“هلالية” فتوة الحارة …
بقلم ..ناصر عبد الفتاح
زارتني أطياف الذكريات فانتشلتني من العصر الكوروني حيث الإنسان كائن احترازي، وألقت بي في غياهب العقد الأخير من القرن الماضي عندما كان الإنسان كائن اجتماعي.
في أحد الأحياء الشعبية.. حارة “هلالية” كما كانوا يلقبونها، فتوة الحارة ورجل البيت.
هي التي كانت تشعل فتيل الحرب وتخمده، وهي التي كانت تطلق أول زغرودة فتقام الأفراح والليالي الملاح، وتطلق أول صرخة فتشيع الجنازة وينصب السرادق، وهي حاملة الطبلة وضابطة الإيقاع ومطربة الحنة.. لسانها كرباج رنان حين تطلقه تختبأ النساء ويخجل الرجال، ولا صوت يعلو فوق صوتها في الحارة.
سكنت مواجها لبيتها، ولم أعبأ بتحذيرات القاصي والداني من “هلالية” وأن هذا البيت لم يمكث به ساكن أكثر من شهر، وأن أحدهم تجرأ وأغضبها فاقتحمت البيت وحملته وقذفته من الطابق الثاني فوق كومة من الرمال، وألقت بعفشه وراءه، وآخر جن وتشاجر معها فشقت عباءتها، وألقت به على الأرض وجلست فوقه ثم صرخت:
الحقوني يا ناس.. الواد اتهجم عليا.
وتدخل ذكور الحارة وتم تخليصه بصعوبة بالغة قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة وفر هاربا من الحارة تاركا فرشه وعفشه خوفا من فتوة الحارة.
وانهالت الحكايات عن الفتواية الجبارة، لكنني لم أجد سكنا متاحا غيره، وحب المغامرة أفقدني الوعي فلم أبحث عن سكن بديل أو على الأقل أنعم بهدنة الشهر ريثما أبحث عن سكن بديل قبل أن يثور البركان وأواجه مصير السابقين، كما أنني سأعمل بنصيحة صاحب البيت وهو موجه بالتربية والتعليم: خليك في حالك.
وسأتبع وصاياه العشر كي أتقي شرها وأتجنب حممها وأظفر بالأمان، لكن هلالية أبت إلا أن تقيم لنا حفل استقبال مذهل.. نعم لنا، فقد استقدمت زميلين للسكن معي، فلا طاقة لي بها وحدي؛ كما أن يد الله مع الثلاثة…. يتبع.
التعليقات مغلقة.