“وفار التنـور” في تفسير عصري لآيات من سورة هود

“وفار التنـور” في تفسير عصري لآيات من سورة هود

بقلم مجدي سالم

ختامها مسك.. ليلة القرآن الكريم..

{ إن المتفحص لآيات القرآن التي تتحدث عن قصة نوح ليلحظ أنها تنقسم إلى ثلاثة فصول تم إخراجها بأسلوب معجز تعلمت منه البشرية.. واستخدمته بإمكانيات البشر المتواضعة في أعمالهم.. وهو إدخال التصوير السينمائي في عمل مسرحي.. فالفصل الأول والفصل الثالت أتيا كعمل مسرحي يدير أبطاله الأحداث من خلال الحوار.. الذي جاء في مواضع عديدة بين نوح وقومه.. وبينه وبين الذين آمنوا.. وبينه وبين جبريل عليه الصلاة والسلام من خلال آيات توحى.. وبين نوح وبين ربه.. بينما جاء الفصل الثاني من القصة بأحداث رهيبة صورتها كاميرات سور القرآن العديدة من كل زوايا الأحداث.. على الأرض ونوح والملائكة يجمعون الخلائق من كل زوجين.. وعلى الأرض والماء يجرف كل شيء أمامه وفي موج كالجبال تجري السفينة.. والحوار بين نوح وابنه.. ثم الحوار بين نوح وربه.. لقطات تصور الطوفان الرهيب الهادر.. ثم اللقطات في نهاية الطوفان وقد خضع كل شيء.. وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا }..
أنظر إلى مصير من كانوا الأطغى كما وصفتهم سورة القمر..”وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى”..
قد ران الكفر على قلوبهم بأمر الله.. فما كان أحدهم ليؤمن بعد أن صدر حكم الله عليهم.. إنهم مغرقون بالطوفان.. أخبر الله نوح أنه سيصنع سفينة طبقا لما سيعلمه وستساعده الملائكة.. وانظر إلى نوح نبي الله يرق قلبه لقومه ويسأل الله لهم فيقول الله له.. ولا تخاطبني فيهم ولا تأخذك بهم الشفقة.. فإني مغرقهم..
وبدأ نوح في صنع السفينة.. كانت سفينة عظيمة الحجم.. والمتانة.. سورة القمر-” وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ “.. إختلف المفسرون في حجمها وهيئتها وعدد طوابقها والمدة التي استغرقها نوح في بنائها وفي المكان الذي صنعها نوح فيه.. يقول الفخر الرازي أنه لا يهم وأن كل هذه المباحث لا تعجبني لإنها أمور لا يجب معرفتها البتة ولا يتعلق بمعرفتها أي فائدة.. رحم الله الرازي.. صدق الرازي..

نحن نعرف ما أخبرنا الله به عن مكان رسوها.. ها هو نوح يبني السفينة.. وكلما مر به قومه سخروا من عمله.. إتهموه بالجنون.. فالجفاف سائد وليست هناك أنهار قريبة ولا بحار فأين ستجري هذه السفينة وأين الماء الذي ستسبح فيه يا نوح ومن سيحمل كل هذه الغواصة إلى الماء.. إن قمة الصراع في قصة نوح تتجلى في هذه الحقبة الزمنية.. إن الباطل يسخر من الحق.. يظن الباطل أن الدنيا ملكه وقد دانت له.. وأن العذاب غير واقع.. وكان نوح يرد عليهم.. إنما نحن من نسخر منكم وسترون كيف يبعث الله بآياته وكيف يحل بكم العذاب المخزي والدمار.. وانتهى نوح من صنع السفينة.. وانتظر.. وأوحى الله إليه أنه إذا فار التنور كان هذا هو العلامة على بدأ المرحلة التالية.. قيل إن التنور هو الفرن الموجود في بيت نوح وأنه إذا خرج الماء منه كانت تلك هي العلامة..

(وأقول.. إن فوران التنور هو ظهور حمم صغيرة من بركان – وأن هذا البركان سينفجر مع بدء الطوفان ويكون أكبر أدواته وسببا لزلزال عظيم يخرج الماء الجوفي من باطن الأرض ويجلب البحر وأمواجه العظيمة إلى البر- ويزيد البخر مع ارتفاع حرارة الماء بتأثير الحمم فتتكاثف السحب ركاما فوق ركام تسقط مطرا عظيما بأمر الله.. ويصاحب الرعد المطر فيكون الصوت رهيبا في كل الأرجاء.. كما حدث في “تسونامي” شرق آسيا.. يوم أتى الماء من السماء والأرض)..

وفار التنور – وأمر الله نوح أن يحمل إلى السفينة من أهله من آمن.. وأن يحمل المؤمنين.. وأن يحمل من جميع مخلوقات الأرض من كل زوجين إثنين.. لضمان بقاء الأنواع من الطير والحيوان على الأرض.. وهو دليل على أن الطوفان قد أغرق الأرض كلها فصارت كرة من الماء.. وأنه ليس صحيحا أن الطوفان أغرق (قوم نوح) فقط.. واقرأ من سورة هود – ” حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ “.. وصعد أهل نوح إلى السفينة.. ولم تكن زوجته فيمن صعد.. ولا واحد من أبنائه كان يخفى كفره عن نوح ويظهر الإيمان.. يقول إبن عباس إن عدد المؤمنين كان ثمانون إنسانا.. واستقرت كافة المخلوقات عليها.. من سورة هود ” وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ “..

واقرأ من سورة يوسف..”حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ”..

ومن البقرة.. “أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ”.. وانتظر نوح ومن معهه نصر الله.. ألا إن نصر الله قريب.. نصر الله قريب..