و اتفق النقيضان
كتبت د.إيمان عفيفي
اللوحة بريشة / روان أشرف عفيفي
و اتفق النقيضان ..
ما أصعب أن يتشارك النقيض و نقضيه نفس المكان و يتخذاه بيتا،لكل منهما حق الأخذ منه و العطاء..أمن الممكن أن ينعم كل منهما بالسكينة و الأمان !..دعونا نخترق هذا الكيان المبتلى لنرى إلي أين ستأخذه تلك الثورة الخامدة وسط ضجيج من السلمية و السكون..
وقفت المبادئ شاهدة علي اتفاقية سلام بين القلب و العقل كتبت برماد أنشودة محترقة ، أنشودة خرجت من بين نبضات القلب المنتظمة وانتظرت من يغردها لترقص نغماتها طربا في أرجاء المكان ،وجد القلب لأنشودته بريقا ينساب بنعومة بين طيات الخلايا الكامنة حوله لتدب فيها حياة و آمن بأن هي دليله طوال الدرب نحو غد ملئ بواقع الأحلام…
لكن كيف لقطبي المغناطيس المتنافران أن يتلامسان!! فالعقل رأي رقة ألحان أنشودة قلبه ضعفا و جرأة كلماتها خطرا لا يأمن به من غدر الزمان ،لم يقف للحظة متدبرا ..ربما يجد قوته بين سطورها الحانية و ربما تحمل نغماتها كل الأمان .
من هنا أدار المدبر ظهره و لم يلحظ أن لقلبه ملكات لن يجدها هو بين أفكاره الثريه فراح يحيك نسيجا لحياة أخرى، كما يرى بعينيه، هكذا يجب أن تكون الحياة و نسي أن له أنيس سيقاسمه إياها و ينتظر نغمات ينبض بسماعها طوال الطريق ….جاء العقل بنسيج حكيم متأمل فرأى القلب الحكمة قسوة و طول التأمل ملل بلا أنس و لا متعة …
يالا الكبر و العناد ،لم يقبل العقل أن تقدم له أنشودة حياته كاملة مكتفيا بعناء الغناء و لم يرضي القلب أن يلتحف بنسيج عقله مستمتعا في دفء و ارتخاء .و لأن كلاهما يعلم أن الفراق ليس بين الخيارات صمت القلب استسلاما و لجأ العقل للمنطق و دارت عجلة المكان،نسي كلاهما أن الحوار وجد من أجل سلام الوجود …
هكذا كان يحيا هذا الجسد ممزقا في دروب الحياة فهو قوى بضعفه و حزينا بسعادته ،رغم ذلك لم يكن حانقا علي ساكنيه فهما من يحملاه في طرقات الدنيا المتأرجحة بين جبال و سهول و وديان.
عاش هادئا يتقدم بخطوات ثابتة نحو الأمام لم يتعثر كثيرا ليقطف ثمار نجاح مبهر تنبت من بذور عقله الجافة و ترتوي بنبضات قلبه الساكنة.
كم هي جميلة تلك اللوحة لكنها بلا ألوان فالجسد يحوى أجمل الكلمات، القلب يجيد العزف و ليس له نصيب من الغناء و ما أجمل تغريد العقل لكنه بحاجة للحن الكلمات … ..
وبين تغريدات الطيور مع نسمات الصباح و لمعان النجوم في المساء لم ينعم الجسد الرصين بحياته الزاخرة بالجمال، كيف له ذلك و مازال مالكاه يبحث كل منهما بداخله عن زهرة محفورة صورتها علي خلاياه ، منذ أن تشاركاه سويا ،و لا يهمد أي منهما عن لوم الآخر دون جدوى ..
حتي آن الأوان
في صباح جديد هبت النسمات تحمل شرارة خفية تخللت جسد المتشاحنان فاشتعلت نيران الثورة الخامدة لتحولها إلي بركان تتطاير من بين لفحاته صرخة حياة مكبلة بالقيود مطالبة بالتحرر و النجاة.. و اهتز محل الأمن و الأمان فهرع كل نقيض لنقيضه دون شعور يحتمي كل منهما بالآخر…نعم لقد تلامس القطبان و ظلا يتشابكان ببعضهما حتي خمد البركان و سقط الجسد منهكا مترنحا علي الأرض باستسلام..
هرع العقل لسبب بقائه في الحياة و انتفض القلب مقاتلا للنجاة و بين صراع العقل لإقامة أعمدة جسده المبعثرة و نبض القلب بكل ما تبقي من قوة لاستمرار وجوده ،ولدت من جديد أنشودة الحياة و تمزقت اتفاقية السلام و أدرك الشريكان أن سلامهما كان مشهودا بمبادئ واهية.
أمسكا سويا بالأقلام و انطلقا لتزيين لوحتهما التي طالما انتظرت الألوان فوجد كل منهما زهرته التائهة راسية علي الطريق تنتظر من يقطفها لتفوح رائحتها بلا حدود و اشتم الجسد عطرا جديدا يلمس جدرانه المنهكة فحيا بداخله أمل بطريق جديد للحياة ربما يحمل ما لم يجده في ماضيه الجميل المشوه بمن كانا متنافران…
أيها القلب و العقل المتضادان قد يجمعكما جسد واحد أو ينفرد كل منكما بروح و تلتقيان ..أينما سكنتم ،طالما شاءت الأقدار أن تكونا شريكان فرفقا بهذا الكيان إنه حقا بحاجة لأن يتفق ساكنيه حتي … إن كانا متناقضان.
التعليقات مغلقة.