نونو.. ..
بقلم مجدي سالم
طرقت الباب بحذر.. ودعوت الله أن يكون أحد إخوتي هو أو هي الأقرب إلى الباب.. لكن يبدو أن أمي كانت تنتظرني خلفه مباشرة.. كان يعلو وجهها خليط عجيب من كل المشاعر البشرية في آن واحد.. فهي تستشيط غضبا لغيابي غير المبرر.. وفرحة بإنني قد عدت ولم يحدث لي مكروه.. وهي تكبت غيظا تريد أن تنطق بكل ألوان التوبيخ.. وتمنع نفسها وتكره يديها على ألا تمتد إلي بأي لون من ألوان العقاب.. وقد استحال بياض عينيها ورديا.. ويبدو أنها كانت تبكي.. كانت متسمرة في مكانها تحول بيني وبين الوصول إلى الحصير الممزق أطرافه الذي يكسو أرضية الصالة الضيقة.. وكأنها لن تسمح لي بدخول البيت.. كانت ترتدي ملابس الخروج التي تضعها عادة حين تخرج إلى السوق القريب.. وشعرها مبعثر كأنها كانت في عراك شديد..
ثم علمت حين جرى الحوار أنها أطلت على الشارع لبعض الوقت من شرفتنا الخشبية المتواضعة علها تجدني في الجوار.. ثم ارتدت ملابس الخروج على عجل ونزلت تبحث عني في الزقاق أو في الأراضي الخالية في الحي حيث اعتدت والرفاق أن نلعب الكرة الشراب.. لكن دون جدوى.. فعادت خالية الوفاض إلا من القلق الذي استبد بها..
نظرة واحدة إلى إخوتي في البعد القريب كانت كافية لإن تصف ماذا جرى.. وماذا يتوقعون أن يجري.. وقد كنت السبب في كل ما جرى لإمي.. التي نطقت أخيرا بصوت مختنق..
- كنت فين.؟
ترددت كثيرا قبل أن أرد.. وحاولت أن ألفق أي حجة أو أي رد كاذب.. لكنني شعرت أن أي ثغرة في القصة التي سأسردها بعد تأليف على عجل قد تودي بي إلى المهالك..
- كنت بارمي الجواب ف باب الخلق..
- جواب إيه.. جواب لمين.. انت اتجننت ولا ناوي تجنني.؟ كنت فيييين.؟
- كتبت جواب لخالتي.. أقول لها.. مبروك النونو الجديد.. ورحت رميته في الصندوق..
- أنهي صندوق.. آه.. اللي متعلق عند دار الكتب.. وجبت ورقة البوسطة منين.؟
- خدته من على الجواب.. بتاع خالتي بتاعة اسكندرية.. بس لزقته بنشا..
كنت أشعر أن غضبها يقل كلما دار الحوار.. لكنني لم أتيقن بعد أنني نجوت من العقاب.. وقد قلت الصدق خوفا أيضا من العقاب.. كنت أعرف أنها قد منحتنا بعض الحرية في الحركة في الأنحاء.. في محاولة من أم تدافع حرصها وخوفها لكنها تحاول أن نعتاد الحياة.. كانت تعلمنا كيف نعبر الطريق الذي كانت تموت من الخوف وهي تعبره.. وترسل بنا لشراء بعض الأغراض كي نعتاد أن نتعامل في “القرش”.. وتصف كيف أن هذا “القرش” يجب أن تحصل عليه من كد يدك.. وتقص قصصا مختلقة عن مصير العاطلين أو عن “تنابلة السلطان”..
- هو الجواب ينفع بورقة بوسطة قديمة..؟
- طب هما ازاي بيعرفوا انه قديم..
- بيبقى مختوم من البوسطة.. أصلا إيه اللي خلاك تعمل كده.. وجواب ايه اللي بتبعته..
- مش انتي مارضيتيش تاخديني معاكي.؟ أشوف النونو..؟
التعليقات مغلقة.