وقفه مع نبى الله زكريا عليه السلام
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
نبى الله زكريا عليه السلام ، ينتسب إلى سيدنا يعقوب بن إسحاق عليها السلام ، وكان سيدنا زكريا يذهب إلي مقر عمله كل يوم صباحا حيث كان يعمل نجارا وكان أغلب ما يرزقه الله به يمنحه للمحتاجين والفقراء ، ومن بعده يذهب إلى المحراب ليؤدي صلواته ويدعو الله ويشكره على نعمه عليه .
وسيدنا زكريا عليه السلام هو أحد الأنبياء والمرسلين الذي بعثهم الله عز وجل على عباده حتى يخرجوهم من ظلمات المعاصي والشرك الى نور الطاعة والتوحيد ، وقد عرف من خلال كتاب الله تبارك وتعالى ان عهد سيدنا زكريا عليه السلام كان قريبا جدا من عهد سيدنا عيسى عليه السلام .
وعندما تقدم في السن وملأ الشيب شعره وكذلك زوجه ولم تكن قد ولدت له ولدا تقر به عينه ويرثه بعد مماته وقد كان أقرابئه من بني عمومته أشرار فجار لم يكونو ليلتزموا في الشريعة الا من خلال وازع ورادع يردعهم ولو خلوا بينهم وبين نفوسهم التي تحمل الشر الكبير فانهم سوف يقومون بمحو الشريعة ونشر الفساد والفتن ويقومون بتغير معالم الكتاب .
وقد نزل كتاب الله تبارك وتعالى معبرا عن حال زكريا عليه السلام وذلك بقوله على لسان زكريا عليه السلام: ( قال ربي اني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك ربي شقيا ، واني خفت الموالي من ورائي فهب لي من لدنك وليا ، يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربي رضيا )
وقد قيل أن زكريا عليه السلام كان خائفا من قومه أن يغيروا ويبدلوا من بعده فيقومون بانتهاك محارم الله عز وجل ولذلك حرص على الدعاء والتوسل الى الله تبارك وتعالى من أجل أن يرزقه الله بغلام يحمل راية النبوة والتوحيد من بعده .
ونبي الله زكريا واجه صعوبات شتي في حياته أو لنقل اختبارات قاست صبره إذ بلغ عامه التسعين ، ولكنه لم يرزق بالأطفال فكانت زوجته عاقرا ، لم تنجب له البنين فخاف أن تأتي ساعة موته ولا يوجد من يخلفه ويحافظ على دين الله من بعده ، وكان يحزن حزنًا شديدًا ويفكر في الأمر كثيرًا ويبحث في ذهنه عن شخص يستطيع أن يحمله هذه الأمانة .
وكان هناك بنو يهود عاشوا منذ قديم الزمان وبالتحديد من بعد موسي عليه السلام ، وقد بعدوا عن دينهم وتركوا شريعته عليه السلام وسعوا في الأرض مفسدين ، كانت كل غايتهم في الحياة جمع الكثير والكثير من الأموال والتمتع بكل ما حرمه الله تعالى .
وبعد سنوات طوال من ملاقاة سيدنا موسي ربه ،عمت الرذيلة وانتشرت موجات الفجور في قطاع واسع من بني إسرائيل ولكن هذه الموبقات ظلت بعيدة عن فئة محدودة منهم حيث استمروا في اتباع ما أمربه الله يحلون حلاله ويحرمون محارمه ويسيرون علي الملة السمحة
وهذه الفئة المؤمنة من بني إسرائيل ضمت سيدنا زكريا عليه السلام الذي نذر نفسه وبذل جهود مضاعفة كي يتراجع اليهود عن أفعالهم وغيهم عبر محاولة بث الإيمان في أرواحهم ، ولكنه لم يفلح في ذلك حيث ظلوا علي حالهم من كثرة الفسق والفجور البين .
وبقيت هذه الخاطرة تسيطر على تفكير زكريا عليه السلام وتأرقه بشدة ليلا ونهارا الى أن قام ذات يوم بالذهاب الى معبد كي يتعبد ويتقرب فيه الى الله عز وجل فيه ، فعندما قام بالدخول على مريم عليها السلام وجدها في ذلك الوقت رابضة في محرابها ، وغارقة في تفكيرها ووجد عندها مالم يعتد على رأيته حيث أنه كان قد رأى عنده من فاكهة الصيف بينما كان ذلك الوقت وقت الشتاء .
فقام زكريا عليه السلام بسؤالها فورا من أين لك ذلك عندما أجابت أنه من عند الله فتوجه سيدنا زكريا عليه السلام الى ربه مصليا وداعيا وراجيا له عندما غاص عليه السلام في هذا التأمل وهذه الحالة التي لم يدركها جيدا قبل ذلك فخشع قلبه وانطلق لسانه قائلا : ( رب هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء )
فكان من الله تبارك وتعالى وبعد أن رأى خشوعه وتوجهه الصادق نحوه أن بعث له الملائكة مبشرين له أن الله تبارك وتعالى سيرزقه بغلام لم يجعل له من قبل سميا ، وكان أن رزقه الله تارك وتعالى يحي عليه السلام وأورثه النبوة من بعد أباه .
ومن هنا نقول أنه ذات يوم من الأيام دخل سيدنا زكريا على مريم بنت عمران في محرابها فوجد عندها رزقًا وفيرًا ، فلما سألها زكريا عليه السلام من أين كل هذا فقالت له هذا من عند ربي ، فالله يرزق من يشاء بغير حساب ، وهو ما حظي بقبول وترحاب وشكر لله من قبل عبده ونبيه .
ونبى الله زكريا بعد أن غادر المحراب ناجي نفسه وقال أن الله الذي رزق مريم الرزق الوفير وهي معتكفة في محرابها ، وهو قادر على أن يرزقه الأطفال فهو قادر على كل شيء ومستجيب لدعوته المتكررة بمن يخلف في استكمال رسالته .
وقد كانت مريم بنت عمران فتاة من الفتيات التي أنذرها أهلها للعبادة فكفلها زكريا عليه السلام ، وصار يعلمها الدين ويأتي لها بالطعام والشراب وكانت تعيش في الهيكل السليماني ، حيث قيل أنه كان زوج خالتها وأخرون ذهبوا أنه زوج أختها .
ودخل نبى الله زكريا ، إلى محرابه وأخذ يدعو الله ويقول : ها أنا عبدك المطيع قد كبر سني وضعفت قوتي وملأ الشيب رأسي ، وأنت تعلم اني أقوم بعبادتك يا الله فكان ذلك منتهي سعادتي ورجائي ، ولكنني لم أجد من أبناء قومي من يمكنه أن يحفظ الشريعة من بعدي ، وأنت تعلم يا الله أن امرأتي عاقر لا تجنب فهب لي من رحمتك وكرمك ولداً يرثني ويرث التقوى والإيمان ويحفظ الدين .
واستجابة الله لدعاء زكريا لم تطل حيث جاءه نداء من السماء يقول : يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيي لم نجعل له من قبل سمياً ، وأراد الله تعالى بهذا الاسم أن يعبر عن نيه سيدنا زكريا عليه السلام من بقاء الدين من بعده حيًا .
وزكريا عليه السلام كان لديه يقين أن وعد الله حق وأنه سينفذ ولكنه كان لا يعلم كيف سيرزقه الله بولد وهو فى سن التسعين وامرأته لا تنجب فقال زكريا لربه : رب أني يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقراً وقد بلغت من الكبر عتياً .
والجواب أتاه من السماء بشكل فوري : يا زكريا أن الله تعالي يعلم أنك كبير في السن وامرأتك مثلك ولم تنجب من قبل ولكن كل شئ هين علي الله تعالي فهو الخالق القادر علي كل شيء ورزق سيدنا زكريا بيحى وعاشوا الاثنين حياه مليئة بالتقوى والدعوة لدين الله .
وهناك روايات عديدة أحاطت بتأمر بني إسرائيل علي سيدنا زكريا من وقبله نجله يحيي ومقتله في نهاية المطاف بحسب ما ذهب إليه ابن كثير بقوله أنّ بعض ملوك بني إسرائيل في مدينة دمشق أراد الزواج ممّن تحرّم عليه في شريعتهم، فنهاه نبى الله يحيى عليه السّلام عن فعل ذلك، فلم ينته عمّا أراد، فاستنكحها لنفسه، وطلبتْ منه دم يحيى، فقتل يحيى إرضاءً لها.
وعلاقة وثيقة ربطت بين استشهاد نبي الله يحيي وموت سيدنا زكريا حيث أنه لما قُتل ابنه نبي الله يحيى بن زكريا عليهما السلام بأمر الملِك الظالم حاكم فلسطين “هيرودس”، أرسل هذا الملِك في طلب أبيه زكريا عليه السلام فاستخفى عليه السلام منهم، فدخل بستانًا ومر بشجرة عند بيت المقدس فنادته الشجرة بمشيئة الله: هلمَّ إليَّ يا نبي الله، فلما أتاها عليه السلام انشقت بقدرة الله ومشيئته فدخلها فانطبقت عليه وبقي عليه السلام في وسطها
فأتى عدو الله إبليس اللعين فأخذ هُدْبَ رداء زكريا عليه السلام فأخرجه من الشجرة ليصدقوه إذا أخبرهم، ثم لقي القوم الذين خرجوا في طلب زكريا عليه السلام وكان متشكلا لهم بصورة رجل فقال لهم: ما تريدون؟ فقالوا: نلتمس زكريا، فقال لهم: إنه سَحَر هذه الشجرة فانشقت له فدخلها .
فقالوا له: لا نصدقك ، قال لهم: فإنّ لي علامة تصدقونني بها، فأراهم طرف ردائه فأخذوا الفؤوس وقطعوا الشجرة وشقوها بالمنشار فقتل نبي الله زكريا فيها ومات شهيدًا، وقد سلط الله تبارك وتعالى عليهم أخبث أهل الأرض فانتقم منهم، والله عزيز ذو انتقام.
وروايه تقول أنه مات نبي الله زكريا عليه السلام قتلا فقد قتله اليهود المجرمون، وقيل في سبب قتله: إنه لما شاع الخبر في بني إسرائيل أن مريم عليها السلام حامل اتهمها بعض الزنادقة بيوسف النجار الذي كان يتعبّد معها في المسجد، واتهمها ءاخرون بزكريا عليه السلام لذلك عزموا على قتله، فأمسكوا به ثم نشروه بالمنشار، وقتل عليه السلام ظلمًا بأيدي اليهود المجرمين ومات شهيدًا عليه السلام .
التعليقات مغلقة.