وقفه مع ” أبو البشر آدم عليه السلام “الجزء الثانى
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
عن أبي أمامة أن رجلا قال : يا رسول الله أنبيٌّ كان آدم ؟ قال : نعم ، مكلَّم ، قال : فكم كان بينه وبين نوح ؟ قال : عشرة قرون ” رواه ابن حبان ، وإن عمر آدم عليه السلام هو ما بينه الحديث: إن الله عز وجل لما خلق آدم مسح ظهره فأخرج منه ما هو من ذراري إلى يوم القيامة، فجعل يعرض ذريته عليه فرأى فيهم رجلا يزهر .
فقال: أي رب من هذا؟ قال: هذا ابنك داود، قال: أي رب كم عمره؟ قال: ستون عاما، قال رب: زد في عمره. قال: لا، إلا أن أزيده من عمرك، وكان عمر آدم ألف عام ، فزاده أربعين عاما، فكتب الله عز وجل عليه بذلك كتابا وأشهد عليه الملائكة، فلما احتضر آدم وأتته الملائكة لتقبضه قال: إنه قد بقي من عمري أربعون عاما، فقيل إنك قد وهبتها لابنك داود ، قال: ما فعلت، وأبرز الله عز وجل عليه الكتاب وشهدت عليه الملائكة . رواه أحمد والترمذى
وجميعنا ابناء ادم عليه السلام فهو اول من خلق من البشر واول من سكن الارض وخلقه الله بيده ونفخ فيه بروحه وامر من ملائكته ان تسجد لادم احتراما وتقديرا له لا عباده له ولقد كان طول آدم ستين ذراعًا، وكان وافر الشعر شبهه رسول الله في الطول بالنخلة السَّحُوق، فلما خلقه الله قال: اذهب فسلم على أولئك وهم نفر من الملائكه جلوس ، فاستمع ما يُحَيُّونَك فإنها تحيّتك وتحية ذريّتك .
فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله ، فزادوه: ورحمة الله ، وكل من يدخل الجنه يكون على صورة آدم في الطول ، فعن ابي هريره عن النبي صلي الله عليه وسلم قال ” أن أهل الجنه يدخلون الجنه على خلق آدم ستين ذراعًا في عرض سبعة أذرع ” رواه أحمد
ثم يروي القرآن الكريم قصة السر الإلهي العظيم الذي أودعه الله هذا الكائن البشري وهو يسلمه مقاليد الخلافة: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا) وسر القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات وسر القدرة على تسمية الأشخاص والأشياء بأسماء يجعلها ، وهي ألفاظ منطوقة ، ورموزا لتلك الأشخاص والأشياء المحسوسة .
وهي قدرة ذات قيمة كبرى في حياة الإنسان على الأرض ، وندرك قيمتها حين نتصور الصعوبة الكبرى ولو لم يوهب الإنسان القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات والمشقة في التفاهم والتعامل وحين يحتاج كل فرد لكي يتفاهم مع الآخرين على شيء أن يستحضر هذا الشيء بذاته أمامهم ليتفاهموا بشأنه .
والشأن شأن نخلة فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا باستحضار جسم النخلة والشأن شأن جبل ، فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بالذهاب إلى الجبل ، والشأن شأن فرد من الناس فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بتحضير هذا الفرد من الناس ، وإنها مشقة هائلة لا تتصور معها حياة ، وإن الحياة ما كانت لتمضي في طريقها لو لم يودع الله هذا الكائن القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات .
أما الملائكة فلا حاجة لهم بهذه الخاصية لأنها لا ضرورة لها في وظيفتهم ، ومن ثم لم توهب لهم ، فلما علم الله آدم هذا السر ، وعرض عليهم ما عرض لم يعرفوا الأسماء ، لم يعرفوا كيف يضعون الرموز اللفظية للأشياء والشخوص ، وجهروا أمام هذا العجز بتسبيح ربهم ، والاعتراف بعجزهم والإقرار بحدود علمهم وهو ما علمهم ، ثم قام آدم بإخبارهم بأسماء الأشياء ، ثم كان هذا التعقيب الذي يردهم إلى إدراك حكمة العليم الحكيم: (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) .
أراد الله تعالى أن يقول للملائكة إنه عَـلِـمَ ما أبدوه من الدهشة حين أخبرهم أنه سيخلق آدم، كما علم ما كتموه من الحيرة في فهم حكمة الله، كما علم ما أخفاه إبليس من المعصية والجحود ، وأدرك الملائكة أن آدم هو المخلوق الذي يعرف ، وهذا أشرف شيء فيه ، وهو قدرته على التعلم والمعرفة ، وكما فهموا السر في أنه سيصبح خليفة في الأرض، يتصرف فيها ويتحكم فيها بالعلم والمعرفة ، وهو معرفة بالخالق.
وهذا ما يطلق عليه اسم الإيمان أو الإسلام ، وعلم بأسباب استعمار الأرض وتغييرها والتحكم فيها والسيادة عليها ، ويدخل في هذا النطاق كل العلوم المادية على الأرض ، وإن نجاح الإنسان في معرفة هذين الأمرين (الخالق وعلوم الأرض) يكفل له حياة أرقى ، فكل من الأمرين مكمل للآخر.
وكان آدم يحس الوحدة ، فخلق الله حواء من أحد منه، فسمّاها آدم حواء ، وأسكنهما الجنة ، ولا نعرف مكان هذه الجنة ، فقد سكت القرآن عن مكانها واختلف المفسرون فيها على خمسة وجوه ، فقال بعضهم: إنها جنة المأوى، وأن مكانها السماء ، ونفى بعضهم ذلك لأنها لو كانت جنة المأوى لحرم دخولها على إبليس ولما جاز فيها وقوع عصيان ، وقال آخرون: إنها جنة المأوى خلقها الله لآدم وحواء.
وقال غيرهم إنها جنة من جنات الأرض تقع في مكان مرتفع ، وذهب فريق إلى التسليم في أمرها والتوقف ، ونحن نختار هذا الرأي ، وإن العبرة التي نستخلصها من مكانها لا تساوي شيئا بالقياس إلى العبرة التي تستخلص مما حدث فيها ، ولم يعد يحس آدم الوحدة ، وكان يتحدث مع حواء كثيرا ، وكان الله قد سمح لهما بأن يقتربا من كل شيء وأن يستمتعا بكل شيء، ما عدا شجرة واحدة.
فأطاع آدم وحواء أمر ربهما بالابتعاد عن الشجرة ، غير أن آدم إنسان، والإنسان ينسى، وقلبه يتقلب، وعزمه ضعيف ، واستغل إبليس إنسانية آدم وجمع كل حقده في صدره، واستغل تكوين آدم النفسي ، وراح يثير في نفسه يوما بعد يوم ،وراح يوسوس إليه يوما بعد يوم: (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) .
وتسائل أدم بينه وبين نفسه ، ماذا يحدث لو أكل من الشجرة ؟ ربما تكون شجرة الخلد حقا، وكل إنسان يحب الخلود ، ومرت الأيام وآدم وحواء مشغولان بالتفكير في هذه الشجرة ، ثم قررا يوما أن يأكلا منها ، ونسيا أن الله حذرهما من الاقتراب منها ، ونسيا أن إبليس عودهما القديم ، ومد آدم يده إلى الشجرة وقطف منها إحدى الثمار وقدمها لحواء ، وأكل الاثنان من الثمرة المحرمة.
وليس صحيحا ما قيل من إغواء حواء لآدم وتحميلها مسئولية الأكل من الشجرة ، وإن نص القرآن لا يذكر حواء ، وإنما يذكر آدم ، كمسئول عما حدث ، عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، وهكذا أخطأ الشيطان وأخطأ آدم عليه السلام ، وكما أخطأ الشيطان بسبب الكبرياء، أخطأ آدم بسبب الفضول.
ولم يكد آدم ينتهي من الأكل حتى اكتشف أنه أصبح عار، وأن زوجته عارية ، وبدأ هو وزوجته يقطعان أوراق الشجر لكي يغطي بهما كل واحد منهما جسده العاري ، وأصدر الله تبارك وتعالى أمره بالهبوط من الجنة ، وهبط آدم وحواء إلى الأرض ، واستغفرا ربهما وتاب إليه ، فأدركته رحمة ربه التي تدركه دائما عندما يثوب إليها ويلوذ بها ، وأخبرهما الله أن الأرض هي مكانهما الأصلي ، يعيشان فيهما، ويموتان عليها، ويخرجان منها يوم البعث.
ويتصور بعض الناس أن خطيئة آدم بعصيانه هي التي أخرجتنا من الجنة ، ولولا هذه الخطيئة لكنا اليوم هناك ، وهذا التصور غير منطقي لأن الله تعالى حين شاء أن يخلق آدم قال للملائكة: ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) ولم يقل لهما إني جاعل في الجنة خليفة ، ولم يكن هبوط آدم إلى الأرض هبوط إهانة، وإنما كان هبوط كرامة .
وكان الله تعالى يعلم أن آدم وحواء سيأكلان من الشجرة ، ويهبطان إلى الأرض ، أما تجربة السكن في الجنة فكانت ركنا من أركان الخلافة في الأرض ، وليعلم آدم وحواء ويعلم جنسهما من بعدهما أن الشيطان طرد الأبوين من الجنة، وأن الطريق إلى الجنة يمر بطاعة الله وعداء الشيطان.
التعليقات مغلقة.