هانى موسى يكتب : أنا وصاحبة الفكر الأنيق
صديقتنا “صاحبة الفكر الأنيق ” سورية الأصل تقيم بألمانيا وهى كاتبة ذات قلم أنيق بحق فمنشوراتها على الفيس بوك دائماً تجدها من السهل الممتنع فهى تقتحم أبواباً للفكر من موقف حياتى بسيط و بطريقة العصف الذهنى تطلق للعقل البشرى العنان ليفكر فيها بعمق .
..ولا شك بأن صديقتنا تأثرت بالمجتمع الذى تعيش فيه و كثيرا ما نشرت عن إيجابياته و محاسنه و عقدت المقارنات بينه وبين مجتمعاتنا العربية اللهم ليس إلا من باب الحزن والأسى على ما وصلت إليه الأخلاق فى بلادنا !
وانا أتابعها وجدتها قد تحدثت فى منشورين عن أمانة الشعب الألمانى أما الموقف الأول الذى تقصها علينا حين جاءها العمال الذين كانوا يعملون ببيتها القديم الذى تركته للتجديد بثمار زرعها من الفراولة من حديقة هذا المنزل القديم حتى باب منزلها الجديد !
والموقف الثانى حينما حاول لص سرقة منزلها أثناء غيابها عن المنزل وكيف أن جارتها الألمانية أطلقت كلبها عليه ففر هارباً دون أن يحصل على شئ وأتت لها بالمال كاملاً .
لكن صديقتنا فى منشور آخر أخذت ترصد بعين الناقد الحقيقى سلبيات هذا المجتمع الألمانى خاصة والغربى عامة حين رأت إصرار هذه المجتمعات على استقلال الفتاة عن سيطرة الأب والأسرة منذ سن الخامسة أو السادسة عشر من عمرها وأن الحرية تتجلى فى أعلى معانيها هناك فى الصداقة بين الفتاة و صديق لها و أن تفقد الفتاة عذريتها بارادتها التامة وأن من تخطت منهن سنوات المراهقة دون أن تفعل ذلك يصطحبها الأهل للطبيب النفسي علها مريضة نفسياً !
..وبكل موضوعية وبمرجعية تاريخية و بعيداً عن التحيز الدينى والحضارى أقول لصاحبة الفكر الأنيق إن من سرقكِ ومن أعاد إليكِ أموالكِ كلاهما من مجتمع واحد ومن نفس البيئة الألمانية أليس كذلك ؟!
ثم إن الإباحية فى العلاقات بين الرجل والمرأة وشرب الخمور والعنصرية المتشددة ضد المسلمين فى كثير من بلاد الغرب وأمريكا – ناهيك عن دول آسيا- هو ما يرفضه الدين وتأبّه تقاليدنا و هو ما يتوافق مع الفطرة السليمة والعقل والمنطق .
…وإذا عدنا لجذور القضية التى لا يدرك كنهها الكثيرون هو أن هذه الأخلاق (العملية )المثالية التى نراها لديهم فى احترام قواعد المرور والعمل والمتجر والمقهى وغيره هى مأخوذة فى الأصل منا !!
نعم عزيزى القارئ..مأخوذة منا فى العصور الوسطى ( عصور الظلام فى أوروبا ) حينما اقتبسوا معالم حضارتهم الناشئة من العرب والمسلمين الذين نشروا العلم والأخلاق فى كل أرجاء المعمورة ؛ ويكفينا هنا أن نضرب مثالاً واحداً وهو نقلهم واقتباسهم كل أفكار المقدمة الشهيرة للعلامة “ابن خلدون” مؤسس علم العمران البشرى الذى عُرف فيما بعد بإسم علم الإجتماع ونسبوا أفكاره لعلمائهم أمثال “أوجست كونت” و”اميل دور كايم” وغيرهما !!
لكن الغرب تُحسب له فضيلة وميزة عظمى جعلته حتى الآن فى تقدم ، وهو أنهم حينما اقتبسوا العلم والمعرفة والأخلاق من المشرق العربى ، عضًوا عليها بالنواجز وجعلوها منهج حياة فى كل المناحى وأتقنوها فى مناهج التعليم ، فظهرت اخلاق الواجب عند ” كانط ” الذى دعا إلى ضرورة أداء الفعل الأخلاقي إحتراماً للعقل فى حد ذاته ، كما دعا “بطلر ” إلى فلسفة الضمير ، فأصبحت الأخلاق علمًا وضعياً تجريبياً بعيداً عن أى سلطة إلا سلطة الضمير والالتزام الداخلى حتى لو كانت سلطة الدين غائبة عنهم ، فنشأت الأجيال لديهم على تلك السجية وجُبلت أخلاقهم على حب النظام والصدق والأمانة لذاتها .
..لكن يجب أن نعى تماماً أن للأمم والحضارات أعماراً كأعمار البشر وأن كل حضارة تصل للقمة فهى تصل لمرحلة الشيخوخة ويختفى فيها الفكر الإبداعي وتكتفى بالتقليد والاقتباس وتعلن إفلاسها خاصة إذا كانت تلك الحضارة تقوم على الجانب المادى دون الجانب الروحى كما هو الحال الآن فى الحضارة الغربية والأمريكية البرجماتية البحته التى تعد بمثابة جسد نظيف بلا روح تسكنه وقد يستشعر ذلك من يعيش بينهم من أبناء جلدتنا .
أما آفة المسلمون أنهم لم يجعلوا تعاليم دينهم القويم -الذى هو أساس كل صلاح وفلاح- لم يجعلوه بحق فقهاً وواقع حياة ومنهجاً واكتفوا بظاهره دون باطنه وهو ما عطل نهوض حضارتنا ثانيةً داءُ نتمنى أن نبرأّ منه ولو بعد حين .
التعليقات مغلقة.