” هذه قصتي ” داخل … خارج بقلم سامح الشبة
” هذه قصتي ” داخل … خارج بقلم سامح الشبة
كعادة عم حسين العربجى ممتطياً حماره الأعرج متجهاً لأرضه الزراعية ، وفى طريقه توقف قليلاً ، فقد لفت نظره وانتباهه شيئاً ما على الطريق ، تجاهله وعاود السير بحماره إلى مصدر رزقه … لم يكف عن التفكير فيما رآه منذ قليل .
أوقف الحمار … هبط إلى الأرض، وجه الحمار إلى الطريق المضاد للرزق .
مشى على قدميه ساحباً حماره وراءه … يتبعه فى استسلام دون أى اعتراض ، فهذه هى المرة الأولى فى حياة هذا العربجى الذى بدأ فى تغيير إتجاه سير هذا الحمار ، وهذه المرة إلى اتجاه مخالف لما عاهده معه ، فلم يعهد الحمار من قبل هذا الطريق إلا عند الرجوع إلى البيت فقط .
سار خلفه إلى أن أوقفه سيده وربطه فى نخلة تتوسط الطريق وتركه ومشى .
تعثرت قدم حسين العربجى حين لامست شيئاً وسط هذا الكم الهائل من التراب الملوث بروث البهائم … بعثر ذرات الرمال … غربلها بين كفيه عسى أن يعثر على قطعة نقود … عربية كانت أم أجنبية … أياً كانت تقدر .
” ربما تفتح لك الدنيا ذراعيها وأحضانها وتعثر على كنز دفين فى باطن هذه الأرض … ربما تكون معك عملات العالم جميعها … ولتتزوج إمرأة جميلة وترزق منها بالولد الذى تتمناه” .
- آهٍ لو رزقنى الله بالولد … آه .
” يستحيل على أى إنسان أن يعيش مرة ثانية ، ولكن من الصعب البقاء فى حياة أدنى من حياة” .
قد كان نهيق الحمار إنذاراً وتنبيهاً له بأن شيئاً هاماً يستحق النظر إليه … إلى أسفل!
هكذا تتم عملية التفاهم ، وفى كثير من الأحيان التخاطب والغناء أيضاً . - ما هذا أيها الحمار الأعرج .. ما كل هذا النهيق ، كأنك تصرخ بأعلى صوت لتُسمع العالم على ما رأيت ، أخفض صوتك ، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ، كل هذا من أجل علبة ! ، يا لك من حيوان تثير الفزع لى وللآخرين ، وفى النهاية لا شئ ، أخُلِقت لتشاركنى المأكل والمشرب ، يا لك من حمار أعرج لا تحمل هم الملبس والمسكن !
يزداد نهيق الحمار ، كأنه أراد غيظه وإشعال نيران الغضب فى صدر حسين العربجى ، فهو السيد هذه المرة … فالكل أسياد ، والكل عبيد … والكل يعمل ، والكل يأكل … والكل يشرب ، والكل يلبس … والكل ينام ، والكل سواء . - امشى يا أعرج!
عاد حسين العربجى وبيده تلك العلبة :- - صغيرة جداً
أخرج زفيراً حاراً وبعد طول تفكير :- - أأعرف ما بداخلها أم لا ؟
” ربما تكون أحدث ما وصل إليه العلم الحديث من أشكال المتفجرات صغيرة الحجم ” .
جاءه نهيق الحمار من بعيد … نظر إليه … وجد أن لجام الحمار قد انحل من مكانه ، واتجه الحمار إلى حقل سيده … ترك سيده وحده – لا تركه مع العلبة – وللعلم هذه أول تجربة للحمار … فهل سينجح ويصل للحقل بمفرده ؟!
وما لبث حسين العربجى واستقر على أن يكشف حقيقة العلبة ….. - ماذا … لقد فتحت لك طاقة السماء … يا لها من قطعة آثار صغيرة الحجم كحبة القمح … الآن أصبحت مخازن القمح فى العالم ملكى … فلن يجوع بعد اليوم أحد … إنها تقدر بملايين الدولارات .. بل هى التاريخ كله … التاريخ كله !!!
التعليقات مغلقة.