وقفه مع نبى الله شعيب (الجزء الثالث)
بقلم / محمـــــد الدكـــــرورى
نبي الله شعيب عليه السلام من الأنبياء الذين ذكرهم القرآن الكريم وأشاد بهم، وكان صاحب رسالة، ونادى بالإصلاح في مجتمعه آنذاك ، ووكان رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، إذا ذكر عنده شعيب قال: ” ذلك خطيب الأنبياء يوم القيامة ” وقد بذل نبي الله شعيب جهده من أجل إخراج قومه أهل مدين من الجهل وعبادة الأصنام .
وكذلك نهاهم عن بعض المفاسد الأخلاقية والاجتماعية التي كانت تسود مجتمعه آنذاك، ودعا إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، حتى كبرت سنه، ودق عظمه، ثم غاب عنهم ما شاء الله، ثم عاد إليهم شاباً، فدعاهم إلى الله تعالى فقالوا له: ما صدقناك شيخاً فكيف نصدقك شاباً؟
ولم يكن عمل نبي الله شعيب مقصوراً على الدعوة إلى عبادة الله تعالى وإصلاح مجتمعه من المفاسد الأخلاقية والاجتماعية، وإنما كان عليه السلام إلى جانب ذلك يمارس حرفة رعي الأغنام، ومن هذه الحرفة كان ينفق على نفسه وعلى أسرته، فكان يربي الغنم ويرعاها حتى كبر في السن، وعندما كبر بالسن تولت ابنتاه العناية بأغنام أبيهما رعياً وسقاية .
حيث لم يكن لهما أخ ذكر يقوم بالعمل من أجل كسب الرزق، وأبوهما شيخ كبير لا يقوى على العمل، ولم تكن الظروف مواتية لاستئجار رجل يقوم به، فأدت الحاجة إلى أن تقوم البنتان بعمل الرعي والسقاية.
وذكر القرآن الكريم أن نبي الله موسى عندما فر هارباً من قومه وذهب إلى مدين، تولى مهمة رعي غنم شعيب لمدة عشر سنوات، وتزوج إحدى ابنتي شعيب عليه السلام، وكانت أسرتا النبيين ، موسى وشعيب ، عليهما السلام تعتمدان على رعي الغنم في توفير نفقاتهما وسد حاجاتهما من المأكل والمشرب والملبس.
وحارب نبي الله شعيب عليه السلام آفة التطفيف والغش التي كانت منتشرة في قومه، وعن علي بن الحسين قال: إن أول من عمل المكيال والميزان هو نبي الله شعيب عليه السلام، فقد عمله بيده ، وبعث الله شعيباً إلى أهل مدين ولم يكونوا فصيلة شعيب ولا قبيلته التي كان منها، ولكنهم كانوا أمة من الأمم بعث إليهم شعيب، وكان عليهم ملك جبار، ولا يطيقه أحد من ملوك عصره .
وكانوا ينقصون المكيال والميزان، ويبخسون الناس أشياءهم مع كفرهم بالله، وتكذيبهم لنبيه وعتوهم، وكانوا يستوفون إذا اكتالوا لأنفسهم أو وزنوا، فكانوا في سعة من العيش، فأمرهم الملك باحتكار الطعام وإنقاص مكايلهم وموازينهم، ووعظهم شعيب فأرسل إليه الملك وسأله: ما تقول فيما صنعت؟ أراض أنت أم ساخط ؟
فقال شعيب: أوحى الله تعالى إليَّ أن الملك إذا صنع مثل ما صنعت يقال له: ملك فاجر، فكذبه الملك وأخرجه وقومه من مدينته، فسلط الله عليهم الحر والغيم حتى أنضجهم الله، فلبثوا فيه تسعة أيام، وصار ماؤهم جميعا لا يستطيعون شربه، فانطلقوا إلى غيضة لهم فرفع الله لهم سحابة سوداء فاجتمعوا في ظلها، فأرسل الله عليهم ناراً منها فأحرقتهم فلم ينج منهم أحد، وذلك لقوله تعالى: (فأخذهم عذاب يوم الظلة).
وإنه لما خرج سيدنا موسى عليه السلام من أرضِ مِصرَ يريد النجاة من كيد فرعونَ وجنودِه، ولم يكن خروجُه جُبنًا لأن الأنبياء يستحيل عليهم الجبن، وتوجّه عليه السلام إلى مَدْيَنَ ماشيًا على قدمَيه بغيرِ زاد ولا دابَة يركبُها فكان يأكل ورق الشجر وهذا حال أنبياء الله الصبر عند الشدة والمصيبةِ والبلاء فلا يعترضون ولا يتسخطون على الله ولا يتخلَّون عن الدعوة إلى الله .
وسار موسى عليه السلام إلى مَدْيَن وبقي يمشي مسيرة ثمانيَة أيامٍ حتى وصل إلى مدين وقد أتعبَه الجوع فجلسَ تحتَ ظلِ شجرة فأبصر امرأتينِ وكانتَا أختينِ ترعيانِ الأغنامَ وتريدان سقي أغنامهما من بئر كبيرة وكان الرعاة يَسقُون مواشيَهم من هذه البئرِ والأُختانِ تحبِسَان غنمَهما عن الشرب من البئر، لِمَ؟ لئلا يختلطَ غنمُهما بغنمِ الآخرين، فأشفق موسى عليه السلام عليهما.
أشفق موسى عليه السلام عليهما وسألهما عن سببِ تعهدِهما لرعايةِ الغنمِ بأنفسِهما فأخبرتاه بأن أباهما شيخ كبير وليس عنده من الأولاد الذكور من يرعى له هذه الأغنام، ثم البئر بعد أن يسقي الرعاة أغنامهم يضعون عليها صخرة كبيرة هذه الصخرة لا يطيق رفعَها إلا عشَرةُ رجالٍ فماذا كان من موسى عليه السلام؟
كان منه أن وضعَ قوةَ جسمِه التي من الله عليه بها في طاعة ربه، في طاعة خالقِه، في طاعةِ الله المطّلعِ عليه ولا تخفى عليه خافية، فرفعَها موسى عليه السلام وحدَه ثم استقَى منها الماءَ وسقَى لهاتين المرأتينِ غنمَهما وردّ الحجرَ مكانَه ثم انصرفَ عليه السلام إلى ظلِّ شجرة وجلس تحتها يدعو الله تعالى ويشكرُه، يدعو الله الذي مَنّ عليه بهذه القوة ويشكرُه على هذه النعمةِ العظيمة.
وصح عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها ” فحدد بذلك مكانها ، فإذا احتاجت للخروج فعليها أن تأخذ حواف الطريق ، وتغض بصرها ، وترتدى زيها الشرعي بحيث يضرب من الرأس حتى القدم ، ويكون فضفاضا غير ضيق لا يصف حجم العظام ولا يشف ما تحته من البدن ولا يكون ثوب شهرة ولا زينة ولا يشابه مثل الرجال ولا مثل الكافرات .
والمرأة لا تختلط بالرجال حتى في أماكن العبادة ، فهي تطوف بالكعبة من خلف صفوف الرجال ، وخير صفوف الرجال أولها وشرها أخرها ، وخير صفوف النساء أخرها وشرها أولها وذلك في الصلاة، فالمباعدة بين الرجال والنساء من جملة المطالب الشرعية التي ينبغي أن نحافظ عليها في دور العلم ووسائل المواصلات .
وهي لمصلحة الرجال والنساء ، إذ أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ما ترك فتنة أضر على الرجال من النساء ، وثبت الخبر أن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء ولا شك أن بليه هذه الأمة بالمرأة المتهتكة المتبرجة غاية في الخطر ، لذا يحرص أعداء الإسلام على استدراجها إلى حتفها لتكون فتنة لنفسها وفتنة لغيرها .
وما كان ربك نسيا ، فهو سبحانه البر الرحيم بالمرأة وبخلقه وبعباده ، وليس الذكر كالأنثى ، فالمرأة تحمل وترضع وتحيض وتنفس ، وهي نصف المجتمع وتلد النصف الأخر ، فلها دورها ومكانها ومكانتها المناسبة في الحياة ، والحرية الحقيقية للرجل والمرأة في إقامة واجب العبودية والاستقامة على كتاب الله وعلي سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم، فلا حاجه لنا في استيراد الحريات العفنة المدمرة من الشرق أو الغرب.
وكانت مروءة وشهامة ورجولة من نبي الله موسي، وما ضاع العبد ولا خاب بطاعة الله، فقد تمت المصلحة، وقضي الأمر، دون مخالفة، سقي لهما نبي الله موسي، ثم أرجع حاجته لله واستشعر فقره، واشنكي حاله لخالقه ومولاه وهو الغني الحميد، الذي يجبر الكسير ويرحم الكبير ويقيل العثرات ويكشف الكربات ويقضي الحاجات، والإنسان لا يحتاج فقط لمطعم وملبس ومشرب ومسكن .
فقد ابتلي بشهوة وغريزة يحتاج إلى تصريفها في الحلال، الرجل بحاجة لزوجه يسكن إليها لتعينه على نوائب الحق، والمرأة بحاجة لزوج تأنس به ليكون عوناً لها على طاعة الله، وحوائجنا جميعاً عنده سبحانه ففي الحديث القدسي: “يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر” .
وسواء امتلك العبد معونة الزواج أو افتقدها فعليه أن يصنع صنيع نبي الله موسي، ويظهر فقره وضعفه إلى الله فمن الثلاثة الذين يعينهم الله، الناكح يبتغي العفاف، وانظروا لقيمة الدعاء في جلب الخيرات وتحقيق المطلوبات فما كاد نبي الله موسي يفرغ من الدعاء إلا وجاءه الفرج من عند الله .
ولقد وقع اختيار الفتاة على القوي الأمين، وهو أحد أولي العزم من الرسل، واستن شعيب بسنة الصالحين، فمثل نبي الله موسي لا يفرط فيه حتى وإن كان فقيراً، فكان العرض، الذي لاقي قبولاً وارتياحاً من نبي الله موسي، فلا كبر ولا عجب ولا غرور، كما يفعل بعض من لا تقوي عنده، إذا تم عرض الابن عليه، وشأن المرأة أن تكون مطلوبة، فلا بد من المحافظة على هذا الأمر أثناء العرض أو التوفيق في الزواج .
وقد وفي عليه السلام لأبيها بما قطعه على نفسه والمسلمون عند شروطهم وبني بامرأته وتلمس من خلال العرض مدي شفقته وحرصه على أهله وفي الحديث : ” خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله ” إن الزواج من أعظم الآيات ومن ثماره حصول المودة والرحمة ، وهذا هو الزواج المبارك المبني على السنن وعلى تعظيم شعائر الله حتى وإن افتقد العلاقة والمحبة قبل الزواج فبإذن الله تتحقق الخيرات والبركات .
ويروى أن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم قال: بكى شعيب عليه السلام ” من حب الله عز وجل حتى عمي، فرد الله عز وجل عليه بصره، ثم بكى حتى عمى فرد الله عليه بصره، ثم بكى حتى عمى فرد الله عليه بصره، فلما كانت الرابعة أوحى الله إليه: يا شعيب، إلى متى يكون هذا أبداً منك، إن يكن هذا خوفاً من النار فقد أجرتك، وإن يكن شوقاً إلى الجنة فقد أبحتك .
قال: إلهي وسيدي أنت تعلم أني ما بكيت خوفاً من نارك ولا شوقاً إلى جنتك، ولكن عقد حبك على قلبي فلست أصبر أو أراك، فأوحى الله جل جلاله إليه: أما إذا كان هذا هكذا فمن أجل هذا سأخدمك كليمي موسى بن عمران.
التعليقات مغلقة.