يالك من تقية
بقلم سيدة القصاص
ركبنا السيارة من أمام المنزل بعد خروجي من المدرسة قبل الظهر حيث ذهبت لتقصي أمر الإمتحانات وما سيتم في هذه الظروف العصيبة،وكانت معي أنا وجدها بشقاوتها وثرثرتها المعتادة ،هذه الصغيرة ذات الثلاث سنوات ونيف ،خرجنا من أمام المنزل مرورا بالكوبري المار على ترعة صغيرة تسمى ( الطريحة ) نسبة إلى أنها متفرعة من ترعة النعناعية المتفرعة كذلك من بحر شبين، والتي تمر من أمام عزبة المعاشات التي نقطن بها ،وعند مرورنا فوق الكوبري صاحت حفيدتي :
_ هيه العربية هاتقع في الطريحة هيه هيه هيه
قلت لها :
_ لا يافريدة قولي” سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون”
فرددت خلفي بصوتها العذب الشادي, وضحكنا وانطلق جدها بالسيارة وظللت أدعو الله في سريرتي بأدعية الحفظ،وذهبنا للمدينة، اشترينا متطلباتنا وأتيت لها بالحلوى واللب والفول الأخضر الذي تعشقه،ونزل جدها ليملأ الزجاجات بالماء الصالح للشرب من ماكينة خاصة بالفلترة في طريق العودة من المدينة حيث أن الماء الجاري بالمواسير غير صالح لشرب بني البشر ، ولن تكفي الميزانية لشراء زجاجات المياه التي لا تقل تلوثا عن مياه المواسير ،وانطلقنا في طريق العودة وهي تردد ما حفظته مني من أدعية قائلة :
_ يا حبيبنا يارب، ياطبيبنا يارب ،أحمدك يارب. فنظرت لها وابتسمنا أنا وجدها وقال لها :
_ آه ياعفريتة ،جايبة شقاوتك دي منين؟
ظلت هكذا حتى عدنا لنفس المكان الذي قالت فيه جملتها :
_ ههيه العربية هاتقع في الطريحة…
،وحين وصلنا وجدنا أحد السكان الذين يقطنون بالشارع الذي سنعبر الكوبري للمرور فيه يفرغ الطوب الأحمر من سيارة سدت طريق العبور،فوقف الجد بالسيارة قبل الكوبري ونزل قائلا سأشتري شيئا بسرعة من سوبر ماركت “الرفاعي” ابقوا في السيارة لحين
عودتي،وكنا أنا والصغيرة نأكل بعض أصابع الفول الأخضر اللذيذ
الذي قرأت أن فيه فوائد عديدة، فكل شي مازال في مقتبل صباه تعلوه الفائدة المرجوة ،وفجأة إذ بالسيارة تتحرك للأمام
دون أن يمس أحد منا شيئا فيها، في أول الأمر حسبت أنني أصابني دوار،ولكن السيارة تمشي وحدها تجاه الطريحة، وزادت
السرعة صرخت وفي ذاكرتي بشارة الصغيرة ،بسرعة البرق تخيلت الموتة المكتوبة لي ولها ومر السيناريو مظلما، صرخت:
_ الحوقني ،الحقوني هانموت يامحمد .
وصلت العجلة الأمامية لشط الطريحة بالضبط وإذ بالجد أخذ المسافة في قفزتين و حضن السيارة من الأمام،وامتدت يد ماهرة بسرعة البرق فتحت الباب ورجَّعت الفرامل للخلف ،وضربات قلبي في أعلى معدلاتها في انتظار المَلَك ففتحت عيني وإذ به شاب
من شباب العزبة بالقوات المسلحة المصرية التي أعشقها، وهو
الأستاذ “عمرو صبحي” الذي كان تلميذي ذات يوم وابنه تلميذي
حقيقة ما استطعت أن أشكره أو أحضن حفيدتي لما انتابني
من فرط في أعصابي ،ووجهت وجهي لمن أنقذنا عندما رد القضاء الذي كان محتوما علينا بسر ذلك الدعاء الذي رددناه في أول ركوبنا في السيارة
“سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون” ودخلت بيتي تمددت فنمت ،فدخلت عليَّ الصغيرة بعد فترة
تقول :
_ قومي ياتيتة اعطيني اللب وقولي الحمد لله ، فتحت عيني مبتسمة وقلت لها و أنا أقبلها :
_ يالك من تقية.
.
التعليقات مغلقة.