرأي واستقلالية القرار
ندر أن تحظى به امرأة في الجاهلية ،
كان أبوها سيد قومه بني سليم ،
وكان من وفود العرب على كسرى لعظيم شأنه بين العرب
كان في الموسم في عكاظ يأخذ بيدي ابنيه :
صخر ومعاوية
ويقول :
أنا أبو خٓيرٓي مضر ، فمن أنكر فليغير
فلا ينكر عليه أحد ،
تبدت هذه الشخصية الفذة للخنساء في موقفين :
_استقلالها في امر زواجها من دريد بن الصمة ،
( قتل مشركا يوم حنين )
كان دريد بن الصمة شيخ العرب وفارسها صديقا لأخيها معاوية ،
رآها صدفة فهام بها ، وطلب يدها من أبيها فقالت :
يا أبت ، أتراني تاركة بني عمي مثل عود الرماح وناكحة شيخ بني جسم ،
وآلت على نفسها ألا تتزوج خارج قومها ،
_ لعل ذلك من تجربة لها سبقت ،
يظهر لنا فيها تمكنها من ناصية الكلام الجزل ،
فيخرج مثلا تتناقله العرب وكتب الادب
روى الأصفهاني في الأغاني أن تماضر كانت زوجة لزهير بن جذيمة ، سيد بني عبس ، ثم قُتل عنها
قال لها زهير مرة وقد دعاها إلى الفراش :
إخلعي درعك ، والدرع هو الثوب السابغ تلبسه المراة ،
فردت عليه :
( خلع الدرع بيد الزوج )،
فذهبت مثلا
وقال لها مرة اخرى :
إخلعي درعك لأنظر إليك
فقالت :
( خلع الدرع لغير النكاح مُثلة ) ، أي تشويه لها
فذهبت مثلا ،
تزوجت في قومها من مرداس ابن أبي عامر السلمي الملقب بالفيض لسخائه ، ثم مات عنها تاركا لها أربعة من الابناء
كان لديها مخزون من الشاعرية الجياشة كبير ،
احتبس داخلها ،
ثم بدأت بوادره تظهر بعد مقتل أبيها عمرو وأخيها معاوية ،
كانت بوادر تنبىء عن مولد شاعرة ،
ولكن بركان الشعر أرسل انفاسا حارة حاولت كتمها خوفا على اخيها صخر ، بقية الاهل والاحباب ،
قالت في رثاء معاوية :
ألا لا أرى في الناس مثل معاوية
إذا طرقت إحدى الليالي بداهية
وكان لزاز الحرب عند شبوبها
إذا شمرت عن ساقها وهي ذاكية
فأقسمت لا ينفك دمعي وعولتي
عليك بحزن ما دعا الله داعية
أصيب أخوها صخر بجرح قٓاتل في إحدى غاراته للأخذ بثأر أخيه معاوية ، رقد له حولا كاملا لدرجة أن امرأته ملته ،
وكانت إذا سئلت عنه قالت :
بشر حال ،
لا هو حي فيُرجى ولا ميت فيُنعى
ثم ما لبث صخر أن قضى نحبه ،
وهنا تفجر البركان في صدر الخنساء
وكان ذلك إيذانا بميلاد شاعرة طبقت أرجاء الجزيرة العربية بمراثيها
تقول الخنساء :
أعيني جودا ولا تجمدا ألا تبكيان لصخر الندي
ألا تبكيان الجريء الجميل ألا تبكيان الفتى السيدا
طويل النجاد رفيع العماد ساد عشيرته أمردا
وقالت :
يذكرني طلوع الشمس صخرا وأذكره لكل غروب شمس
ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
وقالت في قصيدة طويلة :
قذى بعينك أم بالعين عُوار
أم ذَرَفت إذ خلت من أهلها الدار
كأن عيني لذكراه إذا خطرت
فيض تسيل على الخدين مدرار
وإن صخرا لوالينا وسيدنا
وإن صخرا إذا نشتو لنحار
وإن صخرا لتأتم الهداة به
كأنه علم في رأسه نار
وقولها :
ألا يا عين فانهمري بغدر
وفيضي فيضة من غير نزر
ولا تعدي عزاء بعد صخر
فقد غلب العزاء وعيل صبري
كانت الخنساء تعاظم العرب في مصيبتها وتقول :
أنا أعظم العرب مصيبة ،
ولا يخفى ما في هذه المعاظمة من رفع شأن وتمجيد ،
فهي ترى أهلها أعظم العرب ،
التقت هند بنت عتبة بعد مقتل أبيها وعمها وأخيها في بدر ،
بالخنساء في عكاظ ،
وكان بينهما مناظرة في أيتهما أعظم مصيبة ،
عرضت لها في منشوري عن هند بنت عتبة ،
قال لها النابغة في عكاظ وقد أنشدت بين يديه ،
أنت أشعر العرب ،
ولولا ان سبقك هذا الأعمى ( يعني الأعشى ) لقلت إنك أشعر الجن والإنس ،
وكان الأعشى يلقب / صناجة العرب
وكان حسان بن ثابت حاضرا فغضب وقال :
أنا أشعر منك ومنها ولكنك تحسدني ،
( وقد عرضت لهذا الموقف في منشور آخر )
سئل جرير : من أشهر الناس ؟
قال : أنا لولا الحنساء ،
قيل : فبم فضل شعرها عنك ؟
قال بقولها :
إن الزمان وما يفنى له عجب
أبقى لنا ذنبا واستأصل الرأس ،
لا اغالي إن قلت :
كانت الخنساء معجزة من معجزات الإسلام :
هذه التي طبقت الجزيرة العربية عويلا ،
وسارت الركبان تحدو بمراثيها ،
نجدها يوم القادسية خنساء غير الخنساء ،
عمرت الخنساء إلى أن أدركت نصر الإسلام المبين ،
وكانت قد أسلمت وبنوها عام الوفود بعد فتح مكة ،
وكان لها شرف المشاركة فيه :
خرج أبناؤها ، الأربعة ، للجهاد في القادسية ،
جمعت أبناءها وقالت لهم :
والله إنكم لبنو رجل واحد وامرأة واحدة ،
ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم
فإذا شمرت الحرب عن ساقها فتيمموا وطيسها وجالدوا رئيسها تظفروا بالغنم والكرامة في جنة الخلد ،
ولما وصلها نعي أبنائها الأربعة في القادسية قالت :
الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ، وارجو أن يجمعني بهم في مستقر رحمته ،
لم تقف سيرة الخنساء عند روايات المؤرخين ،
بل لها شاهد موثق في سجلات الدولة ،
فهذا اسمها في ديوان بيت المال ،
فقد فرض لها عمر بن الخطاب عطاء عن أبنائها شهداء القادسية ،
وتوفيت الخنساء عن إحدى وسبعين سنة ودفنت في البادية ،
البادية التي عرفتها طفلة وامرأة وشاعرة ،
وكما ضمتها حية فقد أبت إلا أن تضمها ميتة ،
رحم الله الخنساء ورضي عنها ،
التعليقات مغلقة.