وقفه مع نبى الله يحيى عليه السلام ” الجزء الثانى “
بقلم …محمـــد الدكــــرورى
وكان نبى الله يحيى عليه السلام ، يدعو بني إسرائيل إلى عبادة الله تعالى وحده بالحكمة والموعظة الحسنة وفقاً لما جاءت به شريعة التوراة، وجمع يحيى عليه السلام بني إسرائيل في بيت المقدس حتّى ملؤوا المكان .
فحمد الله وأثنى عليه ثمّ أخبرهم أنّ الله علّمه خمسة أمور عليه أن يعمل بها وأن يأمرهم بأن يعملوا بها، وهي: عبادة الله دون أن يشركوا به أحداً، وإقامة الصلاة، والتصدّق، وذكر الله سبحانه كثيراً ، فالعبد أبعد ما يكون عن الشيطان عند ذكر الله سبحانه.
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أوحى إلى يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، فكأنه أبطأ بهن، فأتاه عيسى فقال: إن الله أمرك بخمس كلمات أن تعمل بهن وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن فإما أن تخبرهم وأما أن أخبرهم .
فقال: يا أخي لا تفعل فإني أخاف إن سبقتني بهن أن يخسف بي أو أعذب، قال: فجمع بني إسرائيل ببيت المقدس حتى امتلأ المسجد وقعدوا على الشرفات ثم خطبهم فقال: إن الله أوحى إلي بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن أولاهن: لا تشركوا بالله شيئا فإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق ثم أسكنه دارا فقال اعمل وارفع إلي .
فجعل يعمل ويرفع إلى غير سيده ، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك ، فإن الله خلقكم ورقكم فلا تشركوا به شيئا، وإذا قمتم إلى الصلاة فلا تلتفتوا فإن الله يقبل بوجهه إلى وجه عبده ما لم يلتفت، وأمركم بالصيام ومثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة مسك كلهم يحب أن يجد ريحها وإن الصيام أطيب عند الله من ريح المسك.
وأمركم بالصدقة ومثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه وقربوه ليضربوا عنقه فجعل يقول: هل لكم أن أفدي نفسي منكم؟ وجعل يعطي القليل والكثير حتى فدى نفسه، وأمركم بذكر الله كثيرا ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره حتى أتى حصنا فأحرز نفسه فيه، وكذلك العبد لا ينجو من الشيطان إلا بذكر الله. رواه الترمذي .
وجلست هيروديا صامتة وقد بدا عليها الهم والحزن فضاق صدر هيرودوس لحزنها ثم طار صوابه عندما راحت تبكي باحتيال حتي جعلته يرجوها لتقول له ما يحزنها عندها قالت له : ايرضيك ايها الملك ان تصبر علي ظلم يأتيك او عار يلحق بي وبسببك وانا التي ساكون زوجك لك ؟
ولم يصدق هيرودوس ما يسمع فهو يعلم ان لا احد من الناس يستطيع ان يرفع نظره إليه فكيف يكون هنالك من يتطاول عليه او ينال من حبيبته هيروديا أي سوء ؟ وثار غضبه فصرخ قائلاً : هلمي واخبريني ما عندك قبل ان ادمر كل شئ واقضي علي جميع الناس في هذه المدينة .
ولم تجب هيروديا علي الفور لانها كانت تريد ان تزيد من سورة غضبة ولكنه هو لم يعد يطيق الاحتمال فألح عليها ان تتكلم فقالت له : هل يرضيك يا سيدي ان يتطاول يحيي بن زكريا علي مقامك وان يتهمني بالفسق ؟
وطار صواب هيرودس وفقد كل وعي او ادراك، لقد استبد به الغضب فأمر علي الفور حراسة ان يسرعوا ويأتوه برأس يحيي دون سؤال او جواب وكان ذلك اللعين قد عزم علي ان يقدم الرأس الطاهر هدية لحبيبته الفاجرة حتي ترضى عنه .
واسرع الجنود يلبون اوامر سيدهم وإن هو إلا وقت قصير وعادوا يحملون رأس النبي يحيي عليه السلام ويضعونه امام هيروديا فهدأت عندئذ اعصابها وشفت غليلها بعد ان كادت كيدها ، وذلك ما حل بالنبي يحيي عليه السلام فقد اراد ان يمنع منكراً وان يقضي علي ما يخالف شرع الله تعالي فلا تشيع الفاحشة بين الناس فكانت ردة الفعل من الحاكم الظالم قتله بدون حق .
وقد ظنت هيروديا اللعينة انها بقتل النبي الكريم سوف تنعم بالزواج وانها ستنال بعد موته السعادة وتعتلي سدة الحكم ولكنها لم تعلم بان ما فعلته هي وهيرودوس كان خزياً وعادوا عليهما وعلي بني اسرائيل الي ابد الدهر .
فلقد حلت عليهم لعنة الله، وكتب عليهم الخزي والعار في الدنيا والآخرة بما كانوا يقتلون الانبياء بغير حق وبما كانوا يعتدون ، واما يحيي الذي لم يجعل الله له من قبل سمياً فسلام الله عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حياً .
وقيل أيضا فى موت نبى الله يحيى عليه السلام ، أنه كان ملك هذه المدينة يعني دمشق ، هداد ، ابن هداد ، وكان قد زوج ابنه بابنة أخيه أريل ، ملكة صيدا ، وقد كان من جملة أملاكها سوق الملوك بدمشق ، وهو الصاغة العتيقة ، وكان قد حلف بطلاقها ثلاثا ، ثم إنه أراد مراجعتها ، فاستفتى يحيى بن زكريا ، فقال : لا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك .
فحقدت عليه وسألت من الملك رأس يحيى بن زكريا ، وذلك بإشارة أمها ، فأبى عليها ، ثم أجابها إلى ذلك وبعث إليه وهو قائم يصلي بمسجد جيرون من أتاه برأسه في صينية ، فجعل الرأس يقول : لا تحل له ، لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره .
فأخذت المرأة الطبق ، فحملته على رأسها وأتت به أمها ، وهو يقول كذلك ، فلما تمثلت بين يدي أمها خسف بها إلى قدميها ثم إلى حقويها ، وجعلت أمها تولول والجواري يصرخن ويلطمن وجوههن ، ثم خسف بها إلى منكبيها ، فأمرت أمها السياف أن يضرب عنقها لتتسلى برأسها ، ففعل ، فلفظت الأرض جثتها عند ذلك ، ووقعوا في الذل والفناء .
ولم يزل دم يحيى يفور حتى قدم بخت نصر ، فقتل عليه خمسة وسبعين ألفا ، وقال سعيد بن عبد العزيز : وهي دم كل نبي ، ولم يزل يفور ، حتى وقف عنده أرميا ، عليه السلام ، فقال : أيها الدم أفنيت بني إسرائيل ، فاسكن بإذن الله ، فسكن ، فرفع السيف وهرب من هرب من أهل دمشق إلى بيت المقدس .
فتبعهم إليها ، فقتل خلقا كثيرا لا يحصون كثرة ، وسبا منهم ، ثم رجع عنهم ، وذكر الطبري أن فساد بني إسرائيل الأول كان بقتل زكريا، وأن فسادهم الثاني كان بقتل يحيى، وليس في قتلهما نص ثابت ، وكان زكريا وابنه آخر من بعث من بني إسرائيل قبل عيسى عليه السلام
وقال أيضا: أراد بنو إسرائيل قتل زكريا ففر منهم فمر بشجرة فانفلقت له فدخل فيها فالتأمت عليه، فأخذ الشيطان بهدبة ثوبه فرأوها فوضعوا المنشار على الشجرة فنشروها حتى قطعوه من وسطه في جوفها .
وفي حديث الإسراء ، من قول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا عليهم السلام ، فرحبا ودعوا لي بخير ثم عرج بي إلى السماء الثالثة ” .
التعليقات مغلقة.