وداعا أيها العصفور الصغير قصة قصيرة بقلم /زكرياء نور الدين الجزائري
ما كان لتلك الأصفاد التي تعصف بعزيمتي أن تفك عقدة جنوني ساعة أوقع بي في قضية لست طرفا فيها.
أجل؛ هكذا سارت الأمور يومها في مترو المدينة، جالساً كالعادة و بيدي رواية أحاول جاهدا نهش تفاصيلها و السفر و إياها إلى مرافئ ليست لي، أو بالأحرى مجرد عابر سبيل لا أكثر، لا أبرمج عادة سفرياتي و لا أرفض فرض نفسي علي للقدوم إلى “مكتبة العالم الثالث” بساحة البريد المركزي قبل أن انتقل وسط الجموع و قطع تذكرة عبور.
كان عنوان الرواية “أحبك و البقية تأتي” اقتنيتها دون أن علم أكان الحب الذي تكتنزه البطلة خير دليل على صفاء القلب أو على حقيق الجنون كحالتي يومها، يوم قررت الصعود و التوجه نحو المجهول، مجرد رجل أربعيني مشتت الفكر ألقى بلحيته فالتقطته كاميرات المراقبة على طول خط مسار المترو، كانت الرواية بديلا عن هاتفي المليء بالتفاهات، ربما انهزام نفسي المتوالي و مصاعب الحياة من أجبرني إلى الهروب بين صفحات قلبي و اوراق تقلبها أناملي غير آبه بما هو حولي.
توالت المحطات وأنا أعبث بمآسي قلبي سألتني إحداهن:
هل لي أن أتصفح القليل من تلك الرواية؟.
لا أكثر الكلام عادة، أخذت قلمي و وقعت لها كمن يمتلك حقوق أفكاره.
: هو لكِ كهدية نهاية رأس السنة الميلادية.
حتى أن وليدها الذي لم يدرك الفطام بعد امتدت يده نحوي كمن يطلبها لنفسه، كذلك أمه لم تتردد أن تبادلني بابتسامة كانت أول باب اطرقه في يومي هذا.
كثيرا ما كانت بداياتي تعيسة لكأنني بي مسٌّ أو أن أحدهم رماني ب: عليك التعاسة.
ما كان لي ساعتها إلا أن سحبت الجوال، أقوم به و انزل على جدول تفاهاته، صار الحلم مجرد مجموعة أزرار تحكم من فينا له اليد الطولى في تسيير ما يمكن من ذهنيات، أقوال و أفعال، لست اراني إلا ڤاراڤوزا للقوميين و المتعصبين، غير أن وتيرة اليوم الذي أحياه الان غير تلك التي مضت، يصدح رأسي بأفكار الهجرة و البوطي، لا مناص من ذلك.
ضاقت الدنيا بما رحبت هكذا هو الأمر الى أن وقع ما وقع.
كان الأمر أشبه بفيلم “فالكيري”، تراني كهتلر معتمرا الأغبرة ساعة أراد طالبوا رأسه اغتياله.
بصرت عن قرب؛ تلك اليد المكتنزة بالحب، و قد قدت من قبل لا تزال تشير إلي، قابعة أمه لا تحرك ساكنا على نفس الكرسي، تغير المكان في لمح البصر، الكل مرمي فوق بعضه.
قليل هو الكل و الجزء طاغٍ.
تذكرتكِ حينها، لست ككل النساء، كنت كل الذكريات و لو أن الركب ليس لي، إلا أن الخاتم الذي أهديتنيه لا يزال بريقه ينير عذاباتي.
كثيرة هي الأسئلة التي طرحت علي كوني أطلقت لحيتي، ليس إلا و في عقلي صورة اليد الممتدة قرب شاربي، و رائحة الموت المنتشرة و التي انتشى بها أغلب الذين هم حولي، أردد في هلوسة: “وداعا أيها العصفور الصغير”.
مع ذلك لا تزال الأصفاد الملتحمة برسغي تدمي جزءا مني، و كلي عبارة عن مواضع أسى و قهر و احتقار.
زكرياء نورالدين 2022
التعليقات مغلقة.