موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

” وَجَعُ النَّاي وَبَلَاغَةُ الصَّمّتِ “قصة و قراءة .. د. إياد الصاوي

431

” وَجَعُ النَّاي وَبَلَاغَةُ الصَّمّتِ “..

د. إياد الصاوي


قصة ” اِسْتِدعَـــاء ..!! ” .. بقلم الأديب / محمد الأمين محفوظ



رغم علمي والله هو الأعلم أن وهب ما يتيسر لي من التلاوة _ تجزئ _ من مرقدي على كنبتي من منزلي والإفتا تقول ذلك… إلا أن شعورا يحيك في صدري يدفعني ْ ليخلعني من عليها… انهض وامش على مهل ثم قف أمام القبر.
وقد قرأت مما قرأت أن أرواحهم حية تسمع وتدرك ما يدور في دارنا المعاشة…
قررتُ بالإملاء أن أنحني لثلاثي الأمر…

تخيرت اليوم الخميس بعد صلاة العصر… اذكر أن سرورا قال في إحباطه الأول : العصر مثل النعش… بعد العصر وقد خفّ الزحام كعادة الناس كل خميس و ( قل أعوذ…)
خطوتُ كما أُمِرتُ… تفاجأتُ بحضور الكثيرين وليس كما ظننت…

هذا الأستاذ… أعرفه وقد وقف قارئا بصوت عال ليُسمع كل من في المقابر… وذاك ذو الجلابية الخضراء والطاقية البيضاء مستأجَر يكرّ كرّا وحواليه لا حولي ولا حول غيري أقراص من مخبوزات أكسبتها نار الفرن لونا تشتهيه النفوس ولو بفلوس وأنواع من الفاكهة…

أمّا من جئتُ إليه بالأوامر فلا أعرف له بالتحديد عينا إذ أمر الراعي الرسمي للعائلة أن تكون كل عين حسب درجتها…
وجعل العيون صفين : صفا في العالي وآخر في النازل… وخصّ في الأعلى عينا تعلو فوق كل الحواجب ؛ مقررا أنهم الصفوة ولا يجوز الخلط بين الصافي والمتعكر…

بعشوائية اخترتُ عينا… جلست على الأرض متربعا… أبدأ ما تيسر تلاوةً من الكتاب وهو مفتوح بين يديّ…( النبأ)…(النازعات) .. وارتفعت تلاوتي عند ( المطففين)… إلى أن وصلتُ إلى( ألهاكم التكاثر)… توقفت قليلا إذ طرأ من طرأ بغرض الإعانة… استأنفتُ حتى ( يومئذ عن النعيم)…
سمعَ ما تلوته… يهمس في أذني : ما بالك لم تأتني إلى هنا وقد طالت غيبتك ؟!!!
رسائلي لك من منزلي لا تنقطع… ألا تصل؟!!!
تصل ، وأنا عارف بأخباركم. ولكن قل لي همسا حتى لا يُظن بك جنون : أيتدبر الناس ( التكاثر) ؟؟ ؟
القليل أجل. الكثير كلا.

وأجب أيضا عن السؤال التالي : جاءني أنه في معاشكم قد صار الحابل نابلا والنابل لم يعد نبيلا !!!
همست له موشوشاً وقد استحضرته لحما في جلبابه : هذا ما يجري والكل يدري فأضحى الذكر أنثى والأنثى ذكرا… والتبست الأمور على البشر… وبذلك امتطى الرويبضة ظهر الفرس وأساء الناس الفُرص… شغلتهم اللّعب والعُلب…
غاب عني… لم أسمع منه سؤالا جديدا بعد أن قررتُ ما قررت. وساد صمت… عاد صوته آمرا بأن أعود إلى ( الغاشية)… وعاد الهمس بلا لمس…

يا ابن صُلبي : ألم يتذاكروا تاريخ الأمم ومنها وفيها كل العظات والعِبر….
كثيرون لم يتذاكروا. والقليل يتذاكرون.
اهتزت صورته الشاخصة… تشوشت… صعدت مهتزة ساحبة عينيّ وراءها حتى غمامة ونحن في طوبة…
وقفتُ على ساقين مناديا : فلتعد إلى حديثي لك ، لقد كنت أرغب في أن أزيدك غمزة…
ما من رد وقد تلاشت الصورة وانقطع الهمس..
أنتظر… ربما تأخذه الشفقة ويعود للهمس بلا لمس…

أفقتُ من خطفة نعاس على مناد ينادي ( حي على الصلاة)… ولم أعد أسمع من يكرّ كرّا… وبدأ هجوم الليل والسماء تبرق فَفُرِقتُ وتلبدت السحب ورعدت… اجتمع لي تحذيران ينذراني بالعودة في همة تاليا في سري ( الفاتحة) لأواصل ما انقطع استدعاءً.

« تمت»


القِرَاءَةُ :” وَجَعُ النَّاي وَبَلَاغَةُ الصَّمّتِ ..!! “.. د.مهندس / إياد الصاوي .



نقطةً تِلْوَ نقطةٍ يَمتدّ السّطرُ ، سكَّةً باردة لقطارٍ زاحفٍ نحو محطةٍ منسيّةٍ ..!!
بماذا يشغلُ نفسَهُ ياترى مسافِرٌ في عربات القلق الأخيرة ..؟!!
يقلِّبُ عينيه في الوجوه،،، يتفرَّسُ ملامحَ غائبة يشتاقها .!.
مُغْرَمٌ بالسباحة في المشاعر التي ضاق قرارها عن غمْرِه بمياه الصرف والنسيان ..!
يمسح عينيه من حروق الحروف التي انفجرت لقطع رباط الكلمات قبل أن تحمل دلالة المعنى ..!
ماذا يمكن لمسافر يقطع التذاكر ولا يسافر إلا تحت مصابيح النجوم..أن يفعل ..؟!
يجهشُ زمانه بالبكاء حين يلقي عليه وقاره وهو مازال ينتظر – تحت جداره – رحلة في العمر ..!
ترسَّب جليد الحياة على سطوة أقدامه .. فأثقل ممشاها ؛ ودبيب أصابعه مجسات على ناصية الجسور ..
إنه هناك يمنح قدره هويته ..لعله يمنحه تأشيرة خلاص ..!!
قبل أن يتجمّد الزمن، ويتحول أرقه إلى نفاية محابر ..!!
إنه أديبنا العميق الأستاذ / محمد الأمين محفوظ ..
هنا في هذا النص هو على منهجه الذي ارتسمه جادا ، حول نشر الوعي القيمي على المستوى الفردي والمجتمعي ، من خلال رؤية عميقة للأبعاد الحياتية والحداثية وما تحدثه من تغيير سلوكي في قيم الفرد والمجتمع ، جاهدا لرقع الخرق بكل قوته ساخرا مرة ، وحاديًا مرة ، وباكيـًا أخرى ..
إن القصة القصيرة متحدرة من جدلية الحياة ، أي من اللحظات التي تعانق دينامية العلائق والأفكار وهي قيد التشكل والتبلور ، ومن ثم ضرورة أن نتلقاها ضمن جدلية الحياة ، ضمن صراع الأضداد ، بعيداً من القراءة الأيديولوجية الاختزالية ، لأن القصة بطبيعتها لا تقبل أن تجمد في تأويل مسبق ..!
يدرك المربون وأهل الأدب وعلوم الإنسان والاجتماع أن للقصة دور معتبر في تشكيل أفكار الإنسان عن كل ما يحيط به من عوالم مرئية وغير مرئية ، وما يشعر به ويتحسسه من جوامد ومتحركات ، وما يقع أمامه أو بعيدا عنه من أحداث ووقائع ، وما يصدر عن الأفراد والجماعات من أفعال وتصرفات ..!!
وهي كما نعلم أفضل مروض لأشد القلوب قسوة ، فهي تُذيب جليد الغلظة وتدك حائطه ، فتنشر اللين والرقة في أركان القلب ، فتُحوله إلى طاقة للحب والخير .!.
وهي أيضا ، سبب اغتراب هذه الأجيال في كل أصقاع العالم ، فقد استطاع صناع الأفلام الغربية وأفلام الكرتون أن يسحروا العقول ويسلبوا القلوب ، فكان من نتائج ذلك أن أصبح إنسان هذا العصر من كل الأعمار ومختلف الثقافات يعيش واقعا مغايرا لواقعه الاجتماعي والثقافي .. واقعا آخر يطفح بالأحلام البعيدة والأماني الكاذبة .. واقعا أصبح فيه الشغف بالمغامرة هدفاً ، والافتنان باللعب عقيدةً ، والعنف هواية .!!.
لذلك تعتبر القصة من أخطر وسائل غرس القيم والموجّهات ، وصياغة الاهتمام والانتباه ، وتوجيه الأضواء على نماذج وشخوص بعينها، بوصفها ” نجوما ” يُقتدى بها ، وأربابا تتأله بها الأفئدة ..!!
أدرك أديبنا مبكرا مدى ضرورة شحذ مداده لجعل القصة وسيلة تثقيف وتهذيب ، ولا زال رهانه الأساسي هو إنتاج مواد قصصية هادفة قادرة على المنافسة ، لتحمل إلى القلوب والعقول المثل والفضائل في قوالب يستسيغها الذوق ، وينتعش بها الخيال ، وتطرب لها الأنفس .!!.
” استدعاء ” ..
هي العلاقة المتشابكة الجذور بين الحياة والموت ، الغنى والفقر ، الاستقامة والانحلال ، وتثريب على المثلية والداعين إليها ووقفة موضوعية حول الواقع القائم المعاش ..!!
وكأن القيم ذهبت مع هؤلاء الذين ذهبوا وقد استحضره ” لحما في جلبابه ” ..!!
وأشار ساخرا إلى منازل الناس وتفاوتهم حتى أنهم يريدون جرها إلى منازل الآخرة ” ولا يجوز الخلط بين الصافي والمتعكر ” ..!!
وبين ضمنا في عمق الفكرة وجودة الاختيار هذه العلاقة القائمة بين الحياة الدنيا والآخرة ، والتي أجاد اختيار سورتين من التنزيل ” التكاثر ” و ” الغاشية ” لتناسب ما بينهما في بيان تفاوت احوال أهل الدارين ..!!
حاضا على استجلاء العبر من تاريخ ما تقدم من أمم ، ناعيا علي كل غافل غفلته ، داعيا إلى الاستفاقة ، لنصلح حاضرنا بمآثر ماضينا ..!!
إن البناء الدلالي والسردي جاءا يخدمان الفكرة من كل وجه إلى ما تضمنته خفايا السطور من تلميحات ، كما لم تخل من رمزية ساخرة متجسدة في عدد من المواطن داخل القصة ك ” أن تكون كل عين حسب درجتها ….. صفين ” .. ” رسائلي لك من منزلي لا تنقطع .. ألا تصل ؟! ..
ثم بين أحوال ناس أهل الزمان بالإشارة إلى ” الرويبضة ” ..
وأفول شمس الموازين والقيم ..!!
وهو نص في جملته يحمل تجربة حياة ومعاناة .. ثم وصية لئلا يتسع الخرق على الراقع ..!!
إن جمالية القصة من وجهة نظري الشخصية لا تعني الإدهاش في لفظها ، او سردها ، أو الفلسفة التي تحويها ، بقدر عمق الرسالة التي تتضمنها ..!!
وهنا نفثة مصدور ، وصرخة موجوع ، وزفرة مهموم ، بما يحيطه مما يعيشه ويسمعه ويراه من احوال الناس والمجتمع ..!!
حاضا – وهذا دأبه – على معالي الأمور والتخلي عن سفسافها ..!!
فعلى الكلام أن يتعلم من وجع النايات بلاغة الصمت ..
وعلى الأفكار أن تنحني أمام عمق الرسالة التي لا تؤديها الحروف ..!!
فبين الحياة والموت وبين الصباح والمساء تسقط الأقنعة ..!!
لأنّ عيون النهار جريئة فهي تفضح تشوّهاتنا، وتظهر أثر ما تلاطم على وجوهنا من الأحزان ، وما خلّفته من شقوق وترسّبات على ملامحنا .. كثير منّا يخفى ذلك ويحاكي تجدّد الصباح ، ويتقنّع بالأمل استعدادا ليوم آخر لا يعود ..!!
يجعل عينيه أوسع بتحرّي النور في غرفته ، وينفخ على مواقد عزمه الفاتره حتى يشعل جُذى الحماس في حواسه ، ويقوم مشحونا بطاقة يظهر بريقها في لمعة العينين وما بين الشفتين .. وهكذا حتى إذا تدحرجت الشمس وغرقت في بحيرة برتقالها ، وشربت السماء وجه المساء ..!!
سقطت الأقنعة وانسلّت الأحزان من مغاويرها وزحفت على أبداننا تعرّي أوجاعها في صمت، وتمسحأذيال الليل زينة ماتجمّلنا به صباحا ..!!
أديبنا هنا في استدعائه …
يتقاذقه موج من الوخز يجرف روحه إلى شاطئ السقم ،
يطوي احتمالات الغيب المُقنّعة في أثواب الحيرة ..!!
فلن ينطفئ ذلك النور الآتي من بعيد ، ولن يكفّ ذلك الصوت المؤذّنُ بالحق هٰهنا ،،
هكذا حديث نفسه في هجير الصدمات وهو يفقد كثيرا من الحس بكثير من الحرق ، دون الموت ..!!
كأنّ عروقه على نصال الحزن تتلوى بلا نزف ولا صوت
ينهك العتاب بينه وبينه ..
ويهتك أفق الوقت بشغف التمادي في غيّ الفراغ ..!!
مازال يبحث عن قضمة صبر يقاطع بها رائحة الهلع الفائر من ثقوب قلبه ..!
يجبر خواطره المنهوشة ..
بلزوجة طينه ، ويستعير من رئة الترقّب زفراته المديدة ..!!
يخبّئ في الكلمات أسرارها.. ويطوي على الأقدار جفونه
ويمضي منتعلا استمرارها.. يتستّر بوسامة قلبه الدائم
على أمل أن تقيه الأرض أو السماء شر مايخفيه القضاء .!.


عذرا أديبنا / محمد الأمين محفوظ …
كنت تُصَانِعُ التَّاريخَ وأوْقَفُوكَ مُلْتَبِسا بِجُرْعَةِ أمَلٍ زائِدَة ..!!
وخالص تقديري .

                                       د.إياد الصاوي 

التعليقات مغلقة.