” وباء محتمل “محمود حمدون
” وباء محتمل “محمود حمدون
” ومن غريب أن عداوات الأمس أصبحت صداقات تلفّها محبّة لا تخطئها العيون , وما كان مُعلن من كُراهية وحقد , اختفى تحت السطح وانطمس تحت ركام المصلحة , فيا عجب لهذا الزمن!! “
كان صوت ” خليل” يتهدّج ونبراته ترتعش , وقد احمرّت وجنتاه وضاقت عيناه بشدة من ألم الموقف , فخفتُ عليه وأنا به وبصحته عليم , فاقتربت منه , راجيًا أن يهدّئ من ثورته وأن يُخفض صوته , قلت : مثلك لا ينبغي أن يسمعه الناس هكذا أو أن يرونه بحالته المزرية هذه , فأنت كبير بينهم , لمن في مقامك قيمة تعلو من ذكرت وبينك وبين الوضاعة كما بين المشرق والمغرب , أثنيتُ بكلمة أخيرة : لعلك يا عزيزي قد أضعت وقتك وبعض من عمرك في معرفة هؤلاء , لكن تذّكر والذكرى تنفع أحيانًا أن معاملة الناس كمن يتحصّن بترياق ضد وباء محتمل , لن ترتفع إلي الأفق إلاّ بعدما ترى بعينيك هوّة القاع ومن يسكنونه , لن يستقر بك المقام بالقمة إلاّ بعدما تسبر غور السفح ومن يتغوّطون فيه ..
عندها هدأت ثائرته قليلًا , تخفّف من سُترته الجلدية السوداء , إذ كان الجو شديد البرودة وكنت قد التقيته قبل ساعة بطريق عودتي قبيل منتصف الليل , خلع ساعته من معصم يده الأيسر واستوثق من حركة عقاربها ودقة توقيتها , ثم ناولني الساعة والسُترة ,وشدّ على يدي بحرارة ثم اندفع للأمام لتحتضنه ظُلمة الشارع .
التعليقات مغلقة.