وقفه مع أبو البشر آدم عليه السلام ( الجزء الثالث )
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
أقام آدم وزوجته حواء عليهم السلام في الجنة مدة طويلة يأكلان منها رغداً حيث شاءا، فلما أكلا من الشجرة التي نهيا عنها، سلبا ما كانا عليه من اللباس وهبطا إلى الأرض فبدت لهم سوأتهم، فلقيته شجرة أخذت بناصيته، فناداه ربه : أتهرب مني يا آدم فقال : بل حياء منك يارب مما فعلت، ( وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلك الشجرة وأقل لكم إن الشيطان لكم عدو مبين * قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ).
وثبت في القرآن الكريم أن آدم وزوجته عليهما السلام ، هبطا إلى الأرض من الجنة بعد أن عصيا الله بالأكل من الشجرة، أمّا بالنسبة لمكان هبوطهما فلم يرد النص على ذلك في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية من الأحاديث الصحيحة وبعض ما رُوي في هذا الأمر من الأحاديث الضعيفة، ووردت بعض الأقوال عن السلف الأغلب أنّهم أخذوها من أهل الكتاب، وهذه الأخبار لا يمكن الاعتماد عليها، ولا يجوز التصديق والإيمان بما جاء فيها دون وروده في شريعة النبى الكريم محمدٍ صلى الله عليه وسلم .
وتكون رواية هذه الأخبار من باب الاستئناس فقط، ومن هذه الأقوال: إنّ آدم هبط إلى الهند وزوجته إلى جدة، والبعض قال: إنّ آدم هبط بالصفا وحواء بالمروة، وآخرين قالوا بأنّه نزل بأرضٍ بين الطائف ومكة، وذكر السدي في تفسيره أنّ آدم عليه السلام ، نزل بالهند وكان معه الحجر الأسود وقبضةٌ من ورق الجنة فوضعها بالهند ونبتت شجرة الطيب، وجميع تلك الأقوال لا دليل له.
وأيضا لم يرد في كلام الله سبحانه وتعالى ، ولا في سنة نبيه محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم ، تعيين الشجرة التي أكل منها آدم عليه السلام ، إذ لا حاجة لمعرفة ذلك، فليس المقصود معرفة نوع الشجرة، والأمر غير المقصود لا يحتاج إلى بيانٍ، ووردت بعض الأقوال عن التابعين في تعيين الشجرة، وأغلب الأقوال الواردة في ذلك نُقلت عن أهل الكتاب، فالبعض قال: إنّها شجرة التين، والبعض قال بأنّها شجرة العنب أو شجرة الحنطة، وقد تكون شجرةً واحدةً من كل الأنواع، لكنّ الجهل بنوعها لا يضرّ، والعلم باسم الشجرة لا ينفع بشيءٍ.
وقيل إن الله سبحانه وتعالى أهبط آدم قبل غروب الشمس من اليوم الذى خلقه فيه وهو يوم الجمعة مع زوجته حواء منِ السماء فقال على وابن عباس وقتادة وأبو العالية: إنه أهبط بالهند على جبل يقال له نوْد من أرض سرنديب وحواء بجُدَة ، وقال ابن عباس: فجاء فى طلبها، فكان كلما وضَعَ قدمه بموضع صار قرية وما بين خطوتيه مفاوز، فسار حتى أتى جمعاً فازدلفتْ إليه حواء فلذلك سميت المزدلفة، وتعارفا بعرفات فلذلك سميت عرفات .
وعن مجاهد قال حدثنى ابن عباس “أن آدم عليه السلام حين نزل الهند، ولقد حج منها أربعين حجة على رجليه، فقلت له: يا أبا الحجاج ألا كان يركب؟ قال: فأى شيء كان يحمله؟ فوالله إن خطوه مسيرة ثلاثة أيام وإن رأسه ليبلغ السماء، فاشتكت الملائكة نفسه، فهمزه الرحمن همزة فتطأطأ مقدار 40 سنة”.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعاً فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ” وبعد أن وسوس الشيطان لآدم أن يأكل من الشجرة التي نهاه عنها الرحمن وبعد أن أكل منها وهبط إلى الأرض ، وكان أول طعام أكله آدم في الأرض، هو الخبز فقد جاءه جبريل بسبع حبات من حنطة، فقال: ماهذا ؟ فرد عليه جبريل هذا من الشجرة التي نهيت عنها ، فأكلت منها .
فقال آدم وما أصنع بها فقال أبذره في الأرض، فبذره وكانت كل حبه منها تزن أزيد من مئة ألف حبة فنبتت فحصده ثم درسه ثم ذراه، ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه فأكل بعد جهد عظيم وتعب وكد، وذلك قوله تعالى ( فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ) وكان أول كسوتهما من شعر الضأن : جزاه ثم غزلاه، فنسج أدم له جبه، ولحواء درعاً وخماراً.
وقد مكث آدم بالجنة مدة طويلة ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أخذا الرسول ( صلعم ) بيدي فقال : ” خلق الله عز وجل التربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الأثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم العصر من يوم الجمعة في أخر الخلق في أخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل ” رواه مسلم
وسمي آدم بآدم لأنه خلق من أديم الأرض وسميت حواء بحواء لأنها خلقت من جسد حي وهو جسد آدم عليه السلام وبكى على الجنة ستين عاماً، وعلى خطيئته مثلهم ، وكبر آدم عليه السلام ، ومرت سنوات وسنوات ، وعن فراش موته، يروي أبي بن كعب، فقال: إن آدم لما حضره الموت قال لبنيه: أي بني، إني أشتهي من ثمار الجنة ، قال: فذهبوا يطلبون له، فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه، ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل، فقالوا لهم: يا بني آدم ما تريدون وما تطلبون؟
أو ما تريدون وأين تطلبون؟ قالوا: أبونا مريض واشتهى من ثمار الجنة، فقالوا لهم: ارجعوا فقد قضي أبوكم ، فجاءوا فلما رأتهم حواء عرفتهم فلاذت بآدم، فقال: إليك عني فإني إنما أتيت من قبلك، فخلي بيني وبين ملائكة ربي عز وجل ، فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه، وحفروا له ولحدوه وصلوا عليه ثم أدخلوه قبره فوضعوه في قبره، ثم حثوا عليه، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم.
والفوائد من قصة آدم عليه السلام عدةُ فوائد ، ومنها ذكرت قصة آدم عليه السلام في مواضع كثيرةٍ في القرآن، وتعد قصته من أعظم القصص التي اتفق عليها جميع الرسل، ووردت كذلك في الكتب السماوية ، وكذلك بيان فضل العلم، وأنّ الملائكة حين علمت فضل آدم بعلمه ، عرفوا كماله وأنّه يستحق التوقير والإجلال.
وإنّ العلم من أعظم النعم التي ينعمها الله على العبد، وعلى المسلم أن يعترف بتك النعمة ويُثني على الله، ويُعلّم الجاهل، كم لا بدّ من السكوت عن الأمور التي لا يعلم بها والوقوف على ما علمه ،وذكر الله القصة من باب الاعتبار، وأنّ الكبر والحسد من أشدّ الأخلاق ضرراً على العبد ، والمبادرة إلى التوبة والاعتراف بالذنب عند وقوعه، فذكر الله توبة آدم وزوجته من باب الاقتداء بهما، للنجاة من الهلاك والفوز بالسعادة.
وكذلك إثبات ما أثبته الله لنفسه من الصفات العليا والأسماء الحسنى، وهذا ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة ، وعدم التساهل في معصية الله تعالى، فمعصيةٌ واحدةٌ كانت سبب خروج آدم عليه السلام من الجنة.
التعليقات مغلقة.