يوم الجمعه بين الخصائص والمميزات
بقلم / محمـــــد الدكـــــرورى
يوم الجمعة، يوم مبارك، من أفضل الأيام، قد خصه الله سبحانه بخصائص وميزه بمزايا، ليست لغيره من الأيام، وقد قال رسول الله ” خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة ” وقال صلى الله عليه وسلم ” من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت، غفر له ما بين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا ” رواه مسلم .
ويوم الجمعة يوم عظيم اختص الله تعالى به هذه الأمة فدلها عليه وأضلته اليهود والنصارى، واجتمع فيه من الخصائص والفضائل ما لم يجتمع في غيره من الأيام، فكان أفضل الأيام؛ كما جاء في حديث أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ” . رواه مسلم.
وهذه الصلاة العظيمة هي أعظم شعيرة ميزت هذا اليوم المفضل عند الله تعالى، وقد أمر الله تعالى بالسعي إليها في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ الله وَذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) سورة الجمعة .
وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ” من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر ” رواه البخاري .
وهي فرض على عقلاء الرجال الأحرار البالغين المستوطنين القادرين، ومن ترك ثلاث جمعات بلا عذر خُتم على قلبه كما جاء في الحديث، وهمَّ النبي الله صلى الله عليه وسلم أن يُحَرِّق على المتخلفين عنها بيوتهم، مما يدل على كبير قدرها، وعظيم مكانتها في الشريعة.
ولما كان هذا هو شأنها فإن النبي الله صلى الله عليه وسلم ندب إلى جملة من الأعمال قبلها تهيئ المسلم لها، وتعينه على الخشوع فيها: فأمر بالغسل لصلاة الجمعة؛ لما في الغسل من النشاط، وكمال التطهر، وإزالة الروائح المؤذية، فلا يتضايق هو منها، ولا يؤذي غيره بها، روى ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا جاء أحدكم الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ “رواه البخارى ومسلم .
وروى مسلم عن أبي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ” الْغُسْلُ يوم الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ على كل مُحْتَلِمٍ ” ولا يحل للمسلم أن يؤذي إخوانه في المساجد بالروائح الكريهة في جسمه أو فمه أو ثوبه.
ويوم الجمعة عيد من أعياد المسلمين فشُرع للمسلم فيه النظافة والتجمل بالثياب، والتطيب والسواك والإدهان؛ لأن ذلك أدعى لحضور قلبه وخشوعه حال الخطبة والصلاة؛ ذلك أن الروائح الطيبة تدخل السرور على القلوب، وتهيئ النفوس للاستماع، كما أن الروائح الكريهة تؤذي النفوس وتصدها عن الاستماع إلى الخطبة .
وقد جاء في حديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: “غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ على كلِ مُحْتَلِمٍ وَسِوَاكٌ وَيَمَسُّ من الطِّيبِ ما قَدَرَ عليه ” رواه مسلم .
وفي حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ هذا يَوْمُ عِيدٍ جَعَلَهُ الله لِلْمُسْلِمِينَ فَمَنْ جاء إلى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ وَإِنْ كان طِيبٌ فَلْيَمَسَّ منه وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ ” رواه ابن ماجه.
وإن من أعظم منافع صلاة الجمعة ما شرع فيها من خطبتين هما شرط لصحتها، وقد وضع الشارع لها أصولًا وضوابط، متى ما التزم بها وعمل بمقتضاها تحققت منها المقاصد الشرعية التي أرادها الشارع من مشروعيتها، وإن الإخلال أو التقصير في شيء من تلك الأصول والضوابط يضعف الهدف من مشروعيتها، ويقلل الفائدة المأمولة منها .
وقد وضع الإسلام الحماية والحصانة لخطبة الجمعة حيث أوجب النبي الكريم الإنصات والإصغاء أثناء إلقائها، ونهى عن الانشغال عنها أو التشويش على المستمعين لها، وقد رتب الشارع على عدم رعاية هذه الحصانة ذهاب فضيلة الجمعة وثوابها عمن فعل ذلك عقوبة له، وزجرًا .
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الجمعة أنه يأمر الناس بالدنو منه، ويأمرهم بالإنصات وكان يقول عليه الصلاة والسلام: ” من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب، فهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا، والذي يقول له أنصت ليس له جمعة” رواه أحمد .
ولقد كان هديه عليه الصلاة والسلام في خطبة الجمعة الاختصار، وعدم الإطالة، متخيرًا من الألفاظ أجمعها، ومن العبارات أوضحها، وأفصحها، وقد كانت خطبه صلى الله عليه وسلم كلمات يسيرات كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ” أنه كان لا يطيل الموعظة يوم الجمعة، وإنما هن كلمات يسيرات ” .
وقد أكد عليه الصلاة والسلام هذا الفعل بالأمر بالاختصار في الخطبة، وعدم الإطالة فيها، كما في الحديث ” إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته، مئنة من فقهه” أي علامة على تفقهه في الدين، وجاء في بعض الروايات قوله عليه الصلاة والسلام: ” فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة، وإن من البيان لسحرا” رواه الطبراني .
وإن موضوع خطبة الجمعة ينبغي أن يكون في تقرير أصول الإيمان بالله تعالى، وتوحيده، وتعظيمه في النفوس، وتذكير الناس بالمبدأ والمعاد، والجنة والنار، وبيان ما أعد الله تعالى للمتقين من النعيم المقيم، وما توعد به العصاة والكافرين من العذاب الأليم، وشرح محاسن الإسلام، وبيان مزاياه، وإيضاح مقاصد الشرع وحكمه، وحث الناس على الالتزام بالأوامر والواجبات، واجتناب النواهي والمحرمات، وترغيبهم في فضائل الأعمال التي حث عليها الشرع وندب إلى فعلها.
وكما ينبغي أن تهتم الخطبة بقضايا المجتمع على اختلاف أنواعها، وبيان موقف الإسلام منها، على أن يكون كل ذلك مدعمًا بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الصحيحة، وأقوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين، ومن سار على نهجهم من أئمة الإسلام، وعلماء المسلمين .
ولنعلم جميعا إن مِن دلائل عِظَم يوم الجمعة وكبير فضله أن فيه ساعة إجابة، حيث ثبت عن جبريل عليه السلام أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: “هَذِهِ الْجُمُعَةُ فِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ “.
وهذه الساعة عند أكثر العلماء، وفي أكثر الأحاديث، هي: آخِر ساعة بعد العصر، لِمَا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، فِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوجَدُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ إِيَّاهُ، فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ ” .
التعليقات مغلقة.