هواجس بقلم عصام الدين محمد أحمد
يرن صوت المحاضر:
عدو الأمس صديق اليوم.
الآذان تصغي،تتلعثم كلماته،تتداخل الدلالات،تتلولب رأسي:
“أمتشق الرشاش،أتقدم وجلاً،أتعثر في الكثبان الرملية،تتثاقل قدماي،يتحسس الوهن سبيله إلي بدني،أشعر به جبلاً،يقبع الموت خلفه،أتماسك،تمشط الطلقات الأرجاء،يعظني الشيطان:
أتساوي الحياة طلقة؟
أركل زلطة مردداً:
يا رجيم لا تفتت العزم.
أبرقت شريطاً من الطلقات،ينغصني هاجس:
كم يساوي هذا الشريط من حيوات؟
أنكفئ علي وجهي،أتحصن بصخرة ناتئة،صوت يرجف:
الموت مرة أيسر من الموت مليون مرة.
لماذا الموت؟
الأرض والأهل.
ليست لي دار؛بل زوجة عليلة.
طوى والقدس.
ما فرطت فيهما.
أبلل بلعومي ببقين مياه،أركن الزمزمية،طلقات تفتت الزمزمية،لا أنذعر،انتحر الخوف،أتمني شيشة بحجرين معسل،أمشط دنيا الصخب/الموت،لا أجد سوي جسد هامد،أقرفزعاً:
الآن لا طعام ولا ماء.”
تصفيق منزعج يتصابب،مسئول كبير يمتشق لاقط الصوت،يخطب:
لا نقول ماذا أعطانا الوطن؛بل نقول:..
أترنم:
ماذا نقول؟
يطمسني التذكر:
“جفل الفؤاد،ما أحلي الحديث عن مكونات الإنسان هذه اللحظات؛يدان معروقتان بنبض مؤقت،يدان مرتجفتان بحنق،عينان مبحلقتان في الموت واللاموت،أنف عبق برائحة قطن منقوع بالكحول،فم ما طاب له الطعام سلفاً،انفجار يدوي،يذهب بخوذتي؛أقصد الخوذة التي حفيت أقدامي حتي تسلمتها،ودفعت فيها للصول عشر جنيهات،مع الانشطار شيئ ما في السماء يُطمئن؛سبحان الله!كيف تطير الخوذة ورأسي ثابتة مطرحها؟تأبي الانطراح،قيظ حرور؛فلأركن الأفرول جانباً!تتوالد المحظورات:
أتصمد طويلاً؟أتتقاعس عن إداء الواجب؟ما الواجب؟
الملم يتفلسف ممتحناً عقولنا:
قتل؛يقتل،فهو قاتل/مقتول.
ترتل السماء سحراً،أوبخني:
بالك فاض لتنتخب الألفاظ.
أتحوقل،أستنكر:
تستكثر لي نفسك ملكة اللغة؛الوحيدة صاحبة السلطان؟
أنصحني:
يا بليد تحرك،ابحث في الشقوق عن الهوام،في سبيل الإنسان الإنسان اقتل،مزق،حطم،احرق،خرب،اصرخ لتخرق كبد السماء،هأ..هأ..يا لدولة الشعارات!مملكة الاحتقارات،غادروني في القطار وكأنني بملابس الكاكي وباء!!
ينصهر الكون،أتذكر مهنتي فأطلق شريط مقذوفات ثان،أخلع قميصي،أجفف عرقي،أتأمل صورة زوجتي المنسوجة بفانلتي؛جميلة هي؛شعرها المنساب بين أناملي،صدرها المتدثر بطن كفي،دموعها الرجراجة،قطرة بعد قطرة،في كل قطرة رسمي الهلامي،منذ اليوم لن تجدني وارها،سأنطمس في ذاكرتها كالسنين،كالأشياء الوامضة،لن تعريني،لن تتعري،ستلبس الوحدة،سيمنحها الناس وساماً،ولن يمنحوها زيتاً،سكراً،رجلاً،أزحف مخترقاً الرمال،تلفعني ريح،الأرض صلدة،ترتج؛يتوسدني الحذر،الأرض بعد مئة متر رخوة،ألتفت خلفي مستفهماً.”
شاعر البزات الرسمية يتطاوح بقصيدته نشوان،يقلدونه سلة الأوسمة،يرتجل قصيدة مطلعها:
سداح مداح أرض الفيروز..
يلح علي التذكر:
“تمسح عيناي كوة،أحبو مواجهاً إياها،هواء ثلجي ينعشني،أمتطي درجات سلم منهطلة،رائحة الشواء يزخر بها الفراغ،قنينة خمر طافحة،وجه أنثوي مصطخب بالاشتهاء.
رجل يبتسم،يلتهم فخذ الضأن،تلفاز عملاق يوش،،يعقب الوش مشهد لأخطبوط يغتصب كل نساء العالم.
ها هي زوجتي تقاوم،تناضل،تكافح،كلما بترت ذراعاً انبثقت أذرع وأذرع،تستغيث،تتبرم.
أتحسس الرشاش؛أشرطة الطلقات،فانلتي،يصطخب الجو بطلقاتي،تتزلزل الأرض،تبتلع،تهصر،تكتظ الصحراء بالأرواح الهائمة..”
يسُدل الستار عن وجوه باشة،جيوب منتفخة،صدور منتفشة بالأوسمة.
تمت بحمد الله
التعليقات مغلقة.