وقفة مع السيدة زينب بنت علي..بقلم محمد الدكروري
وقفه مع السيده زينب بنت على بن أبى طالب
بقلم / محمــــد الدكـــرورى
السيده زينب هي ، عقيلة بني هاشم، زينب بنت علي بن أبي طالب ، وهى بنت السيدة فاطمة البتول بنت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وأبوها سيدنا عليُّ بن أبي طالب ، وجدتها السيدة خديجة بنت خويلد ، وأخواها الشقيقان: الإمام أبي محمد الحسن بن على ، والإمام أبي عبد الله الحسين بن على رضي الله عنهم جميعًا ، وولدت زينب في السنة الخامسة للهجرة، وقد سمتها أمها فاطمه الزهراء ، زينب .
حيث تعني أصل الشجرة الطيبة ، ولقبت بالعقيلة أو عقيلة بني هاشم ، لأنها كريمة قومها، ولها مكانة كبيرة في بيتها ، لما تقدم عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وافق علي على تزويجه من ابنته زينب، فهو من نسب أب و أم شريفين، معروفين بالتقوى والإيمان ، وأنجبت زينب رضي الله عنها من عبد الله بن جعفر بن عبد المطلب أربعة أولاد وبنتان.
وهى وُلدت بعد مولد الحسين بسنتين، أمَّا هي ففي السنة الخامسة أو السادسة للهجرة، فعاصرت إشراق النبوة عِدَّةَ سنوات، وسَمَّاهَا الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم زينب ، إحياءً لذكرى ابنته السيدة زينب ، ومعنى زينب أى الفتاة القوية المكتنزة الودودة العاقلة ، واشتهرت زينب بجمال الخِلقة والخُلُقِ، اشتهارها بالإقدام والبلاغة، وبالكرم وحسن المَشُورَةِ، والعلاقة بالله، وكثيرًا ما كان يرجع إليها أبوها وإخوتها في الرأي، ويأخذون بمشورتها؛ لبُعْدِ نظرها وقوة إدراكها.
وكان للسيدة زينب في قلب جدها، صلى الله عليه وسلم، منزلة كبيرة، فكانت ” حبيبة قلب النبي “، حيث أحبها حباً عظيماً، وكثيراً كان ما يتردد على بيت ابنته فاطمة الزهراء لرؤية حفيدته الصغيرة، يحرص على مداعبتها وملاعبتها ، ونشأت عقيلة بني هاشم في حضن النبوة، وكان النبي يستقبلها في بيوت زوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ويقربها إليه، ويحملها بين يديه الشريفتين، وعمل على تربيتها وتهذيبها، فتربت تربية نبوية، ولم يمنع سنها الصغير أن تستوعب تعاليم جدها الكريم.
وتوفي الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عمر زينب رضي الله عنها خمسة أعوام، ثم تبعته أمها فاطمة الزهراء، وقد أوصت الزهراء ابنتها زينب أن تصحب أخويها وترعاهما، وتكون لهما من بعدها أما واستجابة لوصية أمها شغلت السيدة زينب رضي الله عنها مكان الأم، وتحملت هذه المسؤولية منذ أن كانت في العاشرة من عمرها، فقد أنضجتها الأحداث، وهيأتها لأن تشغل مكان أمها، فتكون أما للحسن والحسين ، ولم يفرق الزواج بين زينب وأبيها وأخوتها، فقد بلغ من تعلق الإمام علي رضي الله عنه بابنته وابن أخيه أن أبقاهما معه حتى إذا ولي أمر المسلمين، وانتقل إلى الكوفة انتقلا معه فعاشا في دار الخلافة موضع رعاية أمير المؤمنين.
تزوجت بابن عمها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وكان عبد الله هذا فارسًا شهمًا نبيلًا كريمًا، اشتهر بأنه قطب السخاء، وهو أول طفل ولد أثناء الهجرة الأولى بأرض الحبشة، وهو يكبُر زينب ، بخمس سنوات ، أي إنه عاصر إشراق النبوة عشر سنوات، ومنه أنجبت ذكورًا وإناثًا، ملئوا الدنيا نورًا وفضلًا، وهم: جعفر، وعلي، وعون الكبير، ثم أم كلثوم، وأم عبد الله، وإليهم ينسب الأشراف الزَّيَانِبَة، وبعض الأشراف الجعافرة.
ويجمع المؤرخون أن السيدة زينب نشأت نشأة حسنة كاملة فاضلة عالمة، على جانب عظيم من الحلم والعلم ومكارم الأخلاق، ذات فصاحة وبلاغة، أخذت عن والدتها الرقة والحنان والخلق الحسن، وأخذت عن والدها العلم والتقوى، حتى تميزت بثقافتها وفصاحتها وبلاغة حديثها ، وكانت السيدة زينب رضي الله عنها صوّامة قوّامة تقضي أكثر لياليها متهجدة تتلو القرآن، كما كانت رضي الله عنها لبيبة عاقلة، وفي البلاغة والزهد والشجاعة قرينة أبيها الإمام علي رضي الله عنها وأمها فاطمة الزهراء، وكان لسانها رطباً دائماً بذكر الله، تجمع بين جمال الطلعة وجمال الطوية، فيقول الجاحظ في «البيان والتبيين»: إنها كانت تشبه أمها لطفاً ورقة وتشبه أباها علماً وتقى.
ولمَّا خرج الإمام الحسين رضى الله عنه في جهاد الغاصب الفاسد يزيد بن معاوية ، شاركته زينب في رحلته وقاسمته الجهاد، فكانت تثير حَمِيَّةَ الأبطال، وتشجع الضعفاء، وتخدم المقاتلين، وقد كانت أبلغ وأخطب وأشعر سيدة من أهل البيت خاصة، والنساء عامة في عصرها ، ولما قُتِلَ الحسين وساقوها أسيرة مع السبايا، وقفت على ساحة المعركة، تقول: يا محمداه ، يا محمداه ، هذا الحسين في العراء، مزمَّل بالدماء، مقطع الأعضاء، يا محمداه ، هذه بناتك سبايا، وذريتك قتلى، تسفي عليها الرياح ، فلم تبقَ عين إلا بكت، ولا قلب إلا وجف.
كما كان لها مواقفها الجريئة الخالدة مع ابن زياد ومع يزيد، وبها حمى الله فاطمة الصغرى بنت الحسين من السبي والتَّسَرِّي، وحَمَى الله عليًّا الأصغر زين العابدين من القتلِ، فانتشرت به ذرية الإمام الحسين، واستمرَّت في الثورة على الفساد ولا تزال، ولقبت زينب بلقب بطلة كربلاء زينب ، وَلَمَّا أعادوها رضي الله عنها إلى المدينة المنورة بعد أن استبقَوا رأس الحسين بدمشق ليطوفوا به الآفاق ، إرهابًا للناس، أحسُّوا بخطرها الكبير على عَرْشِهِم، فاضطروها إلى الخروج، فَأَبَتْ أن تخرج من المدينة إلا محمولة، ولكن جمهرة أهل البيت أقنعتها بالخروج، فاختارت مصر لما علمت من حب أهلها وواليها لأهل البيت.
فدخلتها في أوائل شعبان سنة 61 من الهجرة، ومعها فاطمة وسكينة وعلي أبناء الحسين، واستقبلها أهل مصر في (بُلْبَيْس) بُكَاةً معزِّين، واحتملها والي مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري ، إلى داره بالحمراء القُصوى عند بساتين الزهري ، حي السيدة الآن ، وكانت هذه المنطقة تسمى ، قنطرة السباع ، نسبة إلى القنطرة التي كانت على الخليج المصري وقتئذ، فأقامت بهذه الدار أقل من عام عابدة زاهدة تفقه الناس، وتفيض عليهم من أنوار النبوة، وشرائف المعرفة والبركات والأمداد، حيث توفيت في مساء الأحد 15 من رجب سنة 62هـجريه ، ودفنت بمخدعها وحجرتها من دار مَسْلَمَةَ ، التي أصبحت قبتها في مسجدها المعروف الآن.
ولقبت السيدة زينب بالعديد من الألقاب، منها ” أم العزائم ” لعزيمتها القوية في طاعة الله تعالى وتقواه، و” أم هاشم “، لأنها كانت كريمة سخية كجدها هاشم، و” صاحبة الشورى ” لرجوع أبيها وأخوتها لها في الرأي، و” أم العواجز “، لأن دارها كانت مأوى للعجزة والضعفاء، و ” رئيسة الديوان ” لأنها لما رحلت إلى مصر كان وليها وعلماؤها يعقدون جلساتهم في دارها وتحت رئاستها ، وقال عنها الإمام الحسين رضي الله عنه: أنعم بك يا طاهرة حقاً إنك من شجرة النبوة المباركة ومن معدن الرسالة الكريمة.
وقد توفيت، وهي على عصمة زوجها عبد الله بن جعفر بن أبى طالب ، وأمَّا قصة طلاقها منه فكذب من وضع النواصب خصوم أهل البيت ، أو هي على أحسن الأحوال وَهْمٌ واختلاط وتشويش على أهل البيت من المتمسلفة ، وقد اختلف المؤرخون في تحديد سنة وفاتها، وان كان الأرجح عند كثير من الباحثين أنها توفيت في سنة 62 هـجريه ، لكن ذهب آخرون إلى أن وفاتها سنة 65 هـجريه ، بالرغم من الاتفاق أن وفاتها كانت في يوم 15 رجب ، وذكر الكثير من المؤرخين وسير الأخبار بأنها توفيت ودفنت في دمشق ، ورأي آخر على أنها دفنت في القاهرة مع انه لا يوجد أي كتاب مؤرخ لمزارات مصر يدل على وجود قبر لزينب في مصر .
بل دلت كثيرا على قبر السيدة نفيسة مثل الإمام الشافعي الذي زار قبر السيدة نفيسة ويرجح البعض إلى ان قبر السيدة زينب في القاهرة هو قبر السيدة زينب بنت يحيى المتوج بن الحسن الأنور بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وذكر النسابة العبيدلي في أخبار الزينبيات على ما حكاه عنه مؤلّف كتاب السيدة زينب: أنّ زينب الكبرى بعد رجوعها من أسر بني أميّة إلى المدينة أخذت تؤلّب الناس على يزيد بن معاوية، فخاف عمرو بن سعد الأشدق انتقاض الأمر، فكتب إلى يزيد بالحال، فأتاه كتاب يزيد يأمره بأن يفرّق بينها وبين الناس، فأمر الوالي بإخراجها من المدينة إلى حيث شاءت، فأبت الخروج من المدينة .
وقالت: لا أخرج وإن أهرقت دماؤنا، فقالت لها زينب بنت عقيل: يا ابنة عمّاه قد صدقنا الله وعده وأورثنا الأرض نتبوأ منها حيث نشاء، فطيبي نفساً وقرّي عيناً، وسيجزي الله الظالمين، أتريدين بعد هذا هواناً؟ ارحلي إلى بلد آمن، ثم اجتمع عليها نساء بني هاشم وتلطّفن معها في الكلام، فاختارت مصر، وخرج معها من نساء بني هاشم فاطمة ابنة الحسين وسكينة، فدخلت مصر لأيام بقيت من ذي الحجة .
فاستقبلها الوالي مسلمة بن مخلد الأنصاري في جماعة معه، فأنزلها داره بالحمراء، فأقامت به أحد عشر شهراً وخمسة عشر يوماً،وتوفيت عشية يوم الأحد لخمسة عشر يوماً مضت من رجب سنة اثنتين وستين هجرية، ودفنت بمخدعها في دار مسلمة المستجدة بالحمراء القصوى، حيث بساتين عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري بالقاهرة .
فيما تشير روايات أخرى إلى أن عبد الله بن جعفر الطيار رحل من المدينة، وانتقل مع زينب إلى ضيعة كان يمتلكها قرب دمشق في قرية اسمها راوية وقد توفيت زينب في هذه القرية ودفنت في المرقد المعروف باسمها والمنطقة معروفة الآن بالسيدة زينب وهي من ضواحي دمشق.
وكان المسجد الزينبي الذي هو بيت أمير مصر مَسْلَمَةَ بن مخلد قائمًا على الخليج المصري، عند قنطرة على الخليج كانت تسمى قنطرة السباع ، لأنها كانت مُزَيَّنَةً من جوانبها بسباع منحوتة من الحجر، ولما رُدِمَ الجزء الذي عليه القنطرة من الخليج زالت القنطرة فاتَّسَعَ الشارع، وظهر مسجد السيدة بجلالِه وتوالت التجديدات عليه، وقد أنشئ هذا المسجد في العهد الأموي، وزاره كبار المؤرِّخِين وأصحاب الرحلات.
التعليقات مغلقة.