وقفة تأمل
محمد إبراهيم النمر
أحبائي : سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
(( وقفة تأمل ))
** وقفة تأمل مع آية في كتاب الله تنبه القلوب وتهز الوجدان ، وكأنها تقول لكل من يخلد إلى الأرض ويعلق بالطين : أفق أيها الحائر السادر في غيه ، عد إلى صوابك ، فكر بقلبك إن كنت تحسن التفكير واحسب بعقلك إن كنت تحسن الحساب .. تعالوا بنا نعيش هذه الآية
” وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ” (47) الحج
الآية تخاطب المنكرين في زمن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كما تخاطب المنكرين أو ما يدل مقتضى حالهم على الإنكار في كل زمان .
** قد تستغرقنا الحياة الدنيا وتسيطر على تفكيرنا وتصرفاتنا وهي – وإن طالت – قصيرة جدا إذا قيست بيوم واحد من أيام الآخرة .
بهذه الطريق المبهرة ، والحقيقة الدامغة يوقفنا الله أمام أنفسنا ورغباتنا الجارفة وشهواتنا المدمرة وحرصنا الشديد على حياتنا الدنيا ،
وهي في ميزان الحق لا تساوي شيئا .
** هب إن إنسانا عمَّر في هذه الدنيا مائة عام كم تساوي بالنسبة إلى يوم واحد من أيام الآخرة ..
يوم من أيام الآخرة عند الله كألف سنة مما تعدون .. هيا بنا نعد ونحسب !!
يوم = ألف سنة .. أي = 1000 × 12 × 30 أي = 360.000 ثلاثمائة وستون ألف يوم من أيام الدنيا
كم تساوي نسبة حياة من عمر مائة عام في الدنيا إلى يوم من أيام الآخرة
100 عام = 100 × 12 × 30 أي تساوي .36.000 ستة وثلاثون ألف يوم
إذن عُمر من عُمِّر مائة عام = 0.1 واحد من عشرة من يوم من أيام الآخرة أي 2.4 ساعتان ونصف تقريبا
ولأجل هاتين الساعتين يعادي بعضنا بعضا .. ويظلم بعضنا بعضا .. ويحسد بعضنا بعضا بل ويقتل بعضنا بعضا ،
ولا ندري أننا نعبث ونلهو بقدر ساعتين من يوم من أيام الآخرة .. أليس هذا سفها وغباء وخيبة ؟!!!
** ولذا يفاجئنا القرآن الكريم على طريقته المبهرة الصادمة للنفس بهذا الحوار الواضح الناصع الذي لا لبس فيه ولا غموض :
” قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116) المؤمنون
** نوح – عليه السلام – الذي لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما .. وصف حياته في الدنيا كأن بيتا له بابان ، دخل من أحدهما وخرج من الآخر ..
** هذا عن الحساب العددي .. أما عن نعيم الدنيا بالنسبة لنعيم الآخرة فقد أخبرنا الصادق المصدوق – صلى الله عليه وسلم – : ” موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ” صحيح الجامع
موضع سوط ( أي بضع سنتيمترات ) في الجنة خير من الدنيا وما فيها لمن ملكها من أطرافها .. فما بالنا بمن لم يملكها أصلا ..
ثم هو يطمئن الفقراء في الدنيا على تكريم الله لهم في الآخرة بهذه البشارة حيث يقول – صلى الله عليه وسلم – : ” يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم ، خمسمائة عام ” قيل لسعد بن أبي وقاص : وما نصف يوم ؟ قال : خمسمائة سنة ” وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ “
ولذا فإن الجنة ليست منفصلة عن الدنيا ، وإن الآخرة ليست معزولة عن الأولى .. فما لم يتحقق هنا سيتحقق هناك .. ما نقص هنا سيكتمل هناك .. ما عانيناه هنا سينقلب إلى فرح هناك .. من كان في آخر الصف ولا يؤبه له هنا ستكون له الأسبقية هناك .. وما أدراك ما هناك !!
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((قال الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر))؛ رواه البخاري.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل .
اللهم آت نفوسنا تقواها ، زكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها .
بقلمي محمد إبراهيم النمر الإثنين 20 / 1 / 2020 م
التعليقات مغلقة.