واحد /صفر بقلم.. أسماء عبد الراضى
- حصة اليوم مجرد (ريفيجن).
قالها عصام لمحدّثه على الهاتف.
بعد انتهاء المكالمة، سألتُه عن معنى (ريفيجن)، وليتني ما فعلت! - لسه هاشرحلك يا نادية؟ أنا ما عندي وقت.
خرج مسرعا بعد أن وضع هاتفه في جيبه، وأخذ مفاتيح سيارته.
زوجي العزيز يُدرّس اللغة الإنجليزية للمرحلة الثانوية، أما أنا فلم أكمل الثانوية العامة، لم أفلح في التعليم، فأخرجني أبي بعد نصيحة أمي التي لم تحزن كثيرا لذلك؛ لأنني، على حد قولها، إن كنت خسرت سلاح العلم، أملك سلاحا آخر وهو جمالي، تركتُ الدراسة، ومكثتُ في البيت حتى جاء النصيب، وكان عصام هو نصيبي.
لا يترك عصام فرصة إلا ويشعرني فيها أني دونه، دائما منشغل عني، ولا شيء يشغلني سواه وابنتي، بعد أن جعلت حياتي وقفا عليهما، كل نقاش بيننا نتيجته (واحد/صفر) لصالحه. - ماما، إيه رأيك تعملي قناة على يوتيوب؟
لوّحت في وجه صغيرتي، أقدّر رغبتها في الترويح عن أمها، لم تيأس: - ماما أنتِ شاطرة جدا في الطبخ، وصفاتك تحفة، الأمر سهل، جرِّبي!
تعتقد ابنتي أن التكنولوجيا بإمكانها تحقيق المستحيل، هل بإمكان التكنولوجيا طمس الفجوة بيني وبين أبيكِ الذي لم يعد يراني..؟!
“الآن أصبحتْ أمّك لا تناسبه، الله يرحم الأيام، حفيت قدمه زمان حتى أرضى به!”
ظلّت تُلح، لم أجد بُدّا من مسايرتها، شريطة ألا أظهر في التصوير، أنشأتْ قناة، أسمتها (وصفات ماما) وبعد أن أخبرتْ أباها الذي سخر من الفكرة، صوّرنا أول حلقة، ثم على (يوتيوب) رفعتها.
بعد ساعات، راكضة جاءتني، تُهلّل:
-ماما، الفيديو عمل خمسين ألف مشاهدة، في ساعة واحدة.
علمتني ابنتي – طالبة الثانوية ـ كيف أتعامل مع الإنترنت، لم يكن الأمر صعبا إلى الدرجة التي اعتقدتها، أصبحت وحدي أُصوّر الفيديو، ووحدي أرفعه على (يوتيوب)، بفضل ابنتي بدأت أشعر بذاتي، وانخفض شعوري بأنني دون أبيها. - بارك لماما يا بابا، أصبحت تملك قناة عليها مليون مشترك.
لم يرد عليها، تظاهر بالانشغال كعادته، كررت جملتها، مضيفة: - كلها كام فيديو وقنوات الطبخ تطلبك بالاسم.
- جميل، أهم شيء لا تنشغلي عن واجبات بيتك!
بحدة غير مبررة قالها.
يعرفني جيدا، يوقن أن ذلك محال، لكن كيف لا يضيف للحديث بصمته الخاصة؟ قلتُ لكم، هو يصرّ على أن تكون النتيجة دائما واحد / صفر، لصالحه!
في المساء، أثناء تصفّحي (يوتيوب)، ظهر أمامي مقطعا لزوجي يشرح درسا!
نعم، أنشأ عصام قناة لشرح دروس اللغة الإنجليزية، عندما أخبرته أنني اشتركت في قناته من باب الدعم، تلعثم، ثم تعلّل: - الطلبة يلحون عليّ من زمان، تعرفين.
ستة أشهر مضت الآن، قناة الطبخ خاصتي عليها عشرة ملايين مشترك، وقناة زوجي التعليمية عليها ألف..!
“أخيرا يا عصام، أخيرا واحد / صفر، لصالحي!”
التعليقات مغلقة.