هل يكفي التعاطف مع حالة لتغيير قانون للأحوال الشخصية؟ بـقلم أسـمـاء الـبـيـطـار
هل يكفي التعاطف مع حالة لتغيير قانون للأحوال الشخصية؟ بـقلم أسـمـاء الـبـيـطـار
بداية لن أتحدث عن هذا الموضوع من الناحية القانونية فلست متخصصة في هذا المجال وسأترك الأمر لأهله. ولكن سيكون مقالنا وكما تعودنا اجتماعيا ومن أرض الواقع وبعدها سأترك الرأي لحضراتكم.
لا شك أن مسلسل ” تحت الوصاية ” أثار تعاطفا مع حالة البطلة بالرغم أنها سرقت وحاولت التزوير، حتى لو حاولنا الإشارة إلى ما دخل في نفوس أبنائها منذ نعومة أظافرهم من ظلم أهل أبيهم لهم .
لن أطيل الحديث عن أحداث المسلسل فلسنا بصدد نقد العمل من الناحية الفنية لكن قبل أن نتحدث عن وفاة زوج وتركه زوجة شابة في مقتبل العُمر وأبناء قُصر و ما يترتب عليه من آثار و قبل أن نهاجم قانون الوصاية بالتحديد أو نطالب بتغييره لأنه محور مقالنا لابد أن يكون لنا خلفية اجتماعية عادلة و حيادية خاصة إذا كان الأمر يتعلق بأطفال و أم شابة، قبل أن يتعلق بآباء فقدوا قطعة من روحهم أو عائلهم الوحيد تبدأ الحياة الاجتماعية الحقيقية لأي زوجين منذ لحظة الاختيار، فكم من بيوتٍ بدأت دون رضا أي من آباء أحد الطرفين عن الأخر، لكنهم في النهاية يسلمون ما دام الابن أو الابنة في رضا واقتناع. فمثل هذه البدايات لا تُبشر بخير لا على المدى البعيد أو حتى القريب. وإن سلمنا أن البداية كانت طيبة و سنكون منصفين لحالات أخرى.
تتدخل مشاكل الحياة العادية لأم مثلاً تغار على ابنها وزوجة شابة تبادلها نفس الشعور وما يترتب على ذلك أيضاً من أثار تُثير النفور وتحجم العلاقات قبل أن يأتي حتى المولود الأول ويتسابق الأجداد في تسميته على أسمائهم .
فلندخل في موضوعنا والدعوات التي قامت على قانون “الرحمة ” من الناحية الاجتماعية قبل أن يكون قانونا للوصاية من الناحية المادية. نعم هو قانون الرحمة لجميع الأطراف من الزوجة الشابة، لأهل الزوج، للأبناء الذين فقدوا أبيهم قبل أن يكون عائلهم. ولو نحينا الماديات جانباً والتي قامت عليها فكرة هذا العمل، وكانت أيضاً محوراً للحديث في معظم البرامج بعد انتهاء هذه الدراما. والتي سيكون لنا معها وقفة لأنها سبب كل هذا الهجوم بسبب العواطف الدرامية. قلنا سابقاً إنه
” قانون الرحمة “وسنكون منصفين ولابد أن نكون كذلك حين نضع في الحسبان والد الابن الشاب الذي فقد حياته سواء بانتهاء الأجل أو بسبب مرض أو حادث مثلا. حين أعطى القانون الحق للجد أن يكون وصيا على أبناء ابنه ليكونوا عوضا عن فقدانه لولده في ريعان شبابه، حتى وإن لم يكن عوضا كاملاً لكنه يصبر قلوب أبويه بوجود قطعة منه أمام أعينهم وكأنه عاد إليهم صغيرا ليهتموا به. ورغم كسر قلوبهم إلا أنهم يحمدون الله أنه ترك ذرية ولم ينقطع نسله من الدُنيا ليربط به على ما تبقى من أعمارهم، فيتولى الجد رعاية مصالح الأبناء، والاهتمام بأمورهم، ومتابعتهم بمساعدة الأم التي لابد أن تشركه في بداية الأمور ونهايتها حتى لا يفلت زمام الصغار من يدها. ولا شك أن العلاقات السوية سيكون الجد فيها هو مصدراً للأمان والحزم معا، سيكون مصدراً للرحمة بحكم السن وسيترك التربية بشدها وجذبها للأم، لا شك أن أمور الأطفال ستكون مشتركة بصفته كجد في محل الأب قبل أن يكون وصيا على الأمانة التي تُركت في عنقه، من ابن غاب عن الدنيا في ريعان شبابه وجد لا يعرف إن كان سيكمل مشوراه معهم أم سيتركهم هو الآخر. و ” قانون الرحمة ” بزوجة في مقتبل العُمر وجدت نفسها في نهاية الطريق قبل أن تبدأه، فأحيانا تصاب بعض الزوجات بفقدان جزء من توازنها النفسي حين تجد نفسها مسؤولة مسئولية كاملة عن أطفال يحتاجون إلى وجود الأب بكل ما تحمل الكلمة من مسؤولية. رغم وجود الجد، نعم رغم وجود الجد ولن نبالغ إن قلنا رغم وجود الأب نفسه أحيانا، لا ينكر أحد منا دور الأم في تربية واستقامة أبنائها، سواء في وجود الأب أو غيابه وسواء كان هذا الغياب مؤقتا أو دائما. ولا نستطيع أن نجزم أن جميع النساء لهن نفس المقدرة لتحمل هذا العبء دون أن تفكر في نفسها وشبابها ومستقبلها بعد أن يكبر صغارها، أو حتى يتركها أهلها إذا تقدم لها رجلٌ مناسبٌ تُكمل معه مشوارها. فبعض النساء يفكرن في أمر بداية حياة جديدة ولهن كامل الحق في هذا. وبعض الإناث تفكر في منتصف الطريق إذا ثقل الحمل عليها أو حاولت أن تفكر كأنثى لها احتياجات وظهر لها من يُكمل معها الطريق، والبعض الأخر لا يفكر في أمر الزواج مرة أخرى ويكتفين بتربية الأبناء رغم كل المعاناة التي تمر بهن وهنا نقصد المعاناة لأنثى وامرأة لها رغبات وحياة أنثوية ” لكنها في النهاية تحسم أمرها باختيار أبنائها مهما كلفها الأمر. ولا ننكر ما لمسناه في واقعنا أن الكثير من الأمهات نجحن في الوصول بأبنائهن إلى بر الأمان رغم كل الصعاب التي واجهتهن فهنا ” قانون الرحمة ” قد أعطاها فرصة ورفع عنها فكرة الحرج كونها ستتخلى عن أبنائها، وأعطاها فرصة أن تُفكر وتأخذ قرارها بكامل راحتها ووعيها بعد أن تفيق من صدمتها وتعرف أن أبناءها في أيد أمينة ولن تُحرم من رؤيتهم. أما الأطفال فقد أحاطهم الله برحمته ووضع في قلب كل من عرف بأمر يتمهم الرحمة والحب “ومن الغريب قبل القريب “. نأتي لنقطة الخلاف التي قامت عليها فكرة العمل والكثير من البرامج والتي للأسف لم تقدم إلا النماذج السلبية وصدرتها للعامة. صدرت للعامة ظلم أهل الأب للأبناء وهم قطعة من روحهم صدرت أن أهل الأب يتحكمون في مصيرهم في حين أن كل شيء تحت سيطرة القانون حفاظاً على أموالهم حتى من الجد نفسه. في القانون يحل الجد محل الأب في الوصاية على الأبناء القصر وما هو إلا مرجع للأم التي لابد كما قلنا إن تشركه في بداية الأمر ونهايته في مسؤولية الأبناء، ومنه إلى المجلس الحسبي بكل هدوء و بساطة، و هذا يحدث في العلاقات السوية
لكن بطء الإجراءات ليست في يد الوصي ولا يملك حتى أن تسير الأمور بصورة أسرع … وهذه نقطة أو ثغرة لابد من مراعاتها من أصحاب الأمر، حتى لا تنقلب حياة الصغار رأسا على عقب ويوضع الوصي في موضع اتهام إنه من يقف عقبة أمام توفير احتياجاتهم. وهناك من الأجداد من تنازل عن الوصاية المالية للأم حتى يسهل عليها الأمور ولم يتركها وظل يرعاها وأبناء ابنه ولم يتخلَّ عن مسؤوليته الاجتماعية، ولكن تنازل عن وصايته المادية فقط حين اطمأن أن الأبناء في أيد أمينة. لماذا لم نقدم في البرامج أو المسلسلات نموذجا مثل هذا وهو نموذج حي موجود بيننا كي يقتدي به الأخرين أو ينشر الروح الإيجابية لمثل هذه الحالات بدلاً من أن نحارب القوانين والشرائع، أما عن سؤال ماذا لو؟ والذي كان ضمن عنوان المقال. ماذا لو لم يكن الأب يملك شيئاً؟ هل كنا سنطالب أيضاً بإلغاء هذا القانون ” قانون الوصاية “؟ هل كانت ستنتهي المشاكل المادية ونبحث عن العلاقات الاجتماعية؟ هل كنا سنتهم الأجداد بالجحود لأنهم -رغم عدم استطاعتهم – لا ينفقون على أبناء ابنهم؟ في مثل هذه الأمور لا نحتاج إلى العقل بقدر ما نحتاج إلى عين العقل. لا نحتاج إلى القانون بقدر ما نحتاج إلى عمق وروح القانون. الشرائع التي تنظمها القوانين فقط نحتاج فيها إلى سرعة في الإجراءات وتعديل لبعض المواد التي تُيسر لا لتغيير أو لإلغاء وبالذات هذا القانون ” قانون الوصاية ” والذي يعد البقية الباقية لصلة الأبناء بأهل أبيهم.
التعليقات مغلقة.