هذه القصة من وحي الخيال، ولا تنتمي إلى الواقع بأي حال.
اختلاف
بقلم خالد العجماوي
لم أفعل شيئا يستحق كل هذا الهراء!
كل ما هنالك أني وقفت في ساحة المؤتمر الكبيرة، والحضور يصفقون منتظرين أن يسمعوا كلمتي، فما كان مني إلا أن استدرت لأواجههم بعجيزتي، ثم خلعت بنطالي، لأظهر لهم ذيلي!
التفوا حولي بعدها في سرعة، وكبلوا معصميّ، واقتادوني إلى الحبس الاحتياطي..ووضعوني داخل زنزانة انفرادية ، وعصبوا عيني بإحكام، ثم تركوني أصارع البراغيث حتى الصباح.
لست مجنونا، ولكني وللأسف صدقتهم.
أخذوني مكبلا إلى غرفة التحقيق.
- اسمك؟
- دكتور رؤوف عبد السلام ممتاز. أستاذ قسم الفلسفة ومحاضر دولي.
- ماذا فعلت في المؤتمر؟
- أبرزت ذيلي للحضور.
- ألا تراه عملا جنونيا؟
- كان مؤتمرا عن الاختلاف والتعايش، ووجدت أن هذا أفضل من أي كلمة..
مرت لحظات صمت. العصابة تكاد تعصر عيني فلا أدرك من حولي إلا بمقدار ما ألتقط بأذني. خطواته تدور حولي دورة كاملة. وقف خلفي. ويداه تتحسس ظهري من فوق القميص. هبط بأصابعه نحو عجيزتي حتى أدركت أصابعه المنبت. مشدودا بإحكام تحت المشد الذي أرتديه، مفرودا بطول فقرات ظهري حتى وصل إلى منتصف عامودي الفقري. سمعت طرقعة أصبعيه. بعدها انفتح الباب لأسمع جلبة لرجلين أو ثلاثة، وامتدت أياد تجردني من ملابسي، فما انتهوا إلا بعد أن وقفت عريانا، وقد نزعوا العصابة من فوق عيني، لأسمعهم بعدها يخرجون وهم يصفقون الباب في هدوء.
تملكني غضب، وأنا أحاول أن أفتح عيني المعصوبة منذ أمس. لاحظ هو أن ذيلي قد انتصب، ولم يكن يدرك أنه كذلك لا إراديا كلما تملكني الحنق والغيظ.
سألني في هدوء مستفز: - لماذا قررت أن تظهره الآن؟
- وجدتها اللحظة المناسبة.
- في مؤتمر دولي؟!
- مؤتمر عن التعايش وقبول الاختلاف..هذا عنوانه.
- البلد كلها مقلوبة بسبب..
سكت لحظة، ونظر لذيلي في ازدراء، وقال: - ذيلك.
- لا أفهم!
- هل من الطبيعي أن يخلع أستاذ لمادة الفلسفة ومحاضر في مؤتمر تحت مظلة الدولة بنطاله أمام الجميع ؟
- ظننتهم سيفهمون الاختلاف!
لوح بذراعيه في غضب مفاجيء: - الإعلام المعادي يسخر منا ويقول إننا رجعنا إلى أصولنا الأولى، والمتدينون يصرخون ويرون أنه غضب من الله، والعلمانيون يرونه انتصارا لداروين المخبول..
اتسعت عيناي وأنا أتمتم: - كل هذا الهراء!
دامت لحظات صمت بدت لي دهورا. ظل ينظر إلي وإلى ذيلي كأنه يتفرس في حيوان غريب. سألته فجأة: - تقبلنا كل أنواع الاختلاف؛ في الأديان والأعراق وحتى المثلية..
أمران فقط هما اللذان لم نقبل فيهما الاختلاف.
أمسكت بذيلي وطوحته في الهواء: - هذا العضو..
ثم نظرت إلى صورة معلقة باهتمام على الحائط، وأردفت: - وهذا!
نظر إلي مذعورا، وهتف: - أنت مخبول!
رن هاتفه. خطفه من مكتبه في سرعة. أومأ برأسه في طاعة وهو يتمتم: - أمرك.
استيقظت لأجدني على بطني في غرفة معتمة. ألم رهيب شعرت به فوق عجيزتي. كأن شبحا مر من أمامي وهو يتمتم:
- لا تتحرك..سأغير على الجرح الآن..
تأوهت والألم يعتصرني إثر ضغط فوق جرح غائر أسفل ظهري. وجدته يغمز إلي بعينه التي برزت من فوق كمامته: - كان طويلا..الله يرحمه!
انتهى من عمله، وهم بالخروج، ثم استدار قائلا: - أصبحنا نتقبل الاختلاف في كل أمورنا الآن..
نظر إلى صورة مبجلة على الحائط وأردف: - إلا أمر واحد!
التعليقات مغلقة.