موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

وداعا سقراط … قاسم المحبشي

338

وداعا سقراط … قاسم المحبشي

أكتب حتى أعرفك وعلق حتى أفهمك

أكتب حتى اعرفك! الأولى قالها حكيم اليونان سقراط والثانية قلتها أنا لطلابي في مستهل عهدي بالجامعة. إذ اعتدت على أن أخصص نصف المحاضرة الأولى مع طلاب كل دفعة جديدة للتعارف الشخصي.واطلب من كل طالبة أو طالبة أن يعرف ذاته كتابة بورقة بياض، تشتمل على الأسم والمواهب والاهتمامات والقراءات والكتابات وفلسفته في الحياة. دون الإشارة الى مكان المولد والمرجعيات التقليدية الأخرى. وفِي ذات السياق اسألهم عن معنى عبارة سقراط: تكلم حتى أراك؟ وأوضح لهم أن المرء يمكنه الذهاب الى سوق الماشية ليشتري ما يحتاجه من الضأن والماعز أو الثيران بدون أن يحتاج إلى الاستماع إلى أصواتها، إذ يكفيه ألقى نظرة سريعة على أجسامها الخارجية، ليتأكد من سلامتها وعافيتها ويمكنه أن أراد أن يتحسسها ويروزها بيديه حتى يشتريها فعلامة البقرة الخصيبة هي امتلاء الضرع بالحليب الذي يمكن التأكد منه بتجريب حلبها مباشرة رغم أن بعض الثديات لا تدر إلا لمن تعرفهم فقط. هذا في مملكة الحيونات أما في عالم الإنسان العاقل فلا تكفي المظاهر والأشكال الخارجية للتعرف على حقيقة الناس والتمييز بينهم، بل هناك طرق بديلة ومجربة لمعرفتهم منها: الكلام النطق المحادثة وهذا هو فحوى حكمة سقراط (تكلم حتى أراك!) وهناك أمثال كثيرة في الثقافة العربية في ذات السياق منها: لسان الفتى نصف ونصف فؤاده أو لسانك حصانك أن زلت زل! أو ليس الفتى من قال كان أبي بل الفتى من قال؛ ها أنا ذا! وغير ذلك. هذه السمة الجوهرية للتمييز بين البشر سادت تاريخ الحضارة الإنسانية منذ بداية الإنسان الناطق في العصور الموغلة بالقدم عصور الثقافة الشفاهية حيث كان الصوت والسمع هو محور ومدار التواصل والاتصال الإنساني الفعال. أن الكلمة ليست تعبيراً عن ذاتها، بل هي حاملاً لمحمول، هي صوت الجسد، هي رمز لشيء موجود، ولكنها ليست الشيء ذاته أبداً بل كما يقول موريس بلانشو، أن الكلمة في اللغات الأصيلة ليست تعبيراً عن شيء بل هي غياب هذا الشيء.. إن الكلمة تخفي الأشياء وتفرض علينا إحساساً بغياب شامل بل بغيابها هي ذاتها، وإذا أمعنا النظر في مملكة الرموز هذه أي اللغة سنكتشف أشياء مثيرة للدهشة بل أن فيها من السحر والإثارة ما يأسر اللب ويلهب الوجدان، النص هو كل كلام مكتوب ومدون تدوينًا يدويًا أو كمبيوترا رقميًا بغض النظر عن نوعية ومحتواه، سواء كان نصًا أدبيًا أو دينيًا أو علميًا أو فلسفيًا وهلمجرى. وهو بذلك يختلف عن الكلام الخطاب الشفاهي بوصفه محادثة مباشرة بحضور الصوت وناطقه إذ يشكّل الصوت المنطوق المسموع جوهر ومحور الثقافة الشفاهية لكن الصوت كحاسة إنسانية يحدث في الزمن مثله مثل كل الإحساسات الأخرى غير أنه يتميز بعلاقة خاصة مع الزمن، ذلك لأن الصوت لا يوجد إلا عندما يكون في طريقه إلى إنعدام الوجود، فليس ثمة طريقة لإيقاف الصوت وتثبيته، فيمكنك إيقاف آلة تصوير متحركة وتثبيت الصورة على الشاشة ولكن إذا أوقفت الصوت فلن يكون لديك شيء سوى الصمت فحسب. فالصوت يقاوم مقاومة كاملة محاولة التثبيت، بعكس البصر الذي يمكنه أن يسجل الحركة ولكنه أيضا يسجل السكون والصمت، بل أن البصر في الواقع يفضل السكون على الحركة فلكي نفحص شيئا عن قرب ببصرنا يستحسن أن نمسك به ساكناً. لكن الصوت وحده هو الذي لا نستطيع التعرف عليه إلا في حالة الحركة أي في لحظة ميلاده المباشر وانطلاقه الفوري من حنجرة المتكلم لكنه ما أن يتوقف حتى ينعدم ولا يترك أثراً مميزاً، وتلك هي خاصية الثقافة الشفاهية الصوتية بعكس ما هو عليه الحال في الثقافة الكتابية -اقصد ثقافة الكتابة والتدوين والتوثيق والنصوص _اذ تشكل الكلمات المكتوبة بقايا وآثار منقوشة أو مخطوطة في نصوص وعلامات ورموز تقاوم الزمن ونستطيع أن نقرأها أو نراها أو نلمسها في أي زمان ومكان بعد ميلادها وبعد موت كاتبها، ولهذا السبب نلاحظ أن الثقافة الشفاهية تعلي من شأن الخطابة والحفظ والتلقين والتذكر باعتماد على الأنماط التعبيرية في التفكير القابلة للحفظ والتذكر، فالمرء الشفاهي لا يمكنه تذكر إلا عبارات وكلمات محدودة ومسموعة ومكررة ومنمطة ومن ثم فإن أنماط التفكير الشفاهي نفسها تضيق هنا لكي تكون حافزة للتذكر الدائم وكلما زاد الفكر المنمط شفاهياً تعقيداً زاد اعتماده على العبارات الجاهزة المستخدمة بمهارة في أقوال معتمدة على الصيغ (حكم وأمثال واقوال وشعارات وصيغ وعبارات) لا تكون مجرد زينة شفاهية مضافة إلى التشريع بل تشكل هي نفسها القانون الفعلي ولا توجد هنا ثقافة خارج الصيغ والعبارات الجاهزة والمتناقلة لأن الصيغة تساعد الذاكرة وتقويها.ولهذا السبب تزدهر في الثقافات الشفاهية أنماط ثقافية محددة، مثل الشعر والحكم والأمثال والحكايات والأساطير والسجع والأهازيج ومن سمات الثقافة الشفاهية عطف الجمل بدلاً من تداخلها، اذ تكثر حروف العطف بشكل ملحوظ.الأسلوب التجميعي بدلا من التحليل. الأسلوب الإطنابي أو الغزير بدلا من الاختصار والأسلوب المحافظ والتقليدي والقرب من عالم الحياة وردود الأفعال المباشرة اي عدم القدرة على التجريد ،وغياب التمييز بين الكلمات والأشياء، بين الدوال والمدلولات ، شيوع لهجة المخاصمة والتعصب والانحياز وغياب الحياد الموضوعي. تكرار الاحاديث ذاتها في كل المقامات والاحوال، العزوف عن القراءة البصرية وتفضيل الاستماع، ارتفاع نبرة الصوت في المحادثات، عدم الوصول الى اتفاقات حول موضوعات الخلاف. الشغف بالحكي والثرثرة في كل الامور والاحوال، الاهتمام بالألفاظ وإهمال المعاني الانهمام بالمنطق بدلا من الواقع. إلى آخره.وكما أن الكلام والخطابة الشفاهية تختلف عن بعضها بعدد من السمات فمنها هو جميل ومنها ما ردي، وبعضها يجذب الاهتمام ويبعث على الدهشة والفرح والجمال وبعضها يثير القرف والضيق والتوتر والاحتقان. فليس الكلام على درجة واحدة من القيمة والمتعة والجدوى والأهمية والجدارة. فاحيانا قد نستمع لشخص يتحدث برغبه واهتمام بل قد يسحرنا كلامه ربما بأسلوب الخطابة وربما بجزالة اللغة وربما بفصاحة اللسان وربما بنبرة الصوة وربما بقوة الحجة وربما بلغة الجسد وإيماءاته الحركية الرشيقة. وربما باشياء أخرى تختلف من مستمع إلى أخر ولهذا قيل ( أن لمن البيان لسحراً). وحينما تزهر لغة البيان الشفاهي تزدهر معها أدوات وأساليب التعبير وفنون الخطابة؛ الشعر والسجع والجهور والمنطق. ظاهرة تكلم حتى أرك! تكاد تختفي في الحضارة المعاصرة، بعد ثورة الاتصالات والمعلومات والإعلام الرقمي، مع الإنترنت صارت الكتابة وليس الكلام هي مقياس التمييز بين البشر على نحو متساوي، وبدلًا من القول تكلم حتى أرك حلت عبارة جديدة هي ( أكتب حتى أعرفك وأفهمك) وتلك الفكرة التي سبق وأن حاولت تطبيقها مع طلابي في الجامعة أخذت تتأكد لي اليوم في الزمن الكوروني والحجر الصحي في عالم الفضاء الافتراضي الذي صارت فيه الكتابة والتدوين هي جوهر للعملية التواصلية بين أناس لا يعرفون بعضهن معرفة شخصية بالضرورة كنت اقول لطلابي في الجامعة لا يجدي الكلام فقط. بل أن الكتابة هي الأهم. من كتابات الطلاب في ورقة التعريف الشخصية كنت أحاول التعرف عليهم بصورة أولية. إذ أن الخط وطريقة الكتابة وسلامة اللغة والقدرة على التعبير واستحضار الكتب التي تمت قرأتها تعنى لي الشيء الكثير.لمعرفة طلابي وطالباتي وتقدير أولي لمستواهم المعرفي الثقافي فضلا عن ما تحدثه لهم هذه الوسيلة التعليمية من عصف ذهني في مواجهة الذات. واليكم ما كتبته لي أحدى طالباتي بعد تخرجها بسنوات وقد صارت أديبة مبدعة. اسمها الشاعرة صابرين الحسني: تكلم فإنني أراك في سراب الصحراء وحين يمتزج الواقع بالوهم سمعت كلماتك … تلك كانت البداية .. في الميتافيزيقا.. وكل من سطر كلمات اللامعبود عندما أخذت ريشتي ورسمت خربشات غير مفهومة لفهم كلماتك الأولى .. عندما ناجيت روحي بسؤال تناسيته أنت
من الإنسان؟ كنت تلك الطفلة الصغيرة التي كبرت مع ذلك السؤال حين أخذت منك علم الجمال واتقنت مسك الريشة ورسمت
الإله الواحد. ..وحينها .. عرفت أن الإنسان هو صوت متناغم يعبر يبحث عن الخلود في الفناء ..وفي كل مرة كانت تلك الطفلة تراك تكتشف بك الماورائيات شيئا فشيئا حتى تنزهت من ذلك الجسد الفاني إلى عالم المثل ومن هناك اسمع صوتك دون أن أراك فكانت النهاية أن أراك … بتلك الخربشات ومن عالم المثل اسمع كلماتك”

أكتب حتى أفهمك وحاور حتى أفهمك.
تلك هي الخلاصة

التعليقات مغلقة.