هل حكمت ثورات مصر ؟..بقلم د.أحمد دبيان
هل حكمت ثورات مصر ؟
د.أحمد دبيان
دار السؤال فى ذهنى وأنا أتأمل الحالة المصرية عبر تاريخها الممتد منذ قام علماء الأزهر بالثورة على الوالى العثمانى خسرو باشا عام ١٨٠٥وأجبروا الخليفة العثمانى عى تعيين محمد على الذى سرعان ما إنقلب عليهم فى ثورته السلطوية المضادة فقام بنفى وتشريد معظمهم …..وانتهت بهذا إرهاصات أول حركة شعبية سرت اليها عدوى الثورة الفرنسية و إستلهمت التنوير الذى جاءت به حملة بونابرت .
مرت عربة القطار فى الأنفاق المظلمة حتى جاء فلاح الشرقية أحمد عرابى الضابط الوطنى المصرى المخلص الذى وقف للخديوى فى يناير ١٨٨١ شاهراً كلمته الخالدة إننا لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم وتم بعدها تكليف شريف باشا بتشكيل الوزارة فى سبتمبر ١٨٨١ وبدأ السعى لوضع أول دستور للبلاد والسعى فى تطوير البرلمان فى طموح مبكر لدولة تحلم بالسير نحو حداثة ترى إنها حق لها وإنها أبداً ليست أدنى من دول أوروبية أقل عراقة وأقل مكانة وأقل تاريخاً أيضاً .
سرعان ما تم الإلتفاف على تلك الأحلام الفتية وتآمر خديوى خائن ومستعمر غاصب وإنتهى الحال بإحتلال البلاد فى مايو ١٨٨٢ وتم السخرية من التجربة كلها وإختزالها فى مسمى وقح يذكرنى بمسمى وقح آخر( هوجة العسكر أو هوجة عرابى )
مضى القطار بطيئاً هذه المرة ، جاء مصطفى كامل بدعم من الخديوى عباس حلمى الثانى والخليفة العثمانى ضد سلطة مطلقة لمندوب سامى محتل هو كرومر .
كانت إشكالية مصطفى كامل أن مسافة الولاء للوطن تاهت فى مسافات ولائه للخديوى والخليفة فنجده شديد العداء لثورة عرابى وتاريخها بل ويحملها أيضاً فى صدى واضح لإستبداد الأسرة العلوية( وخيانتها ) مسئولية الإحتلال.
كانت أبرز إنجازات مصطفى كامل هو إزاحة إفلينج بارنج الشهير باللورد كرومر دون وجود إنعكاس حقيقى شعبى أو إنجاز لإستقلال .
مضى القطار سريعاً هذه المرة وأتى العام ١٩١٩
ثورة حقيقية ضد الإحتلال،
زعيم التفت حوله الجماهير وجناح عسكرى حديدى بقيادة عبد الرحمن فهمى كان له الفضل الأكبر فى نجاح الثورة رغم يأس رمزها فى لحظة ضعف أنسانية فى مقولة شهيرة تناقلتها الأجيال التى لا تعترف بلحظات ضعف الرموز قائلاً (مفيش فايده ) ومد شعبى جارف يسعى للحرية .
إنتهت ثورة ١٩١٩ وتمت ترجمة الإنجازات على الأرض وكالعادة كانت الترجمة شائهة مبتورة .
تم منح مصر إستقلال شكلى فيما عرف بتصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢ بإلغاء الحماية وتم تشكيل دستور ١٩٢٣ والإفراج عن سعد باشا .
ليتم بعدها إجراء أول إنتخابات إكتسح فيها حزب الوفد وتولى سعد زغلول الوزارة التى سرعان ما أقيلت فى العام نفسه بعد إغتيال السردار الإنجليزى السير لى ستاك .
تم إجهاض المشروع الليبرالى المصرى الذى يتغنى به الكثيرون فى أقل من شهور.
ولدت أحزاب كثيرة بعضها يدين بالولاء للقصر والآخر للمحتل وتصارعت بينها وحتى أكبر حزب شعبى ألا وهو حزب الوفد تعددت الإنشقاقات داخله من كتلة وفدية لسعديين لأحرار دستوريين
أصبحت الحياة الحزبية عبئاً على المشروع الوطنى المصرى وأصبحت مدخلاً للإستعمار والأحزاب الموالية له وللملك وأحزابه أيضاً للإلتفاف على المشروع الوطنى المصرى و آماله وطموحاته فى التحرر من الإحتلال والإستبداد حتى إنتهى الأمر بأن جاء حزب الأغلبية على فوهات مدافع الدبابات الإنجليزية ونجحت الثورة المضادة مرة أخرى .
أخذ القطار يسير عبر حقول ألغام التاريخ .
تم ميلاد جماعة سرية فى عملية قيصرية قسرية للإلتفاف على سعى الشعوب لنهضة حقيقة تتمتع بالحرية وعدم التمييز .
تم إجهاض الإتصال المشروع المنساب بين أقطار الوطن الكبير و سكب بقعة تشوه ثوب الخريطة المتصل.
وولدت إسرائيل بتخصيب فاسد شائه قطع جسور الوطن الكبير .
مضى القطار عنيداً هذه المرة ،ثورة كبرى ولدت فى الشرق وكان عام ١٩٥٢ عاماً فارقاً فى تاريخ شعوب تسعى نحو ميلادها وذاتها.
جاءت الثورة المضادة مبكراً من جماعة تتغنى بالديمقراطية وقت مصلحتها وتكفر بها وقت أن تتنافى مع جشعها
كانت أزمة مارس وحركة سلاح الفرسان ،وتغنى البعض بحسن أو سوء قصد بالديمقراطية وعودة الجيش للثكنات وتناسى وجود قاعدة يربض بها ثمانون ألف جندى بريطانى لديها خطة روديو لإحتلال القاهرة والدلتا فى أقل من ٢٤ساعة.
كانت العودة للثكنات وقتها تعنى ببساطة عودة ملك عابث وحياة حزبية فاسدة وإستمرار إحتلال دام ٧٢ عاماً.
حكمت الثورة فعلياً من عام ١٩٥٦حتى عام ١٩٧٠ تخللها ضربات قاصمه حاولت أن تجهضها ممثلة فى ٥ يونيو ١٩٦٧ وقبلها محاولات الجماعة العميلة إستنزاف موارد الدولة المصرية وتشويهها حتى إنتهى حكم أهم ثورة فى تاريخ مصر الحديث حكمت قرابة الأربع عشر عاماً وحققت أعلى معدل للنمو وقتها برحيل قائدها عام ١٩٧٠.
جاءت السبعينيات والثمانينيات والألفية تمكنت قوى الثورة المضادة والإستعمار المتلون من التحكم فى مقدرات الدولة المصرية .
مكنت الديمقراطية المشوهة والأحزاب المبتورة التى إخترقتها عناصر الإستخبارات وعملائها من الجماعة الخائنة وغيرهم من التحكم والنفاذ لمواقع تحريك وصنع القرار وبدأت ألعاب التوازنات السياسية والتاريخية ما أخل بأحلام وتطلعات شعب يسعى نحو تقدم بات السعى له جزءاً من فطرته وترتب على كل هذا ردة دينية سياسية فكرية وأخلاقية.
تحرك القطار المنهك المثقل بصدأ غياب الوعى والنسيان و تحركت الجماهير المنهكة بأزمات إقتصادية وإمتهان كرامة وإدراكها الفطرى بزيف المحيط فى ٢٥ يناير ٢٠١١
وسرعان ما تم الإلتفاف عليها أيضاً باسم الديمقراطية السابحة وسط أمواج أجهزة الإستخبارات فأنتهينا بان تصدر المشهد جاسوس مندوب لجماعة باعت الوطن منذ أربعينيات القرن الماضى فى قصر الرئاسة ليتحرك الجيش مرة أخرى فى جراحة انقاذ تاريخية بدأت منذ ثورة عرابى مروراً بثورة ٢٣ يوليو لتصبح الخيارات المتاحة فى ظل تعاور السيوف على محاور الأمن القومى العزف على أوتار الضرورة.
التعليقات مغلقة.