وقفه مع نبى الله يحيى عليه السلام ” الجزء الأول “
بقلم محمــــد الدكـــــرورى
لقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى ، أنه لم يسم أحداً قبل يحيى عليه السلام بهذا الاسم، بل هو أول من تسمى بهذا الاسم الجميل، فقال سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم ( لم نجعل له من قبل سميا) والنبي يحيى عليه السلام ، هو يحيى بن زكريا، ويصل نسبه إلى يعقوب عليه السلام، وهو كأبيه زكريا من أنبياء بني إسرائيل الذين بلّغوا الناس ما أمرهم به الله .
وجاهدوا في الله حق جهاده، واسم يحيى عليه السلام ذُكر في القرآن الكريم في أربع آيات في كلّ من سورة آل عمران، والأنعام، ومريم، والأنبياء، وأثنى فيها الله سبحانه على نبيه يحيى، ووصفه بأفضل الصفات، وأعطاه النبوّة في صغره.
كان يحيى عليه السلام غلاماً ذكياً، أحكم الله عقله، وآتاه الحكم صبياً، عاشقاً للعبادة، عاكفاً في محراب العلم، محصياً لمسائل التوراة، مستجلياً لغوامضها، محيطاً بأصولها وفروعها، فيصلاً في أحكامها، قاضياً في معقولها، قوَّالاً في الحق، لا يخشى في الله لومة لائم، ولا يهاب صولة عاتٍ ظالم.
وقد قال النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: ” لا ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يحيى بن زكريا ، وقالت الصحابه : يا رسول الله ، ومن أين ذاك؟ قال: أما سمعتم الله كيف وصفه في القرآن فقال: ( يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا) فقرأ حتى بلغ: (وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين) ولم يعمل سيئة قط ، ولم يهم بها “. رواه الطبراني .
وكان زكريا عليه السلام قد بلغ من العمر عتياً فصار شيخاً هرماً وكانت امراته قد صارت ايضاً عجوزاً هرمة مثله ولم يرزقهما الله تعالي بالبنين، وكان زكريا يحمل شريعة النبي موسى عليهما السلام وقد خاف ان تضيع هذه الشريعة من بعده لأن اليهود كانوا قد ابتعدوا عن الدين وتركوا رسالة التوحيد وقد غرهم متاع الدنيا ولهوها فانصرفوا الي الملذات والشهوات والي الفسوق والفجور .
ومن هنا كانت شدة الخوف عند زكريا عليه السلام علي ألا يتبقى التعاليم السماوية حية بين الناس، فدعا ربه ان يهب له غلاماً طاهر القلب صافي السريرة يكون قادراً علي ان يصون، الدين ويحفظه من الضياع، واستجاب الله تعالي لدعاء نبته زكريا عليه السلام فوهبه علي الكبر ولداً واوصاه بان يسميه يحيى أي الذي تبقي الشريعة حية بوجوده .
وشب يحيى وكبر في احضان النبوة فتربى علي اخلاق ابيه زكريا، واخذ عنه الحلم واتاه الله سبحانه وتعالي من فضله الحكمة مذ كان صغيراً ليكون قادراً علي حمل الرسالة السماوية والاضطلاع باعباء المسئولية الجسيمة، وكان الكتاب الذي احتوي تعاليم موسى عليه السلام التوراه، وقد حمله من بعده كل انبياء بنى إسرائيل حتي وصل الي زكريا عليه السلام .
فلما توفاه الله تعالي نزل الوحي علي ابنه يحيى يأمره بان يحمل التوراه وذلك بقوله تعالي : ” يا يحيى خذ الكتاب ” وتسلم يحيى منذ ذلك الوقت حمل الدعوة وهو يبين لبنى إسرائيل احكام الله تعالي وطريقة تطبيقها بما يهدي للتي هي أقوم .
وكان نبي الله يحيي عليه السلام ، تقياً لا يأتمر إلا بأمر الله، وورعاً لا يترك العبادة ليل نهار وهو يحس في قرارة نفسه بأن الله تعالي يرقبه من عليائه ويحثه علي طاعته بصورة دائمة، مما جعله يقضي اوقاتاً طويلة في العبادة وطلب العلم وهذا ما اتعبه واعياه حتي نحل جسمه ووهن عظمة لشدة الاعياء والتعب .
ولكن هذه المواظبة علي النفقة في الدين وعلي تطبيق احكام الشريعة مكنته من أن يفسر أحكام التوراه وان يقف علي كل اسرارها ليبلغ الناس ما وصل إليه من علم الله سبحانه وحكمته وهكذا عرفه الناس عالماً بأصول الشريعة وفروعها وقادراً علي ان يعطي الاحكام المعقولة كما شهد له بنو اسرائيل، بأنه النبي الذي يجهر بالحق ولا يتهاون في امر من امور العقيدة، ولا يتساهل مع أحد مهما علا شأنه في تطبيق أحكامها، وهو في ذلك كله لا يخاف في الله لومة لائم ولا يخشى إلا من الله خالقة ومدبره .
وكان يحيي عليه السلام في حياته مع الناس رحيماً بالفقراء عطوفاً علي المساكين لا يترك شيئاً يقدر عليه إلا فعله لهم أو مكنهم منه ولم تكن شفقته علي الحيوانات بأقل من شفقته علي الناس فكان يسعى إلي اطعام صغار تلك الحيوانات من قوته وطعامه اليومي واحياناً لا يترك لنفسه شيئاً مما يضطره للأكل من نبات الارض واوراق الشجر .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أنه قال: أُعطي الفهم والعبادة، وهو ابن سبع سنين ، وهو العلم النافع مع العمل به، وذلك عن طريق حفظ التوراة، وفهمها، وتطبيق أحكامها.
ومن الصفات التي منحها الله سبحانه وتعالى ، نبيه يحيى عليه السلام صفة الرحمة، حيث جعل في قلبه رحمة يعطف بها على غيره، ومنحه أيضاً طهارة في النفس، أبعدته عن ارتكاب ما نهى الله عنه، وجعلته سباقاً لفعل الخير، فكان مطيعاً لله في كل ما أمره به، وتاركاً لكل ما نهاه عنه، وجعله كثير البر بوالديه، والإحسان إليهما، وفوق ذلك، لم يكن مستكبراً متعالياً مغروراً، ولم يكن صاحب معصية ومخالفة لأمر ربه.
وعندما كان يقف في الناس خطيباً كان يتأثر لشدة ايمانه بالله تعالي أيما تأثر حتي يبكي ويبكي معه كل الناس الذين يستمعون إليه، وكان موقفه من الحكام ومن اولئك الذين يعبثون بشئون الدين بالباطل موقفاً متشدداً كما فعل مع هيرودوس حاكم فلطسين عندما سمع انه احب ابنه اخية هيروديا وعزم علي الزواج منها بعد ان وافقت هي علي هذا الزواج وجميع اقاربها معها .
اذ استنكر النبي يحيي هذا الزواج استنكاراً شديداً واعلن ان زواج هيروديا من عمها هيرودوس باطل ومحرم وهو يخالف الشريعة ولا يرضى به إلا كل زنديق فاجر، اذ لا يجوز في شرع الله ان يتزوج العم من ابنة اخيه .
وشاع خبر استنكار يحيي عليه السلام لذلك الزواج المحرم ووصل نبوه الي رجال الدين وخدام الهيكل بل وراحت الناس في الاسواق والنوادي وفي الساحات والقصور تتداول رأي النبي يحيي عليه السلام حتي تناهي الي مسامع هيروديا فحزنت وغضبت وحقدت عليه لأنها كانت تعرف مكانته بين الناس ومدي تأثيره عليهم ولكنها لشدة دهائها سيطرت علي غضبها وصممت علي ان تنتقم من يحيي عليه السلام .
فراحت تكيد له في الخفاء وكان أول شئ قامت به ان ذهبت الي عمها الحاكم وهي في ابهي حلة واجمل زينة ودخلت عليه بغنج ودلال وهي علي حالها من الجمال الفاتن والمظهر الخلاب وما إن رآها هيرودوس حتي هب من مجلسه يستقبلها وقد فتن بمرآها ثم ركع علي ركبتيه امامها يقبل يديها ويتغن بجمالها وبحسنها ثم يقول لها : هلمي الي العرش فاجلسي بجانبي حتي انعم برؤيتك انا خادمك الامين فامري ما شئت ولن اخالف لك امراً مهما كان .
التعليقات مغلقة.