نعمة الماء بين التقديس والتدنيس
بقلم: حاتم السيد مصيلحي
نال الماء منزلة عظيمة ومكانة رفيعة، حتى أن بعض الشعوب قدسته لكونه سر الحياة وواهبها، فالمصريون الأوائل جعلوا للنيل عيدا للوفاء قدموا فيه قرابينهم، ومارسوا فيه شعائرهم وطقوسهم ؛ ليفيض عليهم بخيره فيعم الرخاء. وهذا شكل من أشكال الوثنية القديمة أو عبادة قوى الطبيعة التي يرجى خيرها، ويخشى بطشها، فلما جاء الإسلام ورأى مارأى من أفعال المصريين، أرسل عمرو بن العاص إلى خليفة المسلمين حينئذ سيدنا عمر بن الخطاب يخبره بما رأى، فأرسل إليه رسالة مفادها : أن يانيل إن كنت تجري بإرادتك ومشيئتك فتوقف عن الجريان، وإن كنت تجري بأمر الله ومشيئته فامض بما أمرك الله به ، وأمره أن يلقي الرسالة فيه، فجاء الفيضان بما لم يأت بمثله من قبل ، وقد قرن هيردوت مصر بالنيل، فقال : ( مصر هبة النيل ).
هذا شأن من سبقونا فقد عرفوا النعمة وأعطوها حقها من الرعاية والاهتمام إلى حد التقديس والعبادة فانحرفوا عن القصد من شكر النعمة ، طلبا للزيادة والنماء ،
أما نحن بما نحمله من معرفة بالله ، ودراية بنعمه ،أهملنا شكره وجحدنا نعمه، فانحرفنا أيضا عن القصد، فحق علينا من الله البلاء ، فمنع القطر وجف النبع وحرمنا لنستغفر ونعود، ولولا أطفال رضع، وبهائم رتع، وشيوخ هكع لأنزل الله علينا غضبه وسخطه ، ولكن رحمة الله واسعة.
فدخلت الدول الواقعة على ذلك الشريان الحيوي والذي يضم مايسمى ب ( دول حوض النيل ) في حرب نبه إليها الساسة والخبراء والمهتمون بذلك الشأن بغرض الاستحواذ على أكبر نسبة ممكنة من مياهه دون النظر إلى حقوق جاراتها ، ببناء السدود وماشابه، وقضية سد النهضة الأثيوبي مازال مفتوحا، وتبذل الدبلوماسية المصرية جهودها المستميتة من أجل ضمان حق مصر في حصتها من مياه النيل ،هذا جهد الدولة ومؤسساتها ،فماذا فعلنا نحن؟ !
إن سوء استخدامنا اليومي للماء لهو أكبر دليل على جهلنا بقيمة مامنحه الله لنا من نعم، وجحودنا لها بالإسراف والتبذير، والاهدار والتبديد ، وقد صور صديقي الحبيب الباحث أشرف خيري ذلك السلوك ضمن فاعليات الورش الثقافية لقصور الثقافة؛ لينتقد سياساتنا وعاداتنا في استخدام المياه على المستويين الفردي والجماعي، والنتائج المترتبة على ذلك من خسارة كبيرة.
فمتى سنظل نهمل نعم الله، ولا نؤدي شكرها؟ !
التعليقات مغلقة.