يوم الطين -٢..بقلم.. مدحت رحال
تكلمنا في منشور / يوم الطين _ ١ عن يوم الطين ،
وكان هذا اليوم وعلاقة ( اعتماد الرميكية ) بابن عباد هو محور حديثنا ، مع إشارة مقتضبه إلى ابن عباد بما يقتضيه الحال .
وفي هذا المنشور سنتعرف على ابن عباد نفسه ،
تعريفا وليس تأريخا كنهجي مع شخصياتي .
هو محمد بن عباد ثالث وآخر ملوك بني عباد في الأندلس .
يعود في نسبه إلى قبيلة عربية من عريش مصر ،
وينتهي نسبه إلى النعمان بن المنذر اللخمي .
استطاع ابن عباد أن يوسع حدود مملكته وأن يضم إليها عدة مدن اندلسية في خضم الاقتتال بين ملوك الطوائف ، رغم أنه كان ميالا لحياة اللهو والدعة والشعر والأدب ،
وينفق على ذلك الكثير من خزينة الدولة كما رأينا في يوم الطين _١
وكان ابن زيدون الشاعر والعاشق المعروف من نجوم بلاطه إضافة لآخرين منهم صديقه وصفيه الشاعر أبو بكر بن عمار الذي كان له دور كبير في إدارة الدولة ، والذي لم يلبث أن قتله ابن عباد بسبب تجاوزات وإساءات طالت المعتمد بن عباد .
وفي حُمى الصراع بين ملوك الطوائف أقدم ابن عباد على عقد اتفاق مخز مع الفونسو ملك قشتالة الذي كان يتربص بالممالك الأندلسية ، يقوم الفونسو بموجبه بمعاونة ابن عباد ضد أعدائه من الأمراء الأندلسين ، على أن يؤدي ابن عباد جزية كبيرة لأنفونسو ويتركه حرا طليقا ضد مملكة طليطلة .
وقد أدرك ابن عباد متأخرا العواقب الوخيمة التي سببها هذا الاتفاق المهين عندما بدأت مدن الأندلس تتساقط في يدي ألفونسو الواحدة تلو الأخرى .
قام ملوك الطوائف بعقد اجتماع في قرطبة تم فيه الاتفاق على الاستنجاد بدولة المرابطبن في المغرب العربي،
وفي رواية أن المعتمد ابن عباد التقى بابن تاشفين وطلب منه إنقاذ المسلمين في الأندلس .
وقد لام بعض معاوني ابن عباد على ذلك قائلين له :
المُلك عقيم ، ولا يجتمع سيفان في غمد واحد
فرد قائلا قولته المشهورة :
إني لأوثر أن أرعى إبل ابن تاشفين على أن أرعى خنازير ألفونسو .
عبر ابن تاشفين إلى الأندلس عبوره الأول حيث انتصر وملوك الطوائف بقيادة ابن عباد على الفونسو في معركة / الزلاقة .
وفي عبوره الثاني رأى ابن تاشفين ما عليه ملوك الطوائف من الضعف والفرقة والكيد بعضهم لبعض إلى درجة التحالف مع العدو القشتالي الذي يتربص بهم ،
فقرر في عبوره الثالث أن يقضي على ملوك الطوائف ويستولي على ممالكهم .
في هذا العبور الثالث تحالف ابن عباد مع الفونسو ضد ابن تاشفين الذي استولى على إشبيلية واقتاد ابن عبد أسيرا
ولم يغفرها له ابن تاشفين ،
فنفاه إلى مدينة : أغمات في أقصى المغرب ،
وأذاقه ألمهانة ألوانا وضيق عليه العيش لدرجة اضطرت بناته إلى الغزل وزوجته التي غاصت قدماها ذات يوم في طين من المسك والعنبر والكافور إلى أن تعود إلى غسل الخرق البالية ،
في هذا الحال من المهانة وشظف العيش ،
كتب المعتمد بن عباد وهو في الأسر يرثي بها نفسه وأهله يوم العيد فقال :
فيما مضى كنتَ بالأعياد مسرورا
فساءكَ العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتِك في الأطمار جائعة
يغزلن للناس ما يملكن قطميرا
برزن نحوك للتسليم خاشعة
أبصارهن حسيرات مكاسيرا
يطأن في الطين والأقدام حافية
كأنها لم تطأ مسكا وكافورا
لا خد إلا ويشكو الجدب ظاهره
وقبلُ كان بماء الورد مغمورا
لكنه بسيول الحزن مخترق
وليس إلا مع الأنفاس ممطورا
أفطرتَ في العيد لا عادت مساءته
فكان فطرك للأكباد تفطيرا
قد كان دهرك إن تأمره ممتثلا
فردك الدهر منهيا ومأمورا
من بات بعدك في ملك يُسر به
فإنما بات بالأحلام مغرورا
ويموت ابن عباد في أغمات
وقد أوصى أن يكتب على قبره :
قبر الغريب سقاك الرائح الغادي
حقا ظفرت بأشلاء ابن عباد
نعم هو الحق وافاني على قدر
من السماء لوافاني بميعاد
نشفق على ما نزل بابن عباد والخائضات يوما في طين من المسك والكافور
ولكنه لا يعدو الشفقة فقط ،
حقيق على من يخون دينه ووطنه ويتحالف مع العدو أن يلاقي ما لاقى ابن عباد .
كان أحرى بابن عباد أن يرعى جمال ابن تاشفين من أن يرعى خنازير الفونسو كما قال .
ولا ريب أنه كان سيرعاها لو انتصر الفونسو .
ولكنها شهوة السلطان .
وكما قال أصحابه : الملك عقيم
قالها قبلهم عبد الملك بن مروان في مقتل مصعب بن الزبير وكان ذات يوم صديقا له وخِلا :
الملك عقيم .
بئس الملك يقتل صاحبه
المغرور من غرته الدنيا فاغتر
ونسي أن اليوم خمر وغدا أمر
مدحت رحال ..
التعليقات مغلقة.