هدير السواقي …بقلم حمادة عبد الونيس
درج الناس في كفر “أبو قتب “على المشي جنب “الحيط “اتقاء لوشاية “أبو ودن الخباص “الذي وهب حياته لأسياده من عائلة “أبو صرم “يتتبع أخبار الأجرية والحلاقين ومن العزباء والمطلقة ما سلم ابن أنثى من بهتانه!
له بطن لا يملؤه حمل بعير من أرز أو شعير تندر به الحرافيش وأطلقوا عليه الألقاب واحدا تلو الآخر فجماعة الزيني أسموه “الودني “وسماه الهنادوة “أبو لقمة “أما حارة “الحناشة فسمته “وابور الجاز !
كفر أبو قتب شأنه شأن النجوع والكفور والعزب يوم جاء فريزر من بلاد الثلج يريد سرقة القوت وكسر النابوت واقتلاع أشجار التوت !
معظم سكانه يأكلون الشعير وينامون على الحصير لا يعرفون السرير ولا الديباج ولا الحرير إلا النجعاوي واكل مال اليتامى ومرمل النساء وخصوصا الجميلات منهن لا يرعوي عن حرام ولا يرجع عن معصية ،يخرج في الحارات ليلا يتبعه الخباصون والبصاصون يتقون شره ينفذون ما يكلفهم به في صمت لا نقاش ولا جدال ،كلما بلغ أحدهم المنتهى خسة ونذالة وطاعة عمياء قربه إليه نجيا لا يرى في نفسه حرجا أن يسامره ويقص عليه أطرافا من مغامراته مع زوجته واصفا ما حدث بينهم وصفا دقيقا لا ينسى كلمة أو وصفا بل يؤلف أحاديث خرافة عن بطولاته وصولاته وجولاته ثم ينفجر الحاضرون ضحكا تتعالى أصواتهم من أثر الحشيش كأن بهم جنة أو أثارة من مس !
وضع النجعاوي يده ظلما على أرض لم تكن له وعرف الطرق الملتوية فأحسن الولوج إليها لم يكن الكتبة سوى قلوب خربة وذمم دب فيها الحرام فعشقته حتى أدمنته ،ألفت أرجلهم بيت النجعاوي يبيتون لديه يوم الخميس والجمعة فيذبح لهم الخراف والكباش والنعاج فيأكلون حتى تمتد بطونهم أمامهم ويشربون ما يشتهون ويعمرون المزاج أفيونا وحشيشا حتي إذا ما بسط الليل جناحه على القرية وهجع الحرافيش كل قد هرب من المناشير التي تنشر في أوصاله من أثر العمل المتواصل في وسية النجعاوي إلى الحجرات المعتمة يغلق عليه بابه بحجر كبير مخافة الثعالب والذئاب البشرية التي تغتال النائمين هربا من الجوع الطامحين في حلم يساق إليهم فيه رغيف وحصوة ملح يردون به أنياب الجوع الذي يعض الأمعاء الخاوية !
كان الخباص قريبا للنجعاوي ملازما له يأتي إليه كل ساعة بأخبار جديدة !
هذا تزوج وامرأته تحل من حبل المشنقة وذاك لديه فتاة في سن البلوغ أملود كاعب غصن بان رطيب !
أما المحروس سلامة الصيفي يألب المزارعين عليك ويقص عليهم أطرافا من هضم جنابك لحقوق الأجرية !
من أسبوع كون “كلة “من الأنفار وبحر بهم للعمل في أرض العمدة الكبير في أرض السيالة ورفع اليومية من من خمسة قروش إلى عشرة وهذا ليس في صالحنا يا كبير الكفر !
يبدو إن البنت عديلة بنت باتعة كسرت الكرنك وضربت جلبة وبستم ،مرت علي قبل الظهر وقالت لي أبلغك رسالة :”كانت ليلتك ليلة ياعمدة،أستاهل عليها الجاموسة للولاد ،تحلب طاجن لبن فضلة خيرك أهي تساعد في تربية البنت والولدين،أصل عوضين جوزي البلهارسيا حشت وسطه يشتغل كروة ويقعد عشرة ولولا فضلك علينا كنا متنا من الجوع ….أنا خدامتك ورهن إشارتك …وحياتي عندك جوز حمام وأرنبين ..محسوبك عوضين ياكل ينام أسبوع ……!
سمع النجعاوي الرسالة وسخن جسمه وانتفخت عروقه فنادي زاعقا على برعي الكلاف:
يا برعي الكلب ….يا ابن عضاضة الرجال!
تحت أمرك يا كبيرنا ،رهن إشارتك ،خدام ترابك !
حالا حمل الركوبة أكل أسبوع لعمك عوضين أبو صرم وحمل مكسورة الرقبة مهجة البط والوز والأرانب حسك عينك تتأخر دقيقة واحدة وسلم على عدلات وقل لها تمر علي يوم الخميس بعد المغرب!!
على المدار أسرار بعدد ذرات الغبار المثار من حوافر “الثيران “التي تدور في الساقية مغماة العينين !
كم هي طويلة أيام الصيف !
حرارة من فيح جهنم ،جسوم هدها التعب وأنهكها الجوع ،خوف وطمع ،ضعف وخور ،البق يهري الأجسام البضة ليلا ،يتلذذ بارتشاف رضاب اللحم الرخيص ،من تكلم تألم ،قانون الغاب لا يعترف إلا بمن له ناب !
لا شك أن الحمل الوديع سيكون طعاما للذئاب!
مصائب قوم عند قوم فوائد ،تبارك الثعالب المذبحة ويتطاير الذباب حول النار له طنين وألف زنديق قد أمسكوا جميعا بالمسبحة لم يكن فريزر وحده المغتصب المنسل بل ألف ألف فريزر وألف ألف فرعون مهدوا الطريق وفرشوها ورودا ورباحين ورشوها بماء الورد لولي النعمة السادن الأعظم،تختلف الأسماء والمسمى واحد وتتباين العصور وشجرة الإجرام جذورها تمتص دماء الأشلاء التي مزقتها يد الفساد والإفساد واغتال أمانيها كهنة المعبد وألف واش يرى حظه العظيم في رضاء الحاكم بأمره عنه فتصببه لفحة من نار تتلظى في صورة لقمة أو مزة كأس في عتمة !
لم يكن نجعاوي أو بعلاوي أو نكلاوي إلا صورا رديئة مكرورة جثمت على صدور المهمشين عنوة المغتربين في بلادهم في قلوبهم ألف حسرة وتراهم مجبرين على إنشاد الأناشيد والغناء للأوطان بألف غنوة !
يحدون الإبل في أرض فلاة ويحنون لمن عذبوهم واستعبدوهم الجباه وهم طعام الموت الأثير في ساح الوغى ومعامع القتال على خطوط النار يذودون الذباب والجراد المنتشر الحائم حول الرياض الغناء لكنهم يموتون جوعا برغم الفواكه المطروحة تحت أرجل النجعاوي وبرغم أشهى الأطعمة المعدة خصيصا حبا وكرامة للزعبلاوي الذي لم يضرب الأرض يوما بفأس ولم يعرف معنى “الناف “ولا القناف “ولا يدرك بوح الثيران للسواقي في حشاشة الليل البهيم !
حوض العمدة شاهد عيان وأرض المنشر كذلك لها في الكد أسرار وأطوار ،فريق فاز باللذات ونال الملذات وحرق الملفات وفريق آخر دهسه القطار وأتت عليه النار لم يسعفه الحظ ولم تهش له الدنيا وما أسعدته الأيام !
قالها الفلاح الحر قديما “قيراط حظ ولا فدان شطارة “!
ما دخلت الخيول المطهمة المحاريب المطهرة إلا بفعل نجعاوي سارق الكحل من العيون،ناهب الأعراض ،سفاح أحلام البسطاء قليلي الرجاء !!
“أبو كرش ” يمسك مسبحة ألفية في يده وقد انحنى ظهره وتساقطت أسنانه وفي صدغه قطعة سوداء تشبه الرقعة تطارده،شهادة الزور التي ضيعت حق اليتامى بكلمة خرجت متذبذبة من فم دخله الحرام قوتا ألف مرة وخرجت منه الأكاذيب والوشايات تفسد المجرة !
ما كان أغناه لو تأمل وتأني قليلا وربط على بطنه حجرا أو حجرين !
لقد سن نجعاوي ألف سنة من بعده لكل من سار على نهجه والتصق به جين من جينات هي سبة في جبين من ناله من قيحها ونتنها لا علاج منها ولا برء !
كم أفسدت البومة في كفر “أبو قتب “
وكم منع الحمام من الهديل وكم باتت من ورقاء حزينة تدعو ساق حر ولم تجب ،الخيول النجيبة تستف التراب والحمر الوحشية في ظل ظليل أمامها المذاود شعيرا وفولا وماء باردا من النيل !
لم يبع عواد أرضه وما كان له أن يبيع غير أن نجعاوي كان له رأي آخر ؛يوم اعترض الفتى وصرخ في وجه نجعاوي اتهمه المرجفون بالخيانة ورموه بدائهم وانسلوا كم تنسل الشعرة من العجين !
ترك لهم الجمل بما حمل وخرج مهاجرا في أرض الله يرجو النجاة نادى أكابر مجرميهم ،ضعوا العراقيل في طريقه ، شردوا به من خلفه من زغب الحواصل ،اسرقوا البقرة،ضيقوا عليه !
ما أسرع انتشار الأكاذيب في كفر “أبو قتب “!
الآكلون بشرفهم لا يأبهون بحق ولا يهتمون بفضيلة؛قصارى جهدهم أن يأكلوا حتى تضربهم التخمة فيخرجون إلى الطرقات ليلا ولهم خوار كبقرة رعت برسميا طريا فنفخها فلا يهدأ لها جنب ومن لم يمت جوعا مات تخمة لكن شتان شتان ما بين الموتين!
غربان النجعاوي مازالت تساوم صقور عواد ألا تقاوم، تبحث عن عديلة وأم لبانة ابتغاء ليلة حمراء في جنح الظلام وحنادس الظلم !
جل الإشارات عبارات ناطقة ببيان معجز وموجز منذ الأيام السوداء مرورا بالأيام الحمراء وصولا إلى الأيام البيضاء لا تزال الثيران تقص على المدار أحداث ما قد كان تستحث الليل البهيم على الانجلاء تنشد الأطيار أناشيد النور ،النيل يفيض من جديد ،الخير وافر ويزيد ،يعود عواد ملكا متوجا في مملكته يضرب أرضه بفأسه الفولاذية الصلبة تلمع تحت أشعة الشمس ينزل عرقه مسكا وطيبا ،يفوح عبيره بين الجداول التي تأتي مسرعة تحتضن الزرع فيهتز ويربو عنبا وموزا ونخلا وقطنا أنور وعلى الحواف أشجار التوت تظل الأنعام ،تصهل الخيول رافعة رأسها في شموخ نحو السماء ،أما النياق فلها رغاء تحمل القصب معجبة بحداء ذلكم الفتى الأسمر زهران :
عواد عاد إلى أرضه
يحبها حب نافلته وفرضه
لم يخفه نجعاوي لم برهبه زعبلاوي
وإنما أقسم قسما أن أرضه
لديه كدينه وعرضه !
يتوضأ مهران وأخوه عمران من ماء الساقية
يصليان الظهر ويجلسان يختمان الصلاة
بأدعية وأوراد
يسبحان ويحمدان ويكبران
الله أكبر الله أكبر
الحق أبلج
الباطل لجلج
الله أكبر والنور يسري
والخير يجري
والنيل عذب فرات
وكم لله من آيات بينات
ماء السواقي أغلى لدينا من نور المآقي
فهيا بنا هيا بنا يا رفاقي
بعزم الهمم نبني الوطن
ونسود الأمم ونسود الأمم
والله أكبر الله أكبر
على من بغى وتجبر !
التعليقات مغلقة.