هيــا إلى النـــــوم بقلم مجدي سـالم
أخيرا.. ما أسميه البيت.. كل شيء حولي.. مبعثر.. مهلهل.. ورائحة المكان المغلق تزكم أنفاسي..
أجدني في جلسة قصيرة قبيل رقاد الحساب.. ومع حديثي لنفسي عن حتمية الإجتراء على النوم.. القسري.. أسارع إلى التخفف من بعض ما أرتدي.. أو لعلنى برغبة في التخفف من بعض أحمال يوم مضنٍ مضى.. تتصاعد أصوات الجيران في لا شيء.. أتناساهم وأعاود حديثي مع وحدتي.. أساومها.. يجب ألا يتجاوز الحلم في ليلتنا هذه حدود العتاب.. يعاودني الحنين وأدفع اللوم.. لماذا امتدت يدي لتصفعها.. آه.. تمتد يدي ذاتها لتخلع جوربا له أيضا رائحة شقاء النهار.. تراني ألوم يدي..؟
بلا شعور أقذف بفردة الجورب الأخرى لتستقر فوق بقايا الحذاء.. ذاك الذي ضاع لونه مع غطاء كثيف من التراب والوحل.. إن لفظة الوحل تقفز بذهني إلى ما ومن قاسيت معهم مرار الشقاق في عملي طوال اليوم..
أوف.. أما اتفقنا أن نحاول أن نخلد إلى.. النوم.؟
لا.. لا.. لقد إتفقنا ألا يتخطى الأمل دوما حدود ظلي.. حتى أعبر حواجز عقيم الفكر إلى سكون النوم.. أو ربما تيقنت أن النوم في ذاته حلم يجره بعض من أمل.. إنه الهذيان مرة أخرى.. ما لهذا الدوار يعصف برأسي.. لماذا تعود دوما لتدور برأسي الدوائر.. تدور عيني تبحث أين تركت ملابس ما أسميه النوم.. بالقطع ومؤكد أنني خلعتها هذا الصباح.. ربما تركتها في الحمام.. تبا.. إنها من ترتب عادة كل هذا ولكن.. أين هي..؟
كل ما أذكره أنني اندفعت اليوم بعيد الفجر إلى الطريق خوفا أن يفوتني قطار السادسة.. ونسيت كل ما تركته بالبيت مع ضغط الزحام.. نسيت كل ما حدث بالقطار مع تدافع أحداث العمل.. ثم يوم شاق إمتلأ بالغث من الحوار وما لا طائل وراءه من الخلافات.. نسيت كل ما حدث في العمل مع صياح الركاب وتدافعهم في قطار العذاب المشحون بالبشر في طريق العودة.. ومشاحناتهم التي ليس لها ما يبررها.. يا إلهي.. لقد وصل الأمر اليوم إلى حد التشابك بين الركاب بالأيدي والسباب.. إنه مشوار يفرض علي صم آذاني وبقية صوابي من أجل العودة إلى البيت.. أو إلى العذاب لكن من نوع آخر.. لماذا أختار الحيرة كل ليلة منذ غادرت هي البيت على هذه الشاكلة.. أو لماذا أعشق المستحيل.. وكيف أعبر جسر جلد النفس إلى رضا ولو كاذب يعبر بي إلى ضف الصمت.. عبر ضوضاء الجيران وأنين الصداع.. أو يفضى بي إلى خنق الضمير.. عبر جلد النفس.. أشعر كأنني أدور في محلي..
لا أنسى كيف قذفت بجرة الماء على ثيابها؟؟ ترى أين هي.. وماذا تفعل.. ترى هل استطاعت أن تخلد إلى النوم وحدها.. آه.. لقد أصبحت كل الآمال الآن معلقة على إنهاء هذا الحوار.. الذي يدور بي كل ليلة في حلقات وحلقات وحول أفكار تتداخل بلا نهاية.. أخلقها أحيانا بعيدا عن الواقع.. أو أتخيلها لغد لا أعلم أبدا بما سيأتي.. كأنني أعشق اللانهاية ثم أعود لأذرف الدموع.. أعود لأشكو شقاء النهار بالليل أبني جسرا إلى السهاد.. ثم أعود لأشكو بالنهار سهاد الليل.. لماذا لا أعترف أن الحياة بدونها دوامة.. لا تعرف الترف.؟
آه.. أخيرا وجدتها وقد اندست تحت الغطاء.. كيف استطاعت أن تختفي خلف كل هذه الثقوب.. لا بئس.. رحت أضعها فوق جسدي حسبما اتفق.. أنا فعلا بحاجة إلى النوم.. آه.. حتى في النعاس أو الوسن تمتطي الأحلام جيادها.. تنسى الإتفاق الذي قد أبرمناه.. تنسى حتى الحساب وتسافرعبر الغمام.. مرت خمسة أيام على هذه الحال.. أزعم وأدعي كل ليلة فقط بالقيل أنها قد طواها النسيان.. ياللوحدة ويالقسوة البرد.. تذكرت أنني جوعان.. هي عادة من تعد الطعام.. تذكرت أنني قد اشتريت في الطريق بعض الخبز بالبطاقة.. امتدت يدي إلى الطاولة لأقطع كسرة لألوكها.. يدور بنفسي من جديد نفس السؤال.. أي حياة هذه بدونها.. ويا لطيفها ويا لرؤى بقيت تعاودني.. وكيف السبيل مع الحرمان.. تمددت وأنا أهتف بداخلي.. ربما دقت الباب.. لا.. لا.. ربما هاتفت شقيقها في الصباح..
التعليقات مغلقة.