وقفه فى حياة عمر بن عبد العزيز
بقلم / محمـــــد الدكـــــرورى
الدولة الأموية أو دولة بني أمية، هي دولة من دول الخلافة الإسلامية التي حكمتْ البلاد العربية، وهي أول سلالة من السلالات الإسلامية، حكم الأمويون المسلمين بعد الخلافة الراشدية، وقد استمرَّت دولة الخلافة الأموية منذ عام 661 م حتَّى عام 750م لتجيءَ بعدها الخلافة العباسية .
ومن أبرز خلفاء بني أمية: معاوية بن أبي سفيان الذي يُعدُّ مؤسس الخلافة والخليفة الأول وابنه يزيد بن معاوية، عبد الملك بن مروان، الوليد بن عبد الملك، سليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز .
عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف، أبوحفص القرشيّ الأموى، وأمه هى أم عاصم، ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، ورغم اختلاف المؤرخين حول سنة ميلاده فإنه من المرجح أنه ولد عام 61 هجريا، لأنه يؤيد ما ذكره المؤرخون بأنه توفى عام 101 هجريا وعمره أربعون سنة.
وتذكر بعض المصادر أنه وُلد بمصر، ففى زمن التابعيين ولد عمر بن عبد العزيز فى مصر بمنطقة حلوان لأن أباه عبدالعزيز بن مروان تولى حكم مصر، ولكن هذا القول ضعيف، لأن والده تولى أمر مصر عام 65 للهجرة، ولم يكن مقيما بها، وكانت إقامته وبنى مروان فى المدينة، لذلك فإن المرجح أن عمر بن عبدالعزيز ولد فى المدينة المنورة ونشأ عند أخواله من آل عمر بن الخطاب، فتأثر بهم وبمجتمع الصحابة.
وكان عمر بن عبدالعزيز يُلقّب بالأشج، لأنه عندما كان صغيرًا دخل إلى إسطبل أبيه عندما كان والياً على مصر، فضربه فرس فى وجهه فشجه، فجعل أبوه يمسح الدم عنه ويقول: إن كنت أشج بنى أمية إنك إذاً لسعيد، مستبشرا بمقولة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأن ابنه سيصبح أشج بنى أمية الذى يملأ الأرض عدلاً، كما لقب بن عبدالعزيز باسم عمر الثانى لشدة التشابه بينه وبين جده عمر بن الخطاب فى الصفات والورع.
ونشأ عمر بن عبدالعزيز محباً للعلم مقبلاً عليه، وعندما تولى والده ولاية مصر طلب منه أن ينتقل معه، ولكن عمر طلب أن يرتحل إلى المدينة لطلب العلم ومجالسة الفقهاء والعلماء، وكان له ما أراد، فاشتهر بعلمه وأدبه، فلما مات أبوه تولاه عمه أمير المؤمنين عبدالملك بن مروان، مع أبنائه وقدمه على كثير منهم، وزوجه بابنته فاطمة.
وفى سنة 87 هجريا أى عندما بلغ عمر بن عبدالعزيز سن 26 عاما ولّاه ابن عمه الخليفة الوليد بن عبدالملك على إمارة المدينة المنورة، وضم إليه ولاية الطائف سنة 91 هجريا، فصار واليا على الحجاز كلها، واستقبله أهل المدينة استقبالا حسنا، لأنهم كانوا يعرفون خلقه وفضله منذ نشأ بينهم، وكان عمر بن عبدالعزيز من خيرة الولاة وأفضلهم وأكثرهم كفاءة، فحرص على حسن اختيار معاونيه، وكان من بينهم شيوخه، عروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبدالله بن عمر.
وفى فترة ولايته للمدينة، ساد الأمن والعدل، وشعر أهلها بالهدوء والاستقرار، وجدد عمر بن عبدالعزيز المسجد النبوى، وعمل على تحسين عمارته، وبقى على ولاية المدينة ما يقرب من 6 سنوات أكسبته خبرة واسعة فى شؤون الحكم والخلافة حتى عزله الخليفة الوليد عام 93 هجريا، ولم يكن ذلك بسبب تقصير أوإهمال وتقاعس، ولكن بسبب وشاية استجاب لها الوليد، فعاد عمر إلى الشام، ولم يتولَّ أى منصب حتى وفاة الوليد عام 96 هجريا.
وفى عهد الوليد انتشر الفساد والظلم وكان زمنه فيه الحجاج ، وعمر ولاه وليد على المدينة فأصلح فيها، ثم الطائف ومكة والحجاز ، وعندما أراد الحجاج أن يحج أرسل عمر للوليد: إذا أراد هذا الظالم أن يحج، فلا يدخل المدينة ، فأرسل الوليد للحجاج: “لا تدخلن مدينة رسول الله فإن فيها من لايحبك.”
وغضب الحجاج عندما علم وإذا به يوشى به عند الوليد حتى عزله وخرج عمر منها وهو يبكي.. قال له صديقه لم تبكي؟ قال: أخشى أن تكون المدينة قد نفتنا لحديث رسول الله ” أن المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد “
وتوفي الوليد وتولى سليمان بعده ، وكان ابنه سليمان أعدل منه فقرب عمر إليه، وكان عمر شديد عليه يذكره بتقوى الله وبأمر الرعية ولا يدع فرصة إلا ونصح الخليفة.
وعندما تولى سليمان بن عبدالملك الخلافة استعان بعمر مستشارا ومعاونا ووزيرا له، وعندما حضرته الوفاة أوصى له بالخلافة من بعده، لما رآه فيه من القدرة والكفاءة والتقوى والصلاح، والميل إلى الحق والعدل ليتولى عمر بن عبد العزيز الخلافة سنة 99 هجريا ويكون ثامن الخلفاء الأمويين وخامس الخلفاء الراشدين.
وعند اقتراب وفاة سليمان سأل من يُولى بعدى؟ ابنه صغير والآخر ضائع ، فقال له مساعده رجائى: لا أرى أفضل من عمر ، فولى عمر وكتب ذلك وأحضر بني عمومته، قال لهم: بايعوا من كتبت في الكتاب فأخذوا يتكلمون من هذا الذى كتبه قال بايعوه ، فبايعوه وذهبوا لرجائى يسألونه هل وضعت اسمى؟ ويسألونه من هو؟ وهو لا يتكلم .
وبعد الوفاة علموا أنه عمر عندما فتح رجاء الخطاب وقرأ : إني قد وليت عليكم عمر بن عبد العزيز ، سمع الناس بكاء في المسجد فإذا به عمر يبكى حتى سقط على الأرض ويقول: والله ما أردتها .
وفى أىول يوم للخلافه جمع أبناء العمومة وقال: أنا الآن أميركم ولي السمعُ والطاعة ، فارجعوا كل مابأيديكم إلى بيت المال ، فقالوا: إنها ملكنا ، قال: لا، هي أملاك المسلمين ، فغضبوا وأخذها منهم بالقوة ، ونادى في الناس عندما وجد بعضهم لا يريد: “من كان له حق عند أمير أو والي أو رجل من بني أمية فليأتي ولياخذ حقه.
وكان الخليفة عمر بن عبدالعزيز إداريًا عظيمًا، يمتلك من الكفاءة والمواهب والصفات ما جعله من أعظم الحكام فى التاريخ، وحمل كثيرا من صفات جده عمر بن الخطاب كحاكم وخليفة للمسلمين، فكان تقيا ورعا زاهدا، فجدد الأمل فى النفوس بإمكانية عودة حكم الخلفاء الراشدين.
استطاع عمر بن عبدالعزيز خلال عامين وبضعة أشهر هى مدة توليه الخلافة أن يقود الدولة الإسلامية لتكون من أعظم الدول، فعم الرخاء وانتشر العدل وفرض هيبتها وسيطرتها وسلطانها ليعيد الأمن والاستقرار، بعد أن مرّت بفترات عاصفة وأوقات حَرِجة، وفتن مظلمة، فاستأنف الفتوحات الإسلامية، وضمت الدولة إلى أراضيها بقاعا شاسعة فى الشرق والغرب .
وتولى عمر بن عبد العزيز منصبه وجيوش مسلمة بن عبد الملك تحاصر القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، فكان استقرار الدولة من أسباب ظهور أثر إصلاحات عمر، وسياسته الحكيمة، وإدارته العادلة، وكانت الدولة الإسلامية خلال هذه الفترة عامرة بالكفاءات الذين يجمعون بين الصلاح والكفاءة، فاستطاع عمر أن يقوم بهذه الإصلاحات العظيمة ويرسى أركان دولته العظمى فى هذه الفترة القصيرة.
واستفاد عمر بن عبدالعزيز بالفترة التى قضاها واليًا على المدينة، واكتسب خبرات عظيمة فى الإدارة، ورأى عن كثب كيف تُدار الدولة، فلما تولى الخلافة كان لديه من الخبرة والتجربة ما يعينه على تحمل المسؤولية ومباشرة مهام الدولة، وحمل بن عبدالعزيز الكثير من صفات جده ابن الخطاب فى العدل والورع والحرص على المال العام والترفع عن مباهج الحكم والسلطة، وكان يختار ولاته بعد تدقيق شديد، فكان منهم العالم الفقيه، والسياسى البارع، والقائد الفاتح.
وكان ابن عبدالعزيز لا يكتفى بحسن الاختيار، بل كان يتابع ويراقب ولاته، ورغم أنه أخذ نفسه بالشدة والتقشف، وألزم نفسه بالحياة الخشنة، إلا أنه لم يلزم ولاته بذلك، بل وسّع عليهم فى العطاء، وفرض لهم رواتب جيدة تحميهم من الانشغال بطلب الرزق، وتصرفهم عن الانشغال بأحوال المسلمين، وفى الوقت نفسه منعهم من الاشتغال بالتجارة، حتى لا يكون هناك شبهات وتجاوز فى حق الرعية حين ينشغل الحكام بأعمالهم وتجارتهم الخاصة، وعزل أهل الجور من الولاة والعمال، من ذلك عزله ليزيد بن مسلم عن أفريقية، لأنه كان قاسيا كثير القتل، يشكو منه الناس.
وعرف عمر بن عبدالعزيز قيمة المال العام، ولم ينفقه إلا فيما فيه نفع الأمة، وكان حريصا أشد الحرص عليه وعلى أوجه إنفاقه، وفور توليه الخلافة أحصى القطائع والأعطيات، فبلغت نصف ما فى بيت المال أو أكثر، فصعد على المنبر وقال: أما بعد فإن الخلفاء قد أعطونا عطايا ما كان ينبغى لنا أن نأخذها، وما كان ينبغى لهم أن يعطوناها وإنى قد بدأت بنفسى وأهل بيتى، وضم أمواله وأموال زوجته فاطمة بنت عبدالملك بن مروان وجهازها إلى بيت مال المسلمين .
حتى إنه رد فص خاتم كان فى يده، أعطاه له الوليد بن عبدالملك، وزهد فى المال العام وخرج من جميع ما كان فيه من النعيم فى الملبس والمأكل والمتاع، قبل توليه الخلافة حيث كان قبلها من أكثر الأمويين رفاهة وأناقة وكان دخله فى كل سنة أربعين ألف دينار، وترك ذلك كله بعد أن أصبح خليفة المسلمين ولم يبق له دخل سوى أربعمائة دينار فى كل سنة.
وكان عمر يصلي في يومٍ من الأيام وأخذ يبكي فبكت فاطمة فبكى الأطفال من شدة بكائهم وسمعه جيرانه فسألوه لما أبكيت أهلك؟ قال: وقفت عند آية أبكتني ، قالوا أي آية؟ قال الله عز وجل يقول “ فَرِيْقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيْقٌ فِي السَّعِيْرِ” ما أدري في أي الفريقين أكون.
ودخل والي على عمر فبدء عمر يسأله ماذا فعلتم؟ أين الخراج؟ وهكذا حتى انتهى ، فقال له: يا أمير المؤمنين، إني الآن سائلك ، قال عم تسألني؟ قال: عن حياتك وأسرتك وبيتك؟ فقام فاطفأ السراج! فسأله الوالي لم؟
قال له: هذا الزيت من بيت المال اسألك عن أمور المؤمنين فيحق لى أن أشعله، تسألني عني فلا يحق لي ، وفي يوم من الأيام أرادت ابنته ثوبًا فنادى خادمه وقال له: أين الفرش الذي قطعناه؟ قال: هاهو قال خذيه فاصنعي ثوبا، إن وراءنا حساب عسير يا بنية.
وفي يوم قرء آية فبكى، وعاد للبيت سأله ابنه: لم تبكي؟ قال: ود أبوك لو أنه لم يعرف هذه الدنيا، وفي عهده جاءت عراقية دخلت على فاطمة فرأت السقا ينظر إلى فاطمة ، فقالت لها: مابال هذا السقا ينظر إليكِ قالت لها إنه أمير المؤمنين عمر.
وكما ترك عمر بن عبدالعزيز قصر الخِلافة فى دمشق وعاد إلى بيته وجلس على الحصير، وأعرض عن ركوب مراكب الخلافة، وهى الخيول الحسان الجياد، وأمر أن تباع ويوضع ثمنها فى بيت المال، وكان له الكثير من الثياب فتركها، وأبقى لنفسه واحداً فقط، فكان يغسله يوم الجمعة وينتظره حتى يجف .
وفي يوم من الأيام جاءته جاريته قالت له: رأيت رؤيا ، قال: وما رأيتي؟ قالت: رأيت أن القيامة قد قامت ، فخاف عمر وقالت: ورأيت أن جهنم قد برزت ورأيت الصراط قد ضرب على بابها، قال عمر: ثم ماذا؟ قالت: ورأيتك يا أمير المؤمنين فصاح عمر وأغمي عليه، وهي تقول: قد نجوت قد نجوت ، وهو أغمي عليه ولم يسمعها.
كما كان يخدم نفسه بنفسه، ويأكل الغليظ من الطعام، ومن شدة ورعه وخشيته على المال العام خصص سراجا ” مصباحا ” يكتب عليه حوائجه، وسراجا لبيت المال يكتب عليه مصالح المسلمين، فلا يكتب على ضوئه لنفسه حرفًا.
وأخذ عمر بن عبدالعزيز أموال جماعة من بنى أمية وردها إلى بيت المال وسماها أموال المظالم، وفى الوقت نفسه ألغى المُكوس (الضرائب الجائرة) وكان من نتائج هذه السياسة فى الحفاظ على المال العام أن تدفقت الأموال إلى خزينة بيت المال من موارد الدولة المتنوعة التى حافظ الولاة عليها.
ورغم تقشفه على نفسه وزهده فى المال العام فإنه كان يرعى حق كل مواطن فى هذا المال ويغدق عليه منه حتى تقوم الدولة بمسؤولياتها تجاه أفرادها، وتحسين أحوالهم المعيشية، فكتب إلى ولاته ليقضوا عن الغارمين ديونهم.
وبلغ من حرصه على الرفق برعيته، واحترامه لحقوق الإنسان وخاصة ذوى الاحتياجات الخاصة أن جعل لكل أعمى قائدا يقوده ويخدمه، وخصص للمرضى والأيتام من يقوم بخدمتهم، كما خصص رواتب للعلماء وطلاب العلم والمؤذنين، وفكّ رقاب الأسرى، وقدم الأعطيات للسجناء مع الطعام والشراب .
وحمّل بيت المال تكاليف زواج مَن لا يملك نفقاته، وفى عهده عم الرخاء وفاض الخير فى بيت المال حتى كان المنادى ينادى كل يوم: أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟ واغتنى كل هؤلاء ولم تعد لهم حاجة إلى المال، حتى قيل عن عهده: لقد أغنى عمر الناس، فلم يعد هناك من يقبل أخذ الصدقات.
واهتم عمر بن عبدالعزيز حتى بالطير والحيوان، فأمر مسؤول بيت المال بشراء الحبوب ونثرها على رؤوس الجبال حتى تأكل الطير منها فلا يبقى جائع من بشر أو حيوان ، ورغم كل ذلك كان عمر بن عبدالعزيز يرتجف من خشية الله خوفا من أن يكون مقصرًا فى حق رعيته، وقالت زوجته فاطمة: دخلت يومًا عليه وهو جالس فى مصلاه واضعًا يده على خده ودموعه تسيل على خديه، فقلت: ما لك؟
فقال: ويحك يا فاطمة، إنى قد وليت من أمر هذه الأمة ما وليت، فتفكرت فى الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعارى المجهود، واليتيم المكسور، والأرملة الوحيدة، والمظلوم المقهور، والغريب، والأسير، والشيخ الكبير، وذى العيال الكثير والمال القليل، وأشباههم فى أقطار الأرض وأطراف البلاد، فعلمت أن ربى عز وجل سيسألنى عنهم يوم القيامة، وأن خصمى دونهم محمد صلى الله عليه وسلم، فخشيت أن لا تثبت لى حجة عند خصومته.
وحين تولى عمر بن عبدالعزيز الخلافة كانت الدولة الأموية بلغت أقصى اتساع لها فى الشرق والغرب، وكانت جيوشها تضيف للدولة بقاعًا جديدة، فكان من أهم أولوياته إعادة تنظيم الدولة من الداخل، والاهتمام بالإنسان ومراعاة حقوقه، واهتم بنشر الإسلام فى البلاد التى فُتحت أكثر من الاهتمام بالفتح نفسه، فحرص على إرسال الدعاة والعلماء أكثر من عنايته بإرسال الجيوش والحملات .
ورشد حركة الفتوحات ووجّه هذه الأموال إلى العناية بالإنسان، وهذا يفسر أمره برجوع جيش مسلمة بن عبدالملك الذى كان يحاصر القسطنطينية، فأشفق على الجيش المنهك، كما أن عمره القصير فى الخلافة، وانشغاله بالإصلاح الداخلى لم يتح له القيام بفتوحات كثيرة.
ومن أهم الأعمال التى اهتم وقام بها عمر بن عبدالعزيز أن الدولة الإسلامية فى عهده تبنَّت تدوين السنة رسميًا، فأرسل إلى الأمصار يأمر العلماء بجمع الأحاديث وتدوينها، وكتب لأهل المدينة: انظروا حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فاكتبوه، فإنى خفت دروس العلم، وذهاب أهله، فظهرت المصنفات الكبرى فى الحديث وتنوعت مناهجها، لتبقى كتب السنة النبوية ينتفع بها المسلمون عبر الأجيال حتى الآن.
فكانت أيام عمر بن عبد العزيز ، رغد ونعيم وكان يوزع الزكاة على الناس، وكان يُنفق كل ما في بيت المال للمؤمنين ، ثم يغسل بيت المال ويصلى ركعتين شكر لله ، فهذا هو عمر حتى أنهم قالوا له: ياعمر ليس في البلاد فقير فقال: سددوا عن الناس ديونهم.
قالوا: فعلنا، لم يعد أحد يقبل المال، المال فاض ويزيد ، قال: أعطوا لكل محتاج أو مقعد أو أعمى ، أعطوه خادم وخصصوا له راتب من بيت المال ففعلوا وفاضت الأموال ، قال: من كان يحتاج زواج زوجوه ، فعلوا وفاض ، قال: أسسوا من كان محتاج تأسيسا في بيته.
وحتى قيل أنه كان راتبه هو درهمين فقط وفي يومٍ ذهب لفاطمة قال: أعندك درهم ، فبحثت وقالت: لا ولم؟ قال: نظرت في السوق فرأيت عنبًا فاشتهيته ، فبكت وقالت: أنت أمير المؤمنين وتشتهي عنب ، قال: “هذا أهون على من معانقة الأغلال يوم القيامة”
ولقد اختلفت الروايات والأقوال في سبب وفاة عمر بن عبد العزيز، فقيل إنَّ سبب وفاته مرض السل، وقيل إنَّ مولًى له دسَّ له السمَّ في طعامه مقابل مبلغ مالي دُفع له من أعداء عمر بن عبد العزيز، وقد سُمَّ الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز في حمص في دير سمعان ومرض عشرين يومًا ثمَّ مات سنة 101هـجريه .
وتذكر الروايات أنَّ بني أمية كانوا وراء السمِّ الذي دُس لعمر بن عبد العزيز، فقد سئموا من سياستهِ في الحكم، هذه السياسة التي أدَّت إلى حرمانهم من ملذاتهم ومن حياة الترف التي كانوا يعيشونها في فترة الخلفاء الأمويين من قبل، أمَّا في عهد عمر فلم يعد لهم شأن ولا مكانة دون سائر الناس، حيث ساوى عمر بن عبد العزيز بين الناس تمامًا، والله تعالى أعلم
وتوفى فى شهر رجب عام 101 هجريا بعد مرضه لمدة عشرين يوما، عن عمر ناهز أربعين سنة، وقيل إن روحه صعدت إلى بارئها وهو يقرأ: ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )
التعليقات مغلقة.