نفحة من ذاكرة أنثى بقلم لما حسن
صباح نيساني مزهر ساطع يتربع على عرش الربيع بصفائه ونقائه……..
فرح صاحبة السابعة والثلاثين عاما متزوجة وأم لخمسة أطفال تعد قهوة الصباح بعد ذهاب أطفالها إلى مدراسهم….
صوت فيروز العذب وكلماتها تتأرجح بين الزوايا والجدران (سوا ربينا سوا قضينا ليالينا)
حنين مبغات عصف و اجتاح أضلاعها أجج سيل من من الذكريات والحنين عند معانقة أحداقها لفنجان القهوة الثاني الفارغ اليتيم كانت تنتظر بلهفة مريرة ضيفا خفيف الظل يداهم عتبة منزلها يتقاسم معها هدوء وبهاء هذا الصباح لكن أمنياتها المتواضعة تأكلت أطرافها الخجولة بأسنان المسافات وصخب شوارع الحياة المتعددة………
حدثت نفسها بصوت مرتفع( يالله ما أجمل هذا الصباح إنه يشبه الى حد ما ذاك الصباح) بعد ان عادت بالذاكرة إلى صباح نيساني دمشقي من عام 1993 الصباح مشرق ورائحة الياسمين تعبق وتتعانق في الحي مع صوت أغاني فيروز
أم فرح غاضبة وحانقة لتأخرها عن الإستيقاظ الباكر والذهاب إلى المدرسة بعكس شقيقاتها مرح وثارا كانت فرح تقول لأمها( لا أريد الذهاب إلى المدرسة هذا اليوم يا أمي لأنني مريضة)
أختها التوأم مرح تقاطع حديثها (انها ليست مريضة يا أمي لا تريد الذهاب لأنها لم تحضر مذاكرة الحساب)
الأم بكلمات مطمئنة( هيا يا فرح أختك ستساعدك في الإجابة عن الأسئلة كما كانت دوما في الصف الأول والثاني )
تشارك ثارا بالحديث الأخت الصغرى التي ترفعت إلى الصف الثاني بعمر الخمس سنوات لنبوغها وفطنتها بكلمات ساخرة (عند عودتنا من المدرسة سأقوم بمتابعة دروسك جيدا سأحل لك المسائل الحسابية هيا يا فرح أسرعي فقد تأخرنا )
أمسكت الأخوات الثلاثة أيدي بعضهن وأتجهن الى مدرستهن باحثة البادية في وسط المزة كانت المسافة طويلة وشاقة على فتيات التسع سنوات لكن فرح كانت تحفظ الطريق جيدا حتى أنها كانت تعد أعمدة الإنارة المتناثرة على جانبي الشارع كانت تميز رائحة الياسمين المنبعثة من الحدائق والشرفات على بعد أميال. كانت تعبث بالأجدر ولوحات الإعلانات تكتب بعض من بنات أفكارها الطفولية بأصابع طبشور أزرق تدسه في جيب سروالها المدرسي تكتب وتوقع بإسمها لنتهال عليها كلمات التوبيخ والشتائم ظهرا أثناء عودتها من المدرسة ……..
ثارا تقطع الصمت قبل دخولها مع أختيها باب المدرسة (لقد تأخرنا بسببك يا فرح )
صوت التلميذات يصدح بتحية الصباح في أرجاء الكنيسة الملاصقة لجدار المدرسة …
يتبع
التعليقات مغلقة.