وقفة لغوية عند آية كريمة د.وجيهة السطل
وقفة لغوية عند آية كريمة د.وجيهة السطل
حيَّاكم الله ، وجعل سعيكم في الدنيا مشكورًا ، وذنبكم في الآخرة مغفورًا .
هذا المنشور كان ردًّا على سؤال في إحدى مجموعات اللغة العربية ؛هل يجوز نصب المثنى بالألف ؟ وإن كان غير جائز،فما بال هذا المثنى ،في قوله تعالى: (إنْ هذان لساحران).
وكان هذا ردي عليه.أنشره هنا لتعمَّ الفائدة .
جاء في آية /٦٣من سورة طه قوله تعالى ” قالوا: إنْ هذان لَساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى “
يظن بعضهم بل يقولها صراحة، جهلًا منهم بقواعد اللغة العربية:إن هذا خطأ نحويّ، واسم إنَّ يجب نصبه بالياء (هذين )، بناءً على أنها إنَّ الناسخة المشددة ، وأن اللام المفتوحة في خبرها هي اللام المزحلقة ؛ وحاشا لله -تعالى-أن يكون كلامه الذي أنزله بلسان عربي مبين كذلك.،فقد غدا مرجعنا الرئيس الذي نحتكم إليه في كلامنا، والذي وضعت قواعد اللغة العربية من خلال استقراء آياته.
ولكن الحقيقة أنها (إِنْ ) الناسخة المخففة من ( إنَّ ) وإذا خففت بطُلَ عملها فيعود مابعدها مرفوعًا على الابتداء .وبعض النحاة يجيز إبقاء عملها على أن اسمها ضمير شأن محذوفٌ وجوبًا ،والمذكور بعدها جملة خبرية ..
وذكر القرطبي في تفسيره : إحدى القراءات إنَّ هذان لساحران بالتشديد، وقال : إنها لغة بني الحرث بن كعب وخثعم وكنانة، يقولون ببناء اسم الإشارة المثنى على الألف في الحالات الإعرابية الثلاث.
ومن ذلك قول الشاعر :
إن أباها وأبا أباها
قد بلغا في المجد غايتاها
وقرأبعضهم إنَّ هذين بالتشديد ،فجاءت موافقة للنحو مخالفة للمصحف. وتفسير ثالث بأن اللام بمعنى إلا وإنْ نافية. فيصبح المعنى : إنْ هذان إلا ساحران، أسلوب
قصر بإن النافية وإلا،لتوكيد الجملة الاسمية: هذان ساحران .
والأفضل في رأيي حملها على أنها اللام الفارقة ،تحقيقًا للتوافق بين الرسم القرآني والنحو العربي.
فهذه اللام المفتوحة التي أوقعتهم في اللبس هي اللام الفارقة،كما يقول علم معاني الحروف ،ووجودها يجزم بأن ماقبلها(إِنْ ) الناسخة المخففة ، وليست إنْ النافية ويفرق بينهما .
وهذه الآية مع قوله تعالىفي الآية ٣١من سورة الرعد: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ۗ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ } .
هما الموضعان الوحيدان في القرآن الكريم، اللذان وردت فيهما اللام الفارقة غير مسبوقة بفعل ناسخ يلي إِنْ المخففة. ومواضعها كثيرة في القرآن الكريم،وكلها وردت إنْ المخففة يليها فعل ناسخ ،وفي خبرها مفردًا أو جملة اللام الفارقة.
ومن ذلك قوله تعالى :
- ” وإنْ يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم ” سورة القلم/٥٢
- ” وإنْ كانت لكبيرةً إلا على الذين هدى الله “سورة البقرة / ١٤٣
-” وما أنت إلا بشرٌ مثلنا،وإنْ نظنك لَمنَ الكاذبين ” الشعراء / ١٦٨
كاد وكان ونظنك أفعال ناسخة تلت إن المخففة.
تحياتي واحترامي للجميع
التعليقات مغلقة.