“نفوسنا… بين المرض والعلاج”… حسين الجندى
نفوسنا… بين المرض والعلاج
حسين الجندى
عندما يحدث أي شيء نهرع سريعا إلى تفسيره بالأسس والقوانين وإرجاعه لأسبابه المادية البحتة ونحاول جاهدين لإعادة القطار إلى قضبانه والطائرة إلى مسارها ولونملك لأعدنا النجوم والكواكب إلي مداراتها ونظل هكذا نقحم العلم وقوانينه في تفسير وتوضيح وعلاج كل ظاهرة كونية أو علمية تطرأ في حياتنا ، وهذا أمر طبيعي بل هو أمر ضروري ومفروض ، ولكن الأمر يكون مختلفا اختلافا كبيرا وربما بزاوية منفرجة عند تعامل العلم مع الطباع البشرية أو بالتحديد ما يُسمَّي بعلم النفس الإنساني :
Humanistic psychology)
فما أعقد النفس البشرية!
وما أصعب مراسها !
فأنت عندما تعالج مرضا عضويا مهما كان عضالا تستطيع تحديد الداء ومن ثَمَّ تحديد الدواء والوصول للشفاء بمشيئة الله تعالى،ولكننا نقف عاجزين تماما أمام المرض النفسي لأننا لا نستطيع سبر أغوار النفس البشرية فمهما تقدم العلم وتطورت طرق العلاج النفسى فإن النفس البشرية كتاب مغلق بالشمع الأحمر وموصدة بأقفال من فولاذ ، وما يُعْطَي من دواء في مثل هذه الحالات ما هو إلا مسكنات أو مغيبات ضررها أكبر من نفعها ، فليست المسألة معادلة وحِسْبة بل نفس بشرية لانعرف أين موقعها من الجسد فلا هي عضو معين نستكشفه بمنظار أو سونار ولا حتي بالأشعة بمختلف أنواعها، وهي متقلبة المزاج فتحب وتكره وتحزن وتفرح وترضي وتغضب وتنشط وتكسل وتطمح وتحبط وتتواصل وتنعزل وتتحمس وتفتر وتسامح وتعاقب وتقسو وتلين وتسمو وتنحط وتقنع وتطمع و…
وكل ذلك وغيره لأتفه الأسباب ، ولافرق في ذلك بين نفس إفريقية ولا آسيوية ولا أوربية ولا أمريكانية ولا إسترالية ولا حتي نفوس ساكني بلاد الواق واق !
فكل النفوس من أصل وطينة واحدة ، نعم للدين دور كبير في تهذيب النفوس وترويضها بل ويعتبر أفضل علاج نفسي على الإطلاق حيث يربط الدين بين الإنسان وخالقه ، ومن هذا المنعرج نفهم لماذا يكون المتدين أكثر الناس استقرارا في الحياة النفسية وأكثرهم ثباتا واتزانا ، وديننا الحنيف ( الإسلام) هو أكثر الأديان التي اهتمت بالجانب النفسي للإنسان بل وجعلته أساس الانطلاق فالنية مثلا هي محك قبول العمل أو عدمه ورب عظيم حقرته النية ورب حقير عظمته النية ، بل وجعل الإسلام الإنسان على نفسه بصيرة ، ولفت إلى الاهتمام بالروح والقلوب قبل الاهتمام بالجسد والشهوات…
وللحقيقة ليس هذا مجال بيان فضل الإسلام في تهذيب النفوس لأنه أمر بدهي وقُتِلَ بحثا ،ولكنني ألمس جانبا خفيا في نفوسنا :
هل نحن في صحة نفسية بالفعل؟
وبالطبع لا أشير إلى المرضي الفعليين الرسميين !
ولكن أشير إلي من يدَّعُون السلام النفسي والتوافق مع
مجتمعهم ، أشير إلى من في ظاهر الحال يظهرون للناس سعداء مرحين وحالهم مع ربهم حدِّث ولا حرج!
بل أشير إلى الأخطر من ذلك:
إلى من تحوَّل تسامحهم الديني والمجتمعي إلي غل وضغينة وكراهية شديدة فضاقت عليهم أنفسهم قبل الأرض وظنوا أنهم بذلك يؤدون واجبهم ويعاقبون أعداء الله من وجهة نظرهم ولعلهم نسوا أو تناسوا مواقف كثيرة كان فيها الرسول القدوة محمد عليه الصلاة والسلام يواجه الكفار بنفس تملؤها المحبة والسلام والحرص على هدايتهم والدعاء لهم فأنشأ جيلا ربانيا بحق يبني لا يهدم يحب لا يكره ..حتي وإن كره فكان يكره الفعل لا صاحبه فكانوا أصحاء في نفوسهم قبل أجسامهم…
نحن يا سادة أصبحنا في مجتمع مليئ للأسف بكثير من المرضي النفسيين والذين لا يعلمون أنهم مرضى!
وهنا مكمن الخطورة فلك أن تتخيل إنسانا ما يسري في جسده مرضا معديا وهو لا يدري حتى إذا استفحل المرض وتوحَّش صار الأمر من الخطورة بمكان وربما استحال علميا علاجه ،فيكون مصيره إما الموت وهو أهون له ولمجتمعه أو العدوى وهنا تكمن الخطورة الشديدة فالمرض لم يعد مرضا بل صار وباءً فتاكا يسري بين الناس كالنار في الهشيم ، إذن ما الحل بالله عليكم؟!
الحل هو الاعتراف أولا بالمرض والبدء فورا في العلاج وأنجع علاج نفسي هو التعري أمام النفس ومخاطبتها ومحاسبتها والأخذ بيديها فإن لم تستجب فبالضرب على يديها ومحاولة وزن الأمور بميزان حق لا جور …
بميزان لم يتم التلاعب فيه للضحك علي النفس ومحاولة التبرير…
بميزان الرسول والصحابة
لا بميزان قانون الغابة .
مقالات بسن القلم
حسين الجندى
التعليقات مغلقة.