هامان …د.أحمد دبيان
هامان …د.أحمد دبيان
( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ )
ورد ذكر “هامان” ست مرات في القرآن الكريم ، كما ورد اسمه متصلاً باسم فرعون كشخص من المقربين إليه ويسند فرعون إليه أعمال البناء ، حيث أمره ببناء صرح عالٍ يصعد عليه .
من الشائع فى التفاسير ان هامان كان وزيراً أو حاجباً لفرعون
والواقع ان هذا الإسم والذى يحمل فى طياته حروف اسم الإله آمون هو لقب لمنصب ولم يكن أبداً إسماً .
والإله آمون
معنى اسمه الخفي.
ورغم انه من العسير معرفة كيف كان اسمه ينطق بالضبط لأن الكتابة المصرية القديمة الهيروغليفية كانت تستعمل الحروف الساكنة (الصوامت)، فكان اسمه يكتب امن (Imn)و من الممكن أنه كان ينطق أَمِن مع إمالة الكسر إلى الفتح.
ووردت كلمة (Imn) كذلك كصفة بمعنى (الخفى، الباطن، السرى، الغيبى)، وتكتب غالباً بنفس أشكال كتابة الفعل. كما وردت كلمة (Imn) من عصر الدولة القديمة كصفة بمعنى: (الأيمن، الغربى)، أو تشير إلى (اليمين) باعتبار الكلمة اسماً.
أصبح آمون إلهاً فى عصر الأسرة الخامسة والعشرين، كما كان كهنة آمون في مملكة بلانة (ناباتيا) ومِرْوِه يتحكمون في جميع شئون الدولة، فيختارون الملك ويوجهون حملاته العسكرية، بل وأحيانا يرغمونه على الانتحار كما ذكر ديودورس الصقلي. استمر ذلك حتى القرن الثالث قبل الميلاد عندما قام أركامان (Arkamane Ergamenes) بذبح الكهنة.
تمتع آمون بشعبية كبيرة بين الناس حيث كان ينادى بنصير الفقراء، وأنه يحمي الضعيف من القوي، وحامي العدالة، وكان على من يطلب العون من آمون أن يثبت نقاءه أو أن يتطهر من ذنوبه أولاً.
كان ارتباط آمون بالملكية المصرية يعني أن يستمد الملك قوته منه باعتباره ابنا له مثل ما حدث عندما وجدت الملكة حَتْشِـپْسوت (ماعت-كا-رع) فيه نصيرا لها، فعظمته ونفسَها بأن أعلنت أنها ابنته، وبنت معبدها في الدير البحري باسمه. وطبقا للاهوت الرسمي في الدولة الحديثة كان أمون-رع هو الذي يحكم مصر من خلال الملك، ويظهر مشيئته من خلال كهنته. لكن مع ازدياد أهمية الإله ازدادت قوة كهنته وسطوتهم ففرضوا سيطرتهم على الساحة السياسية، ووصل الحال إلى أن حكمت مصر سلالة من الملوك الكهَّان هي الأسرة الحادية والعشرين.
هامان لقب من مقطعين
ها -أمن
أى حاجب او مدخل آمون الخفى .
ومن هنا كان سلطانه الثيولوجى الداعم للسلطة السياسية الممثلة فى فرعون .
أله فرعون هذا نفسه بدعم من السلطة الدينية الممثلة فى هذا الحاجب المدخل لقدس أقداس الإله الخفى وكأنه صورة من تجلياته ، ويبدو أن هذا لم يلقى هوى لدى جموع المصريين الذين كانوا يرون فى آمون نصيراً وحامياً للفقراء وانه كفكرة للإله الخفى عصى على التجسد فاتبع بعضهم موسى والهه الخفى ( يهوه ، ومعناها الذى هو هو )
بل وخرجوا معه فى الخروج .
هامان هو لقب وليس إسماً لشخص وهو يمثل جناحى السلطة المترسخة فى مصر
حاكم ومؤسسة دينية داعمة تمنحه ذلك الحق الإلهى فى الحكم ( كبرعا )
صاحب دار
وظل هذا هو العقد الإجتماعى للحكم فى مصر
طاعة الوادى المسالم إذا ما وفر البرعا المدعوم من المؤسسة الدينية المطعم والملبس والمأوى وحد الكفاية للشعب دون المساس بالمؤسسة التى ترعى كهانة الإله الخفى .
أما اذا ما نزا الحاكم على تلك المعادلة بادعاء الإلوهية او التعدى على مكتسبات الكهنة فكان الشعب تلقائياً أو بتحريض كهنوتى يبدأ فى التملل بل ويدعم التحركات التى تزيح هذا الحاكم أو ذاك ويأتى من يعيد توازن معادلة العقد الإجتماعى بحاكم يعيد الصدارة لآمون الخفى .
تجلى هذا فى الإضطرابات التى حدثت فى عهد اممنحتب الرابع ، إخناتون ، حين ابتدع عبادة آتون كجزء من الاله وحاول فرض عبادته على المصريين فلم تهدأ الأحوال الا بصعود حورمحب الذى اعاد الإعتبار لآمون وكهنته .
تضخم المؤسسة الدينية ونفاذها ونفوذها ظل يحكم التركيبة العقائدية السياسية للمصريين ، وظل هامان
ها -أمن
ممثلاً لذلك الكهنوت الداعم فى ضلال أو لمصلحة للحاكم مهما كانت درجة جوره .
ولتنقلب العلاقة ما بين الرأس السياسى او الرأس الثيولوجى اذا ما حاول الحاكم تحجيم او تقليص ذلك النفوذ المخترق للوعى الجمعى دعماً لنفوذه السياسى .
التعليقات مغلقة.