نستالوجيا الفن 1 “السلطان الحائر” بقلم محمد كمال سالم
تجمهر العوام حول هودج السلطان المحمول على الأعناق، وضعوه على منصة مرتفعة في وسط السوق، فبدى في كامل زينته بلباسه وتاجه المملوكي، صاح المنادي في الناس:
_الآن نفتح المزاد العلني, من يشتري السلطان؟
تجمهر الناس، هرج وصخب, طفل في الزاوية البعيدة يبكي لأمه( إشتريلي السلطان، ماليش دعوة أنا عايز السلطان) صاحب الخمارة يضرب سعرا, يزايد عليه الخباز, السقا: لن يشتريه غيري.
ما القصة، سلطان يباع في الأسواق؟!
الناس يلغطون في سيرة السلطان، وعدم شرعيته، كيف يحكم فينا وهو عبدا، وأن سيده لم يعتقه قبل أن يموت فصار سلطانا؟!
يحار السلطان، يشاور رجال بلاطه، فيرى الوزير أنه لابد من التصدي للناس وإخراسهم بالقوة وإسكاتهم عن الخوض في شرعية سلطان البلاد.
بينما يرى القاضي أن السلطان لن ينال شرعيته إلا عن طريق القانون، وكانت فكرته أن الحل هو أن يُباع السلطان، شريطة أن يعتقه من يشتريه إذا أُذَن لفجر هذا اليوم، فهكذا يحصل السلطان على حريته ومن ثم ينال شرعية ملكه على البلاد.
يرفض السلطان العنف واقتراح الوزير، ويقبل أن ينزل لحكم القانون رغم إيلامه النفسي الذي قد يقع عليه.
وبالفعل يباع السلطان في السوق، ويكون من نصيب غانية سيئة السمعة، رفضت في البداية التوقيع على صك العتق إذا أذن الفجر، ثم وافقت حرصا منها على امتلاك السلطان ولو لليلة واحدة.
واستضافت الغانية السلطان في بيتها، وأثناء تحاورهما يكتشف السلطان براءة الغانية من السمعة السيئة، وأنها امرأة محبة للأدب والفن، بينما تكتشف هي أن السلطان رجلا طيبا دمث الخلق، فيدور بينهما حديث مفعم بالود والشجن.
وبينما هما على هذه الحال أذَنَ الفجرقبل موعده يرفض السلطان هذه الحيلة، ولكن الغانية عرفت أن هذا من دافع حب القاضي للسلطان والحرص عليه، فتعتق السلطان متمنية له السلامة والتوفيق.
يهديها السلطان يا قوتته الثمينة التي تزين تاج ملكه ويقول لها:
لن أنسى ما حييت أني كنت عبدك لليلة.
هذه المسرحية الرائعة للراحل العظيم “توفيق الحكيم” التي قُدمت في عام 1960 في أوج النهضة الثقافية العظيمة من القرن الفائت.
اكتبوا لي في تعليقاتكم رأيكم: هل نحن في حاجة أن نستعيد أمجاد هذه الحقبة الذهبية، أم أنها فترة انتهى عهدها وإنها أصبحت بعيدة كل البعد عن ذائقة المتلقي الآن ومن الصعب استصاغتها لديه؟
أقدم لحضراتكم المزيد من شتى صنوف الفن إذا راقت لحضراتكم.
التعليقات مغلقة.