هى…مجدى سالم
هـي.. ..
بقلم مجدي سـالم
نتواصل.. نتراسل.. نتواعد.. نلتقي.. نتحاب..
نتعاهد.. نعاني.. نتلاوم.. نتباكى.. نفارق.. أم ..
امتدت يدي إلى كل مكان في أرجاء البيت تجمع ذكرياتنا معا.. كانت أمي ترقب من بعيد.. وتهز كتفها.. توقفت لبرهة وتعجبت من نفسي..
إكتشفت أنني كنت حريصا أن يكون لها شيء ما.. أي شيء .. في أي مكان في بيتي.. أنني كنت أتأكد دائما أنني أنشر أشياءها وصورها وهدايها وكل الذكريات التي تجمعنا هنا وهناك.. وربما حتى يذكرني كل شيء حولي بها.. وربما من أجل ألا أغفل عنها ولو للحظة..
وجدت أنني أحتفظ بأشياء عجيبة لدرجة أن ابتسامة ترتسم عنوة على فمي.. في الوقت الذي كنت فيه أتكلم أتنفس أعيش كل ألوان الغضب.. وجدت قصاصات من ورق عليها أبيات شعر لقصائد لم تكتمل.. ومسودات لرسائل لم ترسل أبدا.. ومشط لعيدان ثقاب وفواتير مطاعم.. ومحارم ورقية مسحت بها أحمر شفاهها.. وأدوات مائدة من البلاستيك وعملات صغيرة.. وجدت عشرات الأشياء التي أعرف تماما وتعي ذاكرتي تماما.. متى كانت أين كانت.. لماذا أحتفظ بها.. وزاد من دهشتي أنني وجدت كروتا لشحن الهاتف المحمول.. تلك التي كنت أشتريها كي أتصل بها من الخارج.. والعجيب أنني اكتشفت في كل هذه الأشياء أنني كنت دوما أتصل بها.. في أي وقت ومن أي مكان.. وأنني كنت أتابع تفاصيل عملها واتصالاتها وأعرف أصدقائها وأقربائها بالإسم.. وأنه كانت لا تغمض لي جفون إلا حين أطمأن أنها.. نامت.. عادت.. هي عند الكوافير.. هي بصحبة صديقة في أي مكان.. ولا أستقر في مكان ولا يهنأ لي بال إلا حين أطمأن أنها في مكان أعرفه.. وأنها في أمان وأن صحتها جيدة.. وأن مزاجها على ما يرام.. والأعجب أنني وجدت قصاصات ورق طباعتها باهتة تماما.. تلك التي تخرج من الميزان في تلك الصيدلية والذي كنت أتابع منه عن كثب تغير وزنها.. كنت أعرف ماذا تحتوي حقيبتها وخزانة غرفتها.. ماذا اشترت وماذا تنوي أن تشتري.. كنت أعرف عن مكان نومها في بيتها ومواعيدها وأخبار قطتها..
- وجدت أنها في كل ثانية ودقيقة وساعة في حياتي..
راح يقفز السؤال نفسه ثانية وثالثة وعاشرة ” لماذا إذن نحن دائما في عراك.. لماذا تشبه علاقتنا مباريات الرياضات العنيفة التي لابد فيها من منتصر.. أو سمها محاورات تكسير العظام.. لا أعرف أبدا كيف يبدأ الخلاف.. ولا كيف ينتهي الخصام.. نحن الإثنين دائما في شد وجذب كما لو كنا نتنازع حكم مملكة العشاق.. أو رئاسة أي قشلاق.. هل يحمل كل واحد منا كما من النرجسية أو حب التسلط ما يكفي لإن يكون الإحتكاك دائما.. والخلاف دائما هو ما يجمعنا.
قال لي صديق مشترك يوما.. وقد شهد بالصوت والصورة إحدى خلافاتنا..” هذا أعجب حب رأيته في حياتي.. كأنك لا تطيقها.. كأنك لا تطيق فراقها.. لقد كادت عيناك لتنفصل عن رأسك بالأمس حين كان أحدهم ينظر إليها وهي تتركنا.. لقد خيل إلي أنك ستهم بقتله”.. وقالت لي ابنة عمي يوما أنني أعلق على وزنها هي الزائد في الوقت الذي تهيم بأخرى وهي قصيرة ممتلئة.. ثم قالت في سخرية الخاسر “إن الحب فعلا أعمى يا هذا”.. في الوقت الذي كانت أمي تكرر كل يوم نفس التعليق.. - ” شوف لك حل وما تحاولش تغير حد.. يا تقبله على علاته.. ياتسيبه”..
حتى كان الخلاف بالأمس إلى الحد الذي اتفقنا فيه أنه لا فائدة من كل هذه المجادلات والمناقشات الحادة.. وأننا لن نتفق.. وأن علينا أن نفترق قبل أن يستفحل الأمر.. وأن علي أن أعيد لها أشياء عندي تخصها.. وارتحت للفكرة..
” لماذا لا أنهي وجع القلب هذا – كما أسميه – وأن يذهب كل منا إلى حال سبيله”.. وغادرتني باكية وغادرتها غاضبا.. ومرت الليلة بأنذر النوم لكنني استيقظت محتضنا نفس الفكرة.. رحت أجمع أشياءها.. أقصد أشياءي.. وجمعت شتات فكري فيما كنت أعبر باب الشقة.. وسقطت من يدي إحدى الصور وأنا أهبط الدرج.. رحت التقطها وأنظر فيها.. إنها تجمعنا وأصدقاء لنا في المنفى كما كنت أسمي الصورة.. لإن الغبار كان يكسو الجميع يومها في إحدى رحلاتنا العجيبة.. وابتسمت.. وعلى باب البيت وقفت برهة.. وعدت أرتقي الدرج من جديد بينما كنت أمسك بهاتفي أطلب رقمها.. فتحت الباب ووضعت ماجمعت من أشياء على مقعد مجاور.. جاءني صوتها من الجانب الآخر كمن تستنكر إتصالي.. وجدت نفسي أهتف.. - تتجوزيني
التعليقات مغلقة.