ورقة توت …محمد حمدون
ورقة توت
محمود حمدون
====
مكتبتي الخشبية الصغيرة تشغل مساحة متواضعة بغرفتي , تضُمّ عشرات من عناوين مختلفة , بعض بضاعتها نسيتها بمرور الوقت , منها ما تُهت عنه , رغم أنها شغلت تفكيري فترة من الزمن , وقفت اليوم أمامها أعبث بمحتوياتها , أشياء كثيرة أودعتها أرففها , اصطدمت يدي بحزمة كبيرة من أوراق صفراء وخضراء محشورة تحت أغلفة وصحف ومجلات , يلتفُ حولها حبل غليظ , بانت قسوته في تلك التمزقات التي أحدثها حول جسد ” الرزمة ” السمين …
ما تلك الأوراق ؟ ما بالي قد نسيتها و لا أذكر عنها أي شيء ؟؟ كنت أتحسس أطرافها وببطء أفك عُقدتها حتى انحلّت و انفرط العقد لتتناثر محتوياتها في أرجاء الحجرة , جثوت على ركبتي ألملم ما وقع هنا وهناك , وجدتها أوراقًا رسمية , أصول لعقود بيع وشراء موثّقة تعود تواريخها لأزمنة بعيدة, أطرافها شخوص لا أعلمهم ! من أين أتت ؟ لم هي بين كنزي الصغير؟!
جلست على الأرض , أبحث بين الوريقات علّي أجد ما يبل الريق و يزيح الغموض عن عقلي لكن دون جدوى , فقط تعثّرت بأسماءً كبيرة سمعت عنها لكن لم أقترب منها أبدًا , بعضهم يستعيذ المرء عند ذكرهم , ثروة طائلة تبعث الرعب في الفؤاد , أدركت بعد برهة أنها كارثة أختفت بين متعلقاتي وأنّني أخفيتها خدمة لصاحبها , أمانة دسستها بين كتبي.
فلمّا هممت بالنهوض سقطت على الأرض قطعة من صحيفة الأهرام بعد أن تلاعب بها الهواء , تضم خبرًا عن حادثة مأساوية , ضحية شابة بمقتبل عُمرها خرجت بعربتها الفارهة في نزهة دون عودة , ماتت بحادثة بريئة على أول الطريق الصحراوي بإتجاه ” القاهرة ” . هكذا قيل عن الفاجعة , لكن مذ متى كان الموت قرين البراءة ؟! هو هلاك حلّ بالقتيلة وأهلها , فانقلب الجميع بين عشيّة وضُحاها لهثًا وراء المال ,لينزعوا كل ورقة توت تستر عورة المنطق . وبين السوء والسوأة أدركت بعد حين ما سقط من الذاكرة عمدًا ..
التعليقات مغلقة.