وقفة مع النفس بقلم: حاتم السيد مصيلحي
سألت خطيب الجمعة يوما، علام تتحدث الخطبة اليوم؟ فاشرأب برأسه، وانتفخت أوداجه قائلا: ( وقفة مع النفس) عندها تفتحت مدارك عقلي، وتشعبت منابع فكري إلى آماد بعيدة، فوقفات النفس متعددة، ومساراتها مختلفة ومتباينة، ويتوقف ذلك على مدى دارية الواقفين معها ومنها، فمن منا يستطيع؟!
ثم جلست أمام المنبر في شوق لسماع تلك الوقفة، لعلها داعمة لنا ومؤثرة فينا، فصعد الإمام فحمد الله وأثنى على نبيه ومصطفاه، ثم هلل وكبر، وتعوذ من شر كل نفس واستغفر، ثم أخذ يعدد مراتب النفس ويعرفها أمارة، ولوامة، ومطمئنة وهي أعلاها.
ثم أخذ يشيح بيديه يمينا ويسارا، وأنا مازلت انتظر تلك الوقفة، فقال: يقول الفاروق عمر رضوان الله عليه ” حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ” أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.. ادعو الله.. ولا أدري هل دعونا له أم عليه؟ ثم قام فاستقام وحمد وصلى وسلم على الهادي البشير سيدنا محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ ثم واصل حديثه المقطوع بضرورة كبح شهوات النفس التي بين جنبينا، للنجاة من النار والفوز بالجنان، ثم أخذ يدعو بالسلامة من كل شر، والستر من كل عيب، ورفع الدرجات إنه سبحانه مجيب الدعاء، وأقم الصلاة. بعد أن فرغنا من الصلاة حاولت استجمع ملخص الخطبة، فلم أجد سوى مراتب النفس التى يعلمها الجميع ، وشاءت الظروف أن ألتقي بالخطيب مرة أخرى ، فسألته هل رجعت إلى مرجع ما أو مصدر معين لجمع مادتك، واستحضار رؤيتك؟ فلم يحرر جوابا.. فاتبعت معه أساليب الدعوة الحكيمة دون كذب أو مجاملة قائلا: ياشيخنا لقد حزت ملكة الخطابة، ولكنك تفتقد مادتها، وعوامل الجذب والتشويق فيها ، وتخرج عن إطار الموضوع المرسوم، فينفلت منك زمامها، وتتفلت منك أذهان المتلقين، فلو أنك أعددت خطبتك إعدادا منهجيا، وخططت لها تخطيطا دعويا لكان ذلك أثبت لقدرتك وموهبتك، وأنفع للناس وأنجع.
فتقبل الرجل نصحي بقبول حسن، وكان ذلك أبلغ تعبير عن الوقوف مع النفس.
نسأل الله تعالى قبولا ونفعا
التعليقات مغلقة.