ولا تُطِع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فُرطا .
ولا تُطِع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فُرطا .
بقلم : أشرف خاطر .
الحمدلله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ومن إهتدى بهداه ،
إنّ من أشرف الأحاديث القدسيّة قدراً وأعظم منزلة ، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، عن أبي ذرٍالغفاري _ رضي الله عنه _ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما يرويه عن رَبِّه عزّ وجلّ ، أنه قال : ( ياعبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمّاً فلا تظّالموا ) .
قال تعالى : ( وما أنّا بظّلام للعبيد ) ق ٢٩
قال تعالى : ( وما الله يريد ظلماً للعالمين ) آلِ عمران ١٠٨
قال تعالى : ( إنّ الله لايظلم الناس شيئا ) يونس ٤٤
إنّ من مظاهر ظلم الإنسان لنفسه : أن النفس تهوى مايضرها ولا ينفعها .
الآية الكريمة من سورة الكهف ، قال تعالى : ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والْعَشِي يريدون وجهه ولا تعدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فُرطا ) الكهف ٢٨
( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ) تفيد النهي عن مصاحبة الغافلين عن ذكر الله ،
قال تعالى : ( ومن يعشُ عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطاناً فهو له قرين ) الزخرف ٣٦
قال تعالى : ( وإنّه لذكرٌ لك ولقومك وسوف تسألون ) الزخرف ٤٤
قال تعالى : ( لقد أنزلنا إليكم كتاباً منه ذكركم أفلا يعقلون ) الأنبياء ١٠
( واتبع هواه ) مظهر من مظاهر الغفلة عن ذكر الله وإطلاق العنان للشهوات والملذات والإعراض عن آيات الله ولا يقبل على كتاب الله ليتلوه آناء الليل وأطراف النهار ويتدبره .
قال تعالى : ( إنّ كثيراً من الناس عن آيَاتِنَا لغافلون ) يونس ٩٢
قال تعالى : ( وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون ) يوسف ١٠٥
قال تعالى : ( وإذا تتلى عليه آيَاتِنَا ولّى مستكبرا ً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً فبشره بعذابٍ اليم ) لقمان ٧
وقد توعد الله من يستكبر عن عبادته ويفرط في طاعته بأشد الوعيد ،
قال تعالى : ( إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم دَاخِرِين ) غافر ٦٠
قال تعالى : ( فويلٌ للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون ) ٤-٧
قال تعالى : ( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فأقروا ماتيسر من القرآن علم ان سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرأوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واقرضوا الله قرضاً حسناً وما تقدموا لانفسكم من خيرٍ تجدوه عبدالله هو خيراً وأعظم أجراً واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ) المزمل ٢٠
غفلة : هي مصدر للفعل غَفَلَ
غفلة المرء : غيبة الشيء عن باله وعدم تذكره له
المُغّفل : من لا فطنة له
والغفلة _ كما أشار إليها العلماء _ لها تعريفات كثيرة تفهم من كلامهم ، وتؤخذ من تعبيراتهم .
منهم من قال : الغفلة : عدم أكتمال عقل الانسان ، وعدم تبصره بالعواقب .
يقول ابن الجوزي _ يرحمه الله _ : متى تكامل العقل ، فُقدت لذة لدنيا ، فتضائل الجسم ، وقوي السقم ، واشتد الحزن ، لان العقل كلما لمح العواقب ، أعرض عن الدنيا ، ولا لذة عنده بشيء من العاجل ، وإنما يلتذ أهل الغفلة عن الآخرة ، ولا غفلة لكامل العقل.
ومن المفارقات الغريبة أن يلتقي هذا التعريف للغفلة وهو عدم إكتمال عقل الانسان ، مع بعض مقولة الكاتبة العالمية للروايات البوليسية : أجاثا كريستي ، فتقول : تزوج وانت في عمر صغير ، لأنك إذا كبرت في السن ستكون أكثر عقلاً ، والإنسان العاقل لا يتزوج .
والغفلة عدم يقظة القلب
يقول ابن القيم _ رحمه الله _ فأول منازل العبودية اليقظة ، وهي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين ، فمن أحس بها فقد أحس بالفلاح ، والا فهو في سكرات الغفلة ، فإذا انتبه شمرّ لله بهمته الى السفر الى منازله الاولى وأوطانه التي سُبي ّ منها :
فحيّ على جنات عدنٍ فإنها …………… منازلك الاولى وفيها المخيّمُ
ولكننا سبيُ العدو فهل ترى ……………..
نعود إلى أوطاننا ونسلّم ُ ؟
وردت مادة ( غفل) بمشتقاتها في القرآن الكريم في اكثر من خمسة وثلاثين موضعا ،
قال تعالى : ( واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول والآصال ولا تكن من الغافلين ) الاعراف ٢٠٥
قال تعالى : ( أولئك الذين طبع الله على قلوبهم و سمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون ) النحل ١٠٩
بمقارنة هذة الآية الكريمة من سورة النحل ، مع الآية الكريمة رقم ١١ من سورة الكهف ، قال تعالى : ( فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ) ١١
يتبين لنا ( طبع الله على سمعهم ) تفيد بأنه سبحانه يقول ان المرتدين عن دين الحق نطبع على قلوبهم وسمعهم وإبصارهم وهي الحواس ، فحاسة السمع أشمل وأعم وأهم من اداة السمع وهي الأذن ، فمن رحمة الله بالفتية اهل الكهف ان ضرب الله على آذانهم اَي منعهم ان يسمعوا بقدرته، فالآذان هي اداة حاسة السمع ، فكل الحواس تنام ماعدا حاسة السمع ، فإذا ملئت الغرفة عطرا او حتى غاز ساماً فإنه يستنشقه ويموت لكن اذا احدثت صوتا عاليا يسمعه ويستيقظ ، وهنا يبرز الإبهار القراني في اللفظ ومكانه الصحيح والذي أقرت العرب بالقصور عن الإتيان بمثله .
ومن أسباب الغفلة في عصرنا الحالي : الألعاب الالكترونية ، لانها من اكبر الملهيات في تضييع الأوقات بالساعات والحديثة منها لم تعد تنتهي في ساعه او ساعتين بل يوم او يومين ، فبعضها يستغرق اسبوع .ويحرص الصانعون لتلك الألعاب باستحداث جزء تاني وتالت وكلما انتهوا من لعبة وجدوا لعبة اخرى جديدة .
وما الذي استفاده أبناؤنا من هذة الألعاب سو ى حرق أعصابهم والصراخ والتوتر والاندماج بكل حواسهم في اللعبة ، وإذا ما ناديت عليهم لا يسمعونك ، وأثناء اللعب يتلفظون بكلمات غريبة و الجلوس امام الشاشة لأوقات طويلة ، يؤثر على نظرهم وينشغلون عن حفظ القرآن الكريم.
كما أنها شغلتهم عن تناول وجباتهم في جو اسري يجمع العائلة ، مما يؤثر على نموهم وصحتهم ،
حفظ الله أبناءنا فهم فلذات أكبادنا .
وعودٌ على بدء ، في رحاب الآية الكريمة ، قال تعالى ( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فُرطا ) الكهف ٢٨
كلمة ( أغفلنا ) تقابل ( طبع الله ) في الآية الكريمة ، قال تعالى : ( طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ) وذلك بسبب عدم استعمالهم لما زودهم الله به من عقل وحواس ، فهم لهم قلوب لا يفقهون بها ( أي عطلوها ) وأعين لا يبصرون بها ، أي لايميزون بها بين الحق والباطل ، ولهم آذان لا يسمعون بها ( عطلوها ) فلا يستمعون للنصيحة والكلام الطيب ، فهؤلاء لم يظلمهم الله عزّ وجلّ ، بل ظلموا أنفسهم ، ولَم يتولد الإحساس من أدوات الحس ، فالله سبحانه يطبع على الحواس وليس على أدوات الحس فتموت الأحاسيس ويعيش الانسان حياة الأنعام بل هم أضل يأكلون ويشربون ويلههم الأمد وركنوا الى الدنيا ونعيمها الزائل . فالحياة الحقيقية يشعر بها المؤمنون الأحياء ( المنتبهون ، اليقظون ) فقط أما الغافلون فلا يشعرون بمتعة الحياة الحقيقية ، بل يشعرون بلذة فقط عند إشباع شهواتهم البهيمية ، فما أقصر فترات نشوتهم .
قال تعالى : ( فلما زَاغُوا أَزَاغ الله قلوبهم عن الهدى ) الانعام ١١٠
أي لما عدلوا عن اتباع الحق مع علمهم بِه ، أَزَاغ الله قلوبهم عن الهدى .
وقالت العرب إن أصدق بيت شعر في الجاهلية كان للشاعر لبيد بن ربيعة العامري :
ألا كلُّ شَيْءٍ ما خلا الله باطل ………………
وكلُّ نعيمٍ لا محال زائل ……………….
فاللهمّ اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت ، وقنا وأصرف عنا شر ما قضيت فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك .
وصلّ اللهمّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، آمين .
دمتم بخير ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
التعليقات مغلقة.