نظرة في آية بقلم مدحت رحال
(( إن رحمة الله قريب من المحسنين )) الأعراف ٥٦
(( الله الذي انزل الكتاب بالحق والميزان ، وما يدريك لعل الساعة قريب )) الشورى ١٧
(( يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله ، وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا )) الاحزاب ٦٣
الشاهد في الآيات كلمة ( قريب )
لماذا : قريب وليس قريبة في الآيات الثلاث ، مع أن الموصوف مؤنث : / رحمة ، الساعة
وقد اتخذها البعض ممن يأخذون عن المستشرقين حجة للطعن في القرآن وأنه يخالف القاعدة اللغوية التي تقول :
إن الصفة تتبع الموصوف في التذكير والتأنيث ،
وقبل ان نبين العلة في ذلك ،
نؤكد مرة اخرى على امر :
القرآن الكريم كان هو المرجعية الأولى والرئيسة لعلماء النحو في وضع القواعد ، ويليه كلام العرب وخاصة الشعر ،
ولو افترضنا ( وهذا غير وارد ) أن هناك خلاف بين آية وقاعدة لغوية فالخلل يكون في القاعدة وليس في الآية ،
لأن القاعدة بنيت على آيات القرآن الكريم وليس العكس .
تناول اهل العلم في اللغة والتفسير هذه المسالة وفصلوا فيها ، حسب ما سأبينه بإذن الله ،
قريب : لها معنيان يتبعان علاقة الكلمة بما ذكرت فيه
_ معنى علاقته النسب ، من وشيجة القربى :
نقول هذا قريبي ، هذه قريبتي
في هذه العلاقة ، تتبع الصفةُ الموصوف
_ معنى علاقته المكان
أي القرب في المكان
وهذا يجوز فيه الوجهان :
المتابعة ،
المخالفة مع المؤنث ،
كقول امرىء القيس :
له الويل إن أمسى ولا أم هاشم
قريب ولا البسباسة ابنة يشكر
فقال : قريب باعتبار القرب مكانا وليس نسبا ،
والمخالفة لها وجهان :
إذا كانت الصفة مصاحبة للموصوف استوى فيها التذكير والتأنيث ،
نقول : رجل قتيل وامراة قتيل
الصفة قتيل مصاحبة للموصوف : رجل ، امراة ،
إذا لم تكن الصفة مصاحبة للموصوف فإنها تؤنث ،
نقول : قتيلة بني فلان ،
هذا التاصيل من اقوى مسالك النحاة في توجيه الآية ،
( رحمة الله قريب )
الصفة / قريب مصاحبة للموصوف / رحمة الله ،
فكان التذكير للصفة أقوى ،
ومثل هذا تعليل الآية ( وما يدريك لعل الساعة قريب ) ،
_ الآية : ( إن رحمة الله قريب )
قلنا يجوز لغويا الوجهان ،
يجوز لغويا ان نقول : قريبة ، لأن القرب هنا قرب مكاني
ولكن صيغة / قريب أقوى وأبلغ ،
فهي صيغة مبالغة ، وهذه الصيغة أقوى ،
وهناك دلالة آخرى :
لو قلنا : رحمة الله قريبة من المحسنين ،
فإن القرب ينصرف إلى الرحمة وينحصر فيها ،
ولكن : رحمة الله قريب من المحسنين ،
فإن صيغة ( قريب ) تشمل صفات الجلال الجمال لله سبحانه وتعالى ، ومنها الرحمة
ويكون هذا من باب ذكر الجزء وإرادة الكل ،
فذكر الرحمة بالمراد منها ، مع إرادة القرب بكل صفات الجلال والجمال من المحسنين ،
_ ( وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا )
فيها وجهان :
ان الساعة قريب زمان قيامها ،
أو أن الساعة قريب وقعتها ، فمن أسمائها / الواقعة
( تكون ) بمعنى تقع او تحصل او تاتي قريبا
فهي فعل تام وليست فعل ناقص ،
وتكون / قريبا ظرف زمان
كل عام وأنتم بخير
التعليقات مغلقة.