وليد محدود…… بقلم/ مجدي سـالم
- مالك.. متنيل مستعجل رايح فين كده.؟
- وليد عمل قلب مفتوح امبارح.. هو انت ماتعرفش.. ده كان بيموت.. ربنا يستر.. تعالى معانا..
لم يفكر للحظة واحدة أن يقبل أو أن يرفض.. فتح الباب.. دخل.. أغلق باب السيارة خلفه مسرعا.. - يا عم بترزع الباب كده ليه ع الصبح.؟ ماهي مش عربية…….
كأنه سمع ضحكات مكتومة.. كأن القلق كان يملأ الآفاق.. انطلقت بهم السيارة العتيقة محدثة ضجة عالية.. مخلفة وراءها سحابتها السوداء المعتادة.. ومعها غضب المارة وسائقي السيارات وسعالهم.. مخلفة وراءها سبابهم ولعناتهم العلنية والمكبوتة..
في الطريق راح شريط الذكريات يدور بينهم.. كأن مرض وليد – بالذات – قد أثار طوفان القصص الراكد.. فقد كان شخصية محورية في العديد من الحكايات وذكريات مضت لأيام الدراسة الخوالي.. - فاكرين اسكندرية.. شم النسيم.. أوتوستوب.؟
يومها.. لا تسل أيا منهم بأي تخطيط ولا بأي منطق خرجوا كلهم إلى “الطريق السريع” كما كانوا يسمونه.. التقوا عند البداية الشهيرة عند مزلقان القطار عند “قليوب”.. انطلقوا من هناك.. ولا تسأل لماذا لم يعترض أحد على الفكرة الجنونية.. إنهم ذاهبون إلى الأسكندرية الساحلية الشهيرة لقضاء يوم شم النسيم الذي كان عطلة من الدراسة.. ورغم أنه كان عطلة ليوم واحد إلا أنهم يسافرون على طريقة “الأوتوستوب”.. يتفرقون على الطريق وقد وضعوا في أعناقهم (مناديل) الجوالة التي تحمل شعار الجامعة.. ويشيرون إلى السيارات المتجهة في الطريق.. عل أصحابها يصطحبونهم معهم.. ودون مقابل طبعا.. لا يذكرون من كان صاحب الفكرة.. لكن قضي الأمر.. و قد كان بالفعل قرارا جنونيا ويوما شاقا.. رغم أنه كانت عادة البعض منهم أن يعترض على ترتيبات المجموعة ومثل هذه الأفكار.. وبدون مبرر أحيانا.. حتى أنهم كانوا يتندرون على مريضهم هذا بعبارته الشهيرة كان يرددها.. والتي ظلت تصاحبه طوال عمره.. وبقيت مغلفة لديهم بابتسامة أزلية.. المواطن الشهير “وليد محمود”.. الذي كان دائما يقول.. - أنا أعترض.. إذن أنا موجود..
كنت وقتها تشعر بالضحكة المتفجرة والغبطة تنطلق من رئة كل واحد منهم.. تخرج مع تعليقاتهم وقفشاتهم ونوادرهم وسخافاتهم.. كانوا مجموعة فوق العادة كأنهم كانت تجمعهم السعادة.. رغم أن معظمهم كان فقيرا رقيق الحال.. حتى أن الحديث يوم هذه الرحلة الشهيرة والنكات كانت كلها تدور حول إعلانات للحكومة.. على شاشات التليفزيون المسكين.. عن الدعم اللامحدود لأسعار السلع.. وحول الأبواق العالية التي كانت تحكي في وسائل الإعلام والجرائد كيف أن كل أجهزة الدولة تعمل لصالح “محدود الدخل”.. وكانت النكات تربط بين أكاذيب الإعلام ونحافة “وليد محمود”.. وكم ضحكوا ملأ شدقهم وهم يعلقون على نحافة صديقهم.. الذي كان طويل القامة مستطيل الرأس.. ونحيفا جدا وبنسب كاريكاتيرية.. حتى أن أحدهم يومها أطلق عليه إسم.. “وليد.. محدود”.. فكان هذا التعليق واللقب شعارهم للرحلة ومسارا لسخرية الجميع..
يومها كانت السيارات المنطلقة على بداية الطريق كثيرة.. ولما كان عدد الأصدقاء كبيرا فكان طبيعيا أن يتفرقوا فرادى في السيارات التي تستجيب لإشاراتهم.. أو إثنين إثنين كحد أقصى.. وكانت نقاط التجمع من جديد غالبا عند مداخل المدن الكبرى على الطريق.. حتى عادوا فتجمعوا عند مدينة “طنطا” الشهيرة.. كان هناك منهم ما يقرب العشرة أصدقاء.. ثم عادوا ليستقلوا سيارات أخرى كما بدأوا.. وكان من حظ “وليد محدود” واثنين معه أن استقلوا سيارة واحدة “ملاكي” بعد أن قبل صاحبها أن يرافقوه في الرحلة.. في البداية قدم صاحب السيارة لهم نفسه..
- أنا أيمن أبو المال.. صاحب شركة أبو المال للتصدير والإستيراد..
وتبادلوا الترحيب لكن.. ما أن سارت بهم السيارة لبضع كيلومترات حتى عاد صاحبها ليتذكر شيئا فتوقف فجأة.. ثم أمرهم أن يترجلوا وأن يتركوا سيارته فوراً.. وتعجب الرفاق فقد كان عليهم أن يطيعوه ولا محال.. وإن أصبحوا في مكان مقفر بعيدا عن البلدة المأهولة.. لكن أحدهم قال.. - طب بس حضرتك فهمنا حصل مننا إيه..
- عارفين وليد ده.. إفتكرت .. وليد محمود عبد الرحمن.. كان تلميذ عندي في مدرسة المحمدية.. وأنا كنت هناك باتمرن وأنا ف كلية التربية.. لما شوفت اللي بيعمله قررت ما ابقاش مدرس أبدا.. ياللا .. ياللا.. في ستين….
وانهمرت يومها سيول السباب على “وليد محدود”.. الذي انقطع شريط الذكريات عند باب بيته.. .. لقيهم مشوحا بيديه إلى بعيد – عند الباب – هاتفا..
- جايين ليه منك.. له.؟ .. ياللا امشوا.. عمر الشقي بقي يا ولاد ال…….
التعليقات مغلقة.