موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

يوم القصة : عرض لجميع الأعمال المبدعة التي شاركت يوم الأحد ١٢-٧

647

يوم القصة : عرض لجميع الأعمال المبدعة التي شاركت يوم الأحد ١٢-٧

تقول الأستاذة الإذاعية القديرة جيهان الريدي : في دفتر الأيام كم من قصة تروي من الأحداث ما فيه العبر فاكتب على وجه الزمان حكاية تزهو بها وتقول عنها للبشر
هذه قصتي

فكانت هذه كل القصص التي شارك بها المبدعين في يوم القصة :


حيرة وترقب بقلم : حاتم السيد مصيلحي


تعددت إخفاقاته في أن يجد نصفه الآخر الذي ظل يحلم به، يستشعر طيفه، ويتخيل لطفه، ويرسم ملامحه الغائبة غير واضحة المعالم وإن بدت الصورة جميلة كلما تصورها بروحها وسمتها ورسمها.. كلما امتحن مشاعره اتجاه فتاة قبل أن يقدم لخطبتها، ويختبر فيها مايستشعره من حس تحت مايسمى بإيجاب أوقبول، محاولا أن يطابق مايراه أصلا بما حسه أو استشعره بخياله ليكشف ذلك اللغز المحير الذي يؤلف القلوب فتتوافق، وتتآلف الأرواح فتتجاوب، ظل هكذا (عليّ) يبحث عن حلمه، وقد باءت محاولاته كلها بالفشل، فانكسر قلبه، وانطفأ وهج حماسته، وإن بدا تحت الرماد وميض أمل يصافحه الهواء فيبرق، فإذا ما غادره خبت بريقه، وأظلم وميضه.

     أخذ (علي) يتلهى عن شاغله بالعمل والقراءة وقد أسلم رأسه لكفه يحمله عنه، وأمره لله، وأثناء انهماكه في العمل اليومي دخل عليه أحد أحبائه الحاج (سعيد) وكان في قلبه لطف، وفي محياه بشر، ودعاه إلى مكتبه بعد أن يفرغ من عمله، فدق قلب (علي) بنغم لم يألفه ولم يعرفه من قبل، فتعجل أمره؛ ليذهب للحاج (سعيد) وينظر في أمر دعوته له، وحين دخل عليه مستأذنا أذن له وأجلسه وعلى وجهه علامات البشر وقد أخرج من معطفه صورة ضوئية لفتاة غاية في الجمال تشع عينيها بريقا غريبا بدد ظلماء النفس، وبعث فيه نور الأمل من جديد، ولكن عليًا أراد أن يراها رؤى العين، ربما لينظر أهي الروح التي حلم بها؟! فيطابق أوصافها، فإن صح منها الوصف، ووافق الحس كان المراد، وبالفعل ضرب الحاج سعيد له موعدا كي يراها عن قرب، وذهب معه لذلك اللقاء المنتظر الذي يحدوه الأمل، وعندما وصلا إلى محل اللقاء وسلما، ونظر (علي) إلى فتاته أصابه سهم عينيها، عندها علم ماذا يعني الإيجاب؟! وكيف يكون القبول؟! وأخذ يتلو قول الله تعالى :"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" [سورة الروم، الآية :٢١].

حكمت المحكمة بقلم عبير توفيق


إنه في يوم من أيام الله في سنة من السنين العجاب التي نعيشها، وردت إلي محكمة الإنسانية التابعة للأحوال الشخصية والكائنة بالحياة دعوى رقم مئات الألاف؛ مقدمة من المدعي ويدعي(صلة الرحم) ضد المدعى عليه ويدعى(بنو البشر)وقد حضر أمامنا كل من الطرفين ومعهم المتضررون من وراء ذلك وهم الأباء والامهات والأخوات:

                فتحت الجلسة

القاضي:تقدمي يا صلة الرحم ما هي شكواك ؟
صلة الرحم: سيدي القاضي لقد قطعني بنو البشر هؤلاء ولم يعودوا يصلونني كسابق عهدي بأبائهم و أجدادهم ، فقطعوا أواصر المودة و الرحمة و الترابط ،و قد تضرر من وراء ذلك الكثير والكثير من الأباء والأمهات والأخوات وها هم قد جاءوا معي ودموعهم تسبقهم و قلوبهم تنفطر علي ما فرط فيه أبناؤهم و إخوانهم في حقهم
القاضي: فليتقدم الأباء والأمهات هل حدث ذلك معكم؟
المتضررون : نعم سيدي لقد قمنا بتربية أبنائنا بشِق الأنفس ، و قاسينا ما قاسينا في ذلك، كنا نتصنع الشبع أمامهم ؛ حتى يأكلوا ما يحلو لهم ، ثم نقوم بجمع فُتات ما تبقى منهم ؛ لنسد به رمقنا ، ارتدينا الملابس البالية لسنوات عديدة و كل ذلك لكي نوفر لهم الجديد من الثياب، أما التداوي فكان بمثابة الترفيه لنا فلا يجوز الاقتراب منه و تحل محله المسكنات فقط، و في المقابل لا نتحمل كلمة توجّع من أحدهم بل كنا نسهر
ونمرض و نداوى و مع كل هذه المعاناة التي كنا نعيشها فكانت تمثل لنا سعادة غامرة كنا نصبّر بعضنا علي أمل أن تمر الأيام و نرى ثمرة كفاحنا فنقطفها وقت احتياجنا لها و قد أوصلناهم إلي المناصب العُليا و المقام الرفيع ، و كما ترى يا سيدي لقد بلغنا من الكِبر عِتياً و اشتعلت رؤوسنا شيباً و نحتاج إليهم وإلي وجودهم جوارنا حتي نأنس بهم ونشعر بالطمأنينة والأمان،ولا نجد من ذلك شيئا
فالابن الأكبر هاجر خارج البلاد وانقطعت اخباره، والثاني الماثل أمامكم هجرنا هو الأخر وهو معنا في موطن واحد
القاضي:تقدم يابني البشر هل بالفعل حدث ذلك؟
الابن: نعم سيدي ولكن لي أعذاري فكما قالا إنني اشغل منصبا رفيعا وليس لدي الوقت
القاضي:من المؤكدأن لك عطلة إسبوعية من عملك فماذا تفعل بها؟
الابن:نعم وأقضيها مع اسرتي وأحيانا نخرج للترفيه
القاضي:تجد الوقت لأسرتك وللترفيه ولا تجده لوالديك؟!
القاضي:هل لك من مراجعة نفسك وتدبير الوقت لصلة والديك ورعايتهما وبرهما؟
ال

الرباط المقدس بقلم : حاتم السيد مصيلحي

لم ينظر (علي) إلى رابط العلاقة بينه وبين عروسه كنوع من الروابط الاجتماعية أو الصلات الإنسانية التي جرى العرف عليها بين الناس، بل جعله رباطا مقدسا ديدنه فيه قول الله تعالى : [ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة… ] وتتحرك كل عضلات وجهه، وحواسه وهو يفسر ذلك بأن الله سبحانه وتعالى حين خلق الأنفس انقسمت كل نفس على نفسها وتاها في ملكوت الله، إلى أن يأتي وقت التزاوج، فتبحث كل نفس عن جزئها المشطور، فإذا تلاقا اكتملا و هذا هو الإيجاب والقبول بمعناه البسيط السهل ، وسر من أسرار الله في الكون، وإلا ما السر في أن يتلاقى اثنان أحدهما من الشرق، والآخر من الغرب، فيتآلفا ويتوافقا دون سابق معرفة دنيوية بينهما.. هكذا كان يفكر.

  لذا كانت فترة الخطبة من أصعب فترات حياته وأشقاها على نفسه، لا كما كان يسمع أنها أجمل فترات الحياة وأسعدها، قضاها بين انقباض النفس وانبساطها.. يذهب إلى عروسه أسبوعيا ليقضى معها سويعات محددة تروي روحه وتستعيد نشاطه وأمله في الحياة،  فكان يتعجل اللقاء ويقطع الطريق إلى بيت أسرتها سيرا على الأقدام ليقطع الوقت الذي يحول بينه وبينها في ساحة حبها، فما أن يصل إلى بابها يقف مستأذنا، فيسمح له فيصعد درجات السلم دون إبطاء، ويولج إلى حجرة الجلوس إلى أن تخرج إليه في كامل زينتها، وتجلس أمامه فيأنس بها وتأنس به، ولا يجد حديثا مشتركا بينهما سوى حكاية بعض ذكرياته، أو ما يأمل فعله في مستقبل حياته وبعد الزواج، فيجذبها للحوار والنقاش حتى يزيد ذلك القرب بينهما، وتنعقد به الصلة، وقد تثيرها بعض آرائه العفوية النابعة من قلب عاشق، ونفس على الفطرة سوية وتغضبها لمجرد إبدائها؛ لأنها لا توافق هواها، وتبني عليها استنتاجاتها المنطقية التي دائما تحمل الجزئيات دون الكليات، فتحدث في نفسها جفوة اتجاهه، فينقبض قلبه، وتضطرب نفسه وكأن روحه تسلب منه، وقد حدث بينهما مرارا، فيحتكما إلى والدها الذي يتعاطف بدوره مع ابنته، ويعاتب عليًا في سوء طرحه، وكثيرا ما كان يزوده بما يجب أن يكون حتى تستقيم العلاقة بينه وبين عروسه، حتى تأزمت الأمور بينهما ذات يوم بسبب وشاية سمعتها..

   ففي إحدى المرات المعتادة اتصل بها تليفونيا، فحين ألقى السلام المعتاد أوصدت السماعة في وجهه، فكذب نفسه وظن أن عطلا طرأ، فعاود الاتصال ثانية فوجد نفس الأمر يتكرر معه، فوثب من مكانه واستأذن وذهب إلى مكان وجودها المعتاد، وأخذ يحدث نفسه ماذا حدث؟! حتى وصل فقابلته بطريقة جوفاء وعنفته، فلما نظر إلى يدها لم يجد خاتم الخطوبة (الدبلة) فسألها عنها، ولكنها لم تجبه وأرجأت الحديث مع أبيها في وقت لاحق، فامتقع لونه وعاود السير إلى عمله وقد غاب وعيه بالزمان وتاه عقله عن المكان ، وهو يسأل لماذا ؟! وأخذ يصور ما حدث بينهما بجنين تكون واستوى، ولم يكتب له أن يولد. 

وتدخل المتدخلون؛ ليعرفوا السبب فعلموا أنها وشاية مغرضة لإفشال تلك الزيجة، وعقدوا مجلسا انتهى إلى الوصل بين العروسين من جديد، ليستكملا رحلتهما معا..

 حينها عزم ( علي) أن يسرع الخطى لإتمام زواجهما، يحاول أن ينتهي من تجهيز عش الزوجية، وتجهيز المهر المتفق عليه لدفعه إلى والدها، وعرض أن يعقد قرانه عليها؛ لتهدأ نفسه، وتتوثق العلاقة بينهما بوثاق قانوني وشرعي لا يسمح بالوشايات أو بالأزمات، ولكن عروسه أمهلته؛ لينعقد زواجهما وسط جميع المدعوين لحفل الزفاف، وأن في ذلك سعادتها، فلم يعارضها.

   وبدأت الاستعدادات من قبل الطرفين لليوم المنتظر، وانهمكت العروس كعادتها في تجهيزات فرحها بتفاصيله الدقيقة، وعلى الجانب الآخر نقل جهازها وفرشه في شقتها، وإتمام كل شيىء على النحو الذي يروق لها، ولم يبق على يوم الزفاف سوى ساعات قليلة زارها خلالها (علي) وحادثها عبر الهاتف، وفي يوم الزفاف خرج (علي) من بيته ليستقبل حياة جديدة، والتقى بأثيرته وحبيبته، وأخذ بيدها إلى حفل تتويج علاقتها، وانعقد مجلس العقد، ووضع ولي العروس( والدها)  يده في يد عريسها؛ ليزوجه ابنته فلذة كبده، وأتم عقدهما ليصيرا زوجين يدعو لهما الجميع بالبركة والتوفيق.
    

العصـفور… بقلم/ مجدي سـالم مراجعة لغوية.. د. وجيهة السطل

والتقيا عند الباب..

جاءت ترفل في فستانها الحريري الأزرق الذي يعشقه.. زادت أنوثتها جماله وتدفق ألوانه.. ينساب شعرها الفاحم على ظهرها.. وتزيد زينتها الراقية في سحرها.. شعر وكأنها أميرته الليلة.. كم بات يحلم بهذا اليوم.. قبلت أخيرا أن تصحبه إلى السينما لمشاهدة الفيلم الشهير.. تعب في إقناعها أن عليها أن تجد حجة تسوقها لأمها كي تغيب عن البيت.. سيشاهدا الفيلم سويا ثم عليه أن يقنعها بعد العرض أن يتناولا طعام العشاء في أي من مطاعم وسط البلد.. كان سعيدا تأخذه الفرحة إلى عنان السماء فهذه أول مرة يذهبان فيها إلى السينما.. وأن يشاهدا هذا العرض سويا وقد تحدث الناس عن الفيلم ذائع الصيت طويلا.. حتى صار موضوعه محور النقاش في الجرائد اليومية.. قال لها وهو يستقبلها بابتسامة نقلت إليها مدى سعادته بلقائها..

” أصل المخرج ده غاوي مشاكل.. بيلعب في مخي والناس غاوية جدل”..

كانت الردهة الأمامية وصالة المدخل للسينما تكتظ بالناس.. العديد منهم يتزاحمون عند فترينات العرض المعلقة على الجدران.. وكانت تعرض صورًا كبيرة بالأبيض والأسود اللامع لمشاهد من مواقع التصوير.. تم التقاطها أثناء تصوير الفيلم المتير للجدل.. راحت تتعالى تعليقات الجميع هنا وهناك.. توحي مناقشاتهم بأنهم بالفعل يتفاعلون مع حدث ضخم يهمهم وليس مجرد فيلم سينمائي.. تعالت أصوات بعض من يصطفون عند شباك التذاكر.. يفهم من صياحهم أن التذاكر قد نفدَت.. نظر إليها نظرة المنتصر.. لقد أتاها بما يعجز الآخرون الآن عنه.. أشاحت بوجهها كمن لم يفهم.. سارعت ترفع يدها تعيد تصفيف شعرها بأطراف أناملها بدلال مصطنع.. حاول أن يمسك بكفها يتلمس أطراف أناملها.. ابتسمت وأبعدت يده بلطف.. دفعته باتجاه مدخل صالة العرض..

وعبرا الباب..

حين وصلا بمساعدة الموظف الوسيم إلى مقعديهما كان العرض قد بدأ بالفعل.. بدأ عرض الأسماء مع مشاهد من أحداث ساخنة من الفيلم.. لفت نظره أن الموسيقى التصويرية خافتة جدا.. إنه يهتم بهذه التفاصيل.. بدأت أحداث الفيلم سريعا.. كان بالكاد يميز الحوار الدائر بين أناس على الشاشة وقد بدأ العرض بحديث بينهم.. أوووه.. كيف لمخرج بهذه السمعة أن ينتج حوارا غير مسموع ولا مفهوم إلى هذا الحد.. تلفت حوله.. كان الجميع مستغرقين في المشاهدة.. أو ربما كانوا يحاولون أن يسترقوا السمع كي يميزوا الحوار الدائر على الشاشة.. لكن سارت الأحداث..
انتهز الفرصة ووضع يده على ظهر المقعد المجاور.. تعمد أن تمس أطراف أصابعه كتف رفيقته وبعضا من خصل شعرها.. نظرت إليه كمن ينهره لكنه اصطنع البلاهة وأنه مستغرق في مشاهدة الفيلم..

مضت دقائق تلو دقائق من العرض.. تسارعت أحداث الفيلم فما لبثت حتى بدأت تأخذ منحى الجد وبسرعة فائقة.. بدأت الهمهمة تسري في صالة العرض.. ثم بدأ البعض في التصايح.. البعض بعبارات الإعجاب.. والبعض الآخر يعبر بهتاف إستهجان.. تعالت الأصوات…

” أيوه.. البلد بتغرق في الحرب.. ودول بيسرقونا.. وتولع البلد”..

“بص بيعملوا إيه.. بالذمة دول رايحين عشان الحشيش.. هما ناقصين فلوس.؟”

“هو حد راح الصعيد اللي بيصوروه ده.. ياعم دي عالم ضايعة”…

تفاعل بشدة مع عصفور البطلة المحبوس في القفص يتضور جوعا.. المجرمون يروعون عائلتها بالتهديد باغتصابها.. تجري الأحداث.. إنهم يتاجرون بكل شيء.. يعلو صوت لأغاني هابطة في الخلفية.. تتوالى صور متلاحقة لأناس تترنح ولآخرين يرقصون.. وراقصة تتمايل.. يسقط العصفور.. لم يتمالك نفسه وهو ينفعل بشدة مع تعليقات الناس.. كانت أحداث الفيلم تعمق جراحه.. شيئا فشيئا هاجت الوطنية المشتعلة في أعماقه.. إن بلده وما يجري فيها هو همه الأول.. والأمر فيها قد استفحل حتى طال حياته ومستقبله.. حتى أنه بات غير قادر على إتمام مجرد خطوبة تربطه بحبيبته التي يتمناها زوجة له.. وحتى محاولات الهجرة باءت بالفشل..

دارت أحداث الفيلم لدقائق جديدة تصور العديد من التناقضات.. إنهم لا يجدون الضروريات إلا بالطوابير المذلة.. زاد انفعاله حتى شعر أن الدم الساخن يسري في عروقه ثم يهيج في فروة رأسه.. مالبث أن بدأ يشارك في الحوار الدائر بين الناس.. استدار أحدهم ووجه الحديث إليه رغم أنه لا يميز ملامحه.. صار الحوار نقاشا جماعيا وسبابًا فمشاجرات ومشاحنات.. تعالت الأصوات ووقف الكثيرون حتى حالوا بين المشاهدين وشاشة العرض.. تعلقت بملابسه بينما وقف بقامته الفارعة يهذي وقد تجسدت كل مصاعب حياته أمام عينيه غير عابئ بها.. استدار بطل الفيلم ليصفع إحداهن في غضب وحنق وعنفوان فيسيل الدم مع صراخها من وجهها.. تعالى الصراخ هنا وهناك.. تدافع البعض يشتبكون يتصايحون يتشاجرون.. تصبَّب عرقه.. ودارت عيناه.. علا صوته وأصواتهم.. يندفع الناس خارجين جماعات تتظاهر..

إنفتح باب القفص.. وطار العصفور..

إفترقا عند الباب… لم يتوادعا..

الأقصوصة الطرفة بقلم محمد عبد المجيد الصاوي

أختم هذه الليلة المخصصة للقصة بهذه
ذهب أحد الحمقى بذراع قماش “نصف متر” إلى أحد الخيّاطين.. وطلب منه أن يفصل بهذا الذراع بِذْلة تناسبه!!.

فاستغرب الخياط واستنكر.. فقال له الأحمق:
بحنكتك ومهارتك، تصنع من نصف المتر بذلة تناسبني!!.
أدرك الخياطُ حمقَ الرجل.. فقال له:
لا تقلق.. تعال بعد أسبوع واستلمِ البذلة..

جاءه في الموعد، فنظر إلى ما صنعه الخياط، فصرخ قائلا:
هذه لا تناسب طفلا في الثالثة فكيف تناسبني!!.
فأجابه الخياط:
أنت أيها الحاذق، بمهارتك، وعبقريتك، وفطنتك.. ارتدِ البذلة ذات الذراع بالطريقة التي تناسبك.. وتلائمك.. أدخل يدك من هنا، وقدمك من هناك.. وهكذا.. حتى تدخل فيها كلها!!.

ق . ق بعنوان قامة وألف قيمة بقلم : راويه حسين



سمعت إسمي ينادونه كما المعتاد عندما يحين دوري لأصعد إلى المنصة بالمسرح الصغير بدار الأوبرا وتلك الأمسية الأسبوعية التي تُعقد في الثامنة من مساء الأربعاء من كل إسبوع ، فتقدمت ونظرت للحضور الغفير
ثم قلت : لقد أعددت لكم كتابًا من ألف صفحة ، بكل صفحة ألف قيمة تعلمتُها .
فقالوا مشجعين : اقرئي علينا ما فيه لعلنا نقتدي ،
ولكني كلما هممت بقراءَتِه ؛ فتحتُ إحدى صفحاتِه ونظرتُ فيها بإمعانٍ وزهوٍ ، ينتابُني الصمتْ !! حتى أعودُ
لمجلسي باسمة الثغر وضاءةَ الجبين النديّ ،
والجمهور لايزال في تعجبهِ المعتاد مع تكرار المشهد إسبوعيًا ؛
إلي أن قام أحدهم ذات يوم ..
لينظر بصفحتي تلك ،
فصاح في قائلًا : اِطوي هذه الصفحة واقرئي ما بعدها ؛
فتبسمت وهممتُ بطَيها
وحين نظرَ مُحدقًا إلي الصفحة التالية ؛ طوى هو ما بعدها ثم انهال طياً للصفحاتِ مندهشًا لمّا لم يجد غير صورة واحدة بكل صفحات كتابي ..
فصمت قليلًا ، ثم أغلق الكتاب ليقرأ عُنوان غِلافه ، فابتسم لي قائلًا : إقرئي عُنوانَ الكتاب ؛ لنتعلم ،
فقرأت بكل شموخٍ : أبي …..
راوية حسين

غرباء بقلم د. شادن شاهين

دوت صافرات القطار القادم من بعيد، ربما يبدو صوته المزعج لحنا رقيقا لكل من ينتظره لاهفا، متعجلا الرحيل.
صعدتُ متثاقلة، أبحث بملل عن مقعد خال، نظر لي بود،أزاح حقيبته من على المقعد المقابل له، في إشارة لي بالجلوس، حاولت أن أبتسم له بود مشابه، لكن وجهي المتحجر أبى ذلك، فبعض الأحيان، تصير الابتسامة حملا ثقيلاً، ولكن ربما وصلته رسالة باهتة من عينيَّ، أنْ شكرا أيها الغريب.
ارتميت على المقعد، بدت لي الوجوه جميعا نسخا مكررة، بدت لي الحياة كلها شريطا سينمائيا أنهكه تكرار العرض، أشحت بوجهي تجاه النافذة ورحت أحدق باللاشيء، اللاشيء أتابعه بإصرار يجري أمام كل الصور فيجعلها باهتة بعيدة، اللاشيء يأخذني من كل ما حولي، أحيانا العدم يصير أقرب إلى القلوب من أي شيء آخر.
ـ تذاكر، تذاكر.
انتزعني النداء اللحوح من حالة السكينة، ومن التناغم مع فكرة العدم، فعدت مضطرة إلى الاعتراف بالوجود، مددت يدي بالتذكرة، فسقطت تحت قدمي الغريب.
نظرتُ إليه وهممت بالكلام فمد يده بالتذكرة بسرعة وعلى وجهه ابتسامة مترقبة، كأنه يحاول أن يبادر بالحديث.
ابتسمتُ بدوري، ليس تفاعلا مع ابتسامته، ولكنها ابتسامة ساخرة،مثقلة بالمرارة. ربما في جلسة مشابهة بدأت حكايتي، ربما ارتبكتُ خجلا يوما ما، حين أصابت ابتسامة مشابهة قلبي في مقتل، يالها من أيام!
أفقت من خواطري على صوته الهادئ، وهو يدقق النظر في عينيَّ قائلاً:
ـ أعرف ما يدور في مخيلتك.
ضحكت وقلت له:
ـ حسنا، أخبرني أيها الغريب!
ابتسم بثقة مضحكة، وبدأ يثرثر، سرحت في عينيه البنيتين الغامضتين، و أخذتني رقصة خطوط وجهه على موسيقى الغياب، صوته الدافئ الذي لا أنصت إليه، بل يأتيني كقوس قزح امتزجت ألوانه فعاد أبيض.
ترى ماذا وراء تلك العينين؟ تعاقبت في مخيلتي صور كثيرة، ربما تكون بعيدة جدا عن حقيقته، لكنني كنت غير مستعدة لحديث ودي مع الآخرين، ثمة جدار قد شبَّ عاليا بيني وبين العالم، صرت غير قادرة على تخطيه، شعور بالغربة يجعلك عاجزا عن رؤية من حولك، فقاعة تسجنك وحدك داخلها.
سكت فجأة، لم أنتبه إلى سكوته أول وهلة، لكن بعد قليل، لاحظت فجأة أنني قد فقدت تلك الخلفية الصوتية رتيبة الإيقاع التي صاحبت أفكاري.
لم أحاول أن أسأله عن سبب سكوته المفاجئ، فقد لاحظ بالتأكيد أنني لا أسمعه، لم أحاول تبرير موقفي، فلقاء وُلد منذ دقائق، وقارب عمره على الانتهاء، لا يحتمل أن أمنحه هو الآخر حفنة من التبريرات.
أشحت بوجهي من جديد تجاه النافذة، تلذذت بشعور اللامبالاة،الإهمال، أن أكون غنية عن تبرير مواقفي، أن أبتعد فجأة بلامقدمات، فقط لأنني أردت ذلك، شعور بالقوة والاستغناء ممتزج بقليل من الشر، ربما أجربه للمرة الأولى، ويالها من لذة! ماأغرب الحياة!
بعد دقائق من الصمت، دفعني فضولي أن أنظر إلى وجهه، ربما لأرى تأثير صفاقتي عليه، نظرت دون أن أدير وجهي ناحيته، بوقاحة لم أعهدها في نفسي، فوجدته مبتسما كملاك،مازال ينظر إليَّ هادئا، لا لوم في عينيه، ولا غضب ولا كبرياء.
أثارت ردة فعله الطيبة فضولي كثيرا، فسألته بحذر:
ـ ألست غاضبا مني؟
رد بتلقائية:
ـ لقاؤنا جد قصير، لا مساحة للغضب واللوم فيه.
قلت لنفسي: “حسنا، إننا متفاهمان”، وابتسمت، لكن هذه المرة، كانت ابتسامة حقيقية.
لا أعرف كيف شعرت فجأة أن الحاجز قد سقط، وأن جدران الفقاعة تلاشت، لا أعرف كيف قررت فجأة أن أمنحه أذني، وروحي، ولو لبعض الوقت.
عاد إلى الثرثرة بسرعة، ولكني كنت معه هذه المرة، ازدحم الوقت بحكايات كثيرة، بالضحكات، والدموع أحيانا، شاركته لحظات انتزعت من العمر انتزاعا، على حين غفلة من الأحزان.
اقتربنا من محطة الوصول، مد لي يده ببطاقة، يبدو أن فيها اسمه وأرقام هواتفه، فألقيتها في حقيبتي دون تردد.
صرخ القطار في أذنينا، معلنا النهاية، أوربما البداية، سلمت عليه بحرارة، ومضيت.
وبعد خطوات، على رصيف المحطة، أخرجت البطاقة من حقيبتي، قرأت اسمه، تعاقبت على رأسي المتعب صور كثيرة، فكرت للحظات، ثم تركت بطاقته لعبث الرياح، وضحكاتها أيضا.
ربما كانت ساعة، كحياة قصيرة رائعة، وربما مصدر روعتها الوحيد أننا غريبان…
حسنا، فلنبق كذلك.

عندما يبزغ القمر تولد حياة.. فانتازيا اللقاء بقلم زينب عبد الكريم التميمي


في بلدةٍ نائيةٍ عن المدينة, يحكى أن صوتاً يأتي من خلفِ الجبل, يُسْمَعُ بعد منتصف الليل, صوتٌ يسابق الزمن يعتصر بأنينه قلب من يصل إليه ,صوتها هي. في الطرف الاخر يقبع هو ,رجل ناهز الأربعين ,ذو عقلية متمردة,تخالطت فيها الأفكار لكنه كقديس في قلبه. كان كل ليلة ينصت لذاك الصوت القادم من الطرف الاخر ليفز في ذاكرته صدى صوت كان قد تراءى له في حلمٍ منذ سنين وظل يلازمه
سنينا طوال لايفقه معناه.
_ منتصف الشهر الهجري , تحديداً ليلة إكتمال القمر ,هدأ صوتها ,لم يسمع لها نحيب,
تفاجأ سكان البلدة ,هدوء خيم على المكان
,لم تكلل ليلتها بحشرجة صوتها المبحوح ولم تعاود الريح حَملَ صوتها بعيداً اليه .خاف هو هناك, إرتجف خيفة أمر مجهول قد حصل . عاش لوهلة بين رؤية الحلم وكابوس الفقد.
هو ليس كالباقين ,وحده من كان يلتمس في صوتها حنين روح ,وحده من تصيبه القشعريرة عند إرتجاع صداه.
صوت لم يستطع يوما أن يتجاوزه فهو نديمه كل ليلة منذ ذلك الحلم قبل سنوات .لذا قرر العبور وإجتياز ذلك الجبل,وابتدأ خطوته الاولى تتبعها الواحدة تلو الاخرى, تسارعت خطواته اليها. هو لم يرها من قبل , رسمها في عقله الباطن
خلف صدغه الممتليء بكينونات ادبه وعلمه وحتى شيطنته , كانت لها صورة قابعة فيه .رؤية تكاد تكون عقيمة , ليس لها بوادر نهاية, ليست سوي حلم وصورة مشوشة .
تسارعت خطواته أكثر , تزايدت نبضات قلبه , كان كلما إقترب أحس بجاذبية اكثر وكأن قوة خفية تسكن ذاك الجبل تجذبه اليه هي من تزيد بسرعته , لم يدرك السبب ولم يفكر فيه ,كان فقط يروم الوصال .
عاودته الذاكرة الى حلمه قبل سنين المدينة,الجبل,ذلك الصوت, صور تتداخل,
يمد يده لينتشلها من بين ركام رماد لازالت النار تلهب به كلما عتت ريح.
بدأ يفقد التركيز هز رأسه إنتفض الى واقعه من جديد خطواته زادت بدت المسافة قريبة ,
يتصبب عرقا, الجاذبية زادت زادت سرعته أكثر فأكثر . هاهو يصل , يلمحها تقف هناك ,
بذات المكان وذات الرداء . يسرح من واقعه لذاكرته , سحبها اليه إغرورقت عيناها إنتزعت كفيها منه مخافة عليه
:أُتركني,لاتلهمك ناري .
:هاتِ يدكِ
:سأحرقكً فكل ماحولي مهيء للإشتعال
لامست يداها يداه .
كان حافزاً ليعيده الى وعيه .
:هاتِ يدكِ ,في كفيك نجاتي لم أنم منذ عشرون عام أريد أن أنام.
كانت ملامحها واضحة ,ضوء القمر يعكس بريق عينيها الذي تخلله رغم أنها كانت متعبة و مرهقة .
كما ملامحه التي كانت تتوق لها كلما نظرت الى القمر. .كانت تنتظره وتنتظر بزوغ القمر
,تنتظر ملاذها الوحيد .
إنتشلها ,ضمها اليه ,بدأ الليل يسدل نهاياته
بينما الشمس تبشر بميلاد يوم جديد. وكأنهما تقابلا على اطراف الكون وفي نهاية الزمن .

يوم القصة

قرار مصيرى بقلم زين ممدوح

جاءها المخاض،فانطلقوا بها مسرعين إلى المستشفى،هم يدركون حجم المعاناة التي عانتها فى الحمل،فقد أرهقها التوءمان طيلة تسعة أشهر، ساعتان فى غرفة العمليات والطبيب لم يخرج بعد،اشتد القلق والتوتر،لم تمل أمها من الدعاء،بينما الزوج مازال يحافظ على هدوءه.
خرج الطيب يشعل سيجارة، وبدا عليه علامات الضيق
مش ممكن إيه الحالة الغريبة دى طمنا ياابنى عليها هكذا قالت الأم
مفيش أى بوادر خير الحالة صعبة جداً ازاى يا دكتور؟
بنتك عايزة تولد بس الرفض جاى من الداخل! أغلق الباب خلفه. ومرت ساعة أخرى ولم يحدث أى جديد مما اضطر الأهل إلى اقتحام الغرفة ليجدوا الطبيب ومساعديه يثحدثون لا مع ابنتهم،ولكن مع التوءم !. مرت حالة من الصمت بين الجميع قطع هذا الصمت صوت الطبيب وهو يتوسل إليهم يا حبايبى تعالوا بقى تعبتونى
لا مش دلوقتى خالص حضرتك وحبسة هنا زى حبسة بره ده قرار نهائي يعنى
_ أيوه ،وبالمناسبة احنا استجبنا للمبادرة!
مبادرة مين ؟! عمو محمد كمال قالنا خليك فى بيتك !
ومنذ ذلك الحين والطبيب من أهم نزلاء العباسية!!

ق.ق.ج على الطريق بقلم هانى موسى

كلما مر أمام محل للحلاقة استبطئت به الآلام وعيناه تحملق فى غبطة للصبية فيلقى على والده سؤالًا يقتلع فؤاده ..متى سيعود الشعر ببسمتيّ يا أبتاه ؟

الأب: عندما نصل نهاية الطريق يا ولدىّ .
وهل فى نهاية الطريق حياة يا أبتاه ؟!!.. أخشى أن تكون الحياة عبثاً أو كدراً حينما أذهب يوماً ما إلى الحلاق.

“غدا………..ربما نلتقي” بقلم إسماعيل قمر


البقاء في الوجدان،ليس بحاجة إلى أوراق إقامة،
ربما غريبا،نعرف من ملامحه الوطن.
……………………………….
في الخلف..أناس كثيرون ،ينعون دمعاتي المدفونة في أوردتي.
في الأمام..لون رمادي فَرِح بلمس الشمس لذراته الخصبه.
في الأجواء..صرخات، مجهولة المصدر.
في الأذهان.صدى ضحكات،تُرْعِش ثبات صمتي، والطريق من هنا لهناك،طويلٌ وغريب.
“خلود”..كان الاسم، المحفور الآن على لوحة رخامية،يعلوها بضع آيات قرآنية.
حين وصولنا،سكت كل شيء،حتى الجماد،الصدق يلازمنا،يحتوينا،وكأننا لم نعش إلا تلك الدقائق
اكتشفت،أنه ما زال هناك صوتان على قيد الحياة،دقات القلب،وعقارب الساعة.
رُفِعَ غطاء التابوت،توارى الجسد في التراب…
تبخر كل الحضور،لا أملك إلا تأمُل كل اللوحات،قرأت الفاتحة مرات
في الجوار، تماثيل التين الشوكي،وأثرية شقوق الصبار

تذكرتها،كانت توقظني مبكرا،برذاذ ماء مالح،وصوتها العذب يناديني..
“كل هذا النوم،دون أن تراني”!
أصحو معتذرا، “صباح الخير يا عروسة البحر”
قالت:أنسيت أن عليك تحضير الفطور؟!
لقد أصبحت طاهيا ماهرا،أفادتك سنوات الغربة.
لكنك ما زلت لا تُجيد العوم.
كم خفق قلبي حبا لهذه الفتاة،التي قفزت في بحر الإسكندرية،لإنقاذ طفله…

طيف أسعد بقلم هنا سعد

حلو وثاقه الذى وضعوه فوق اللفافات البيضاء ؛ وانصرفوا بعدما دعا له الحضور بالثبات وسط صخب من عويل النساء
فأتياه لأداء المهمة وأجريا له الامتحان النهائى إنه الإمتحان الحتمى .
رغم رهبة الاختبار ؛ إلا أن (أسعد) عاش طيلة حياته متيقنا من الاجابات ،كان يعيش بوجدانه فى الورقة الامتحانية حتى أيقن كنهها وعلم خباياها مستعداً لهذا اللقاء المهيب.
إطلعا على إجاباته فإذا هى تتطابق تماما مع النموذج (الالهي)
ساقا اليه البشرى
أشارا له فى ابتسام المطمئن ناحية اليمين على مرمى البصر هناك لأعلى
فابتسم الممتَحن بأريحيه كبيرة
محدثا نفسه:
“اخيرا وصلت الى ما أرنو اليه؛ انها السعادة الحقه، والنعيم المقيم.
ليت من كان يبكى الآن يعلم .
وليت من كن يصرخن الماً لفراقى يدركون أننى ما افترقت عنهم إلا لأقترب”.
وهمَّ متشوقا معهما بالصعود ولكن هيهات له الآن
نظر الى ذلك الممرالذى يحول بينه وبين مملكته
ذات الممر الذى صعد دَرَجَهُ قبل قليل الأحباب ووضعوا الواح الاسمنت عليه واحكموها بالتراب وبعض من الماء المنسكب فأيقن بالمكوث.
تلك التى كانت تسكن اعماقه طيلة حياته
هى الآن تحوم حوله فى لطف متناهي.
رآها لأول مرة بعد أن فارقت جسده كطيف شفاف أبيض خفيف صعدت وصعدت حتى وصلت إلى ذات المكان اليميني المشار اليه.
وكلمات طافت هناك كلما انشرح وابتسم
مرت على جدولا من المياة شديدة العذوبة رقراق كأنه الفضة السائلة
خريرها كأعظم سيمفونية تبعث فى النفس السكينة فتزداد ابتسامته
وتهفو إلى القطوف الدانية المتعددة الالوان المتدلية فى كثافة وبهاء فيتذوق حلاوتها لتزداد ابتسامته مرة اخرى
ثم حلقت وسط طيور ليست بالحمام ولا اليمام ولا العصافير انها من جنس آخر وشكل ليس معهود وألوان ليست كالألوان ،أجنحتها شفافة انسيابية؛ تبعث فى النفس الخفة والمرونة فيمعن النظر اليها ..
فتهفو اليهم نفسه فيسقط الطير بين يديه ليشعر بفرحة طفل صغير
تتنقل فى خفة بين الحدائق المتعالية بعضها يعلو الآخر يالله ماهذه الزروع لم أراها من قبل ترى هى
فلاً؟
أم ياسميناً؟
أم مسك الليل الفواح الذى أعشقه؟
لا ليست أى منهم
انها أجمل شكلاً
وأروع تنسيقًا
وأذكى أريجاً
وأزهى ألوانًا
تتسع ابتسامته باتساع شوقه
ليته يستطيع أن ينفذ من خلال الجدران كما فعلت طيفه من قبل .
انتبه الطيف إلى لألئ منثورة يشع النور منها فى مسارات متعددة فى بريق لا يضاهى إقترب وأقترب طيفه الشفاف حتى اكتشفت سر اللؤلؤ المنثور هؤلاء هم الغلمان الذين كنت أقرأ عنهم وأتخيل صفتهم هم يزيدون روعة وبهاء عما تخيلت
يالله ماهذا الذى يقترب منى انه طيف آخر يتجه نحوى بسرعة وخفة
أهو حقاً ؟
يا الهى
أختلط طيفى بطيفه يتعانقان شوقاً
يبكيان فرحاً
ويضحكان سروراً.
“والدى حبيبى لقد سبقتنى إلى هنا منذ سنين”
“ابنى حبيبى كنت أعلم أنى ملاقيك بمجرد أن يُحل وثاقك “
لقد جمعنا المسير بعد أن فرقتنا الحياة
سارا الطيفان يتنزهان ويستمع كلاً منهما لأحاجى الآخر بلهفة وشوق
انتبه إلى صوت يقول
-(أسعد) مابك ؟
لقد تأخرنا عن موعد العمل إنهض مسرعا وإلحق بى
-أسعد:ياليتنى ما انتبهت

إنصرف قصة قصيرة بـ قلم أسـمـاء الـبـيـطـار

ذهب إلى فراشه كالعادة مبكراً فهو لا يفرق بين الصيف و الشتاء يمد عليه الغطاء من أسفل قدميه إلى نهاية رأسه ، و لا يذهب في نومه العميق إلا على صوت التلفاز ، و الأولاد ، نعم فما زال الوقت مبكراً خاصة إننا في شهر يوليو و الجو شديد الحرارة .
و لا ينام إلا و رأسه تدور في حكايات الخالة ” أم كرم ” حين كان صغيراً كانت تتركه أمه معها عندما تذهب لزيارة أبيها المريض .
و رغم إنه تجاوز الأربعين ، إلا أن هذه الحكايات ظلت عالقة في ذهنه و كأنها حقيقة
و ذات يوم و هو بين اليقظة و السُبات ، إذا بباب حجرته يُفتح ببطئ شديد ، حاول أن يرفع الغطاء من فوق رأسه ، و كأنه يُزيح جبل
و فتح عيناه في تثاقل ، فإذا بشئ يقف أمامه كالخيال نعم فضوء الحجرة خافت جداً ، و لا ضوء إلا من فتحة باب الحجرة ، و نصفها يسده هذا الشئ الذي يقف أمامه .
فإذا به يمد يده من تحت غطائه و يُشير لهذا الشئ ” بأن إنصرف ”
و لكن الشئ الذي أمامه يُصر على طلبه و يُشير إلى فمه .
فبدأ صوته يعلو و يرتجف ” إنصصرررفف “
ثم يعود ذلك الخيال و يرفع يده على فمه .

فعندما شعُر إنه مستيقظ و إن هذا الشئ حقيقة و لا يُريد الإنصراف فمد يده الأخرى من تحت الغطاء ، و أيقظ زوجته بهزات متتالية فقامت مفزوعة من سُباتها .
و إلتفتت إلى باب الحجرة و إذا بها تقول :
” عاوزة إيه يا هالة ”

فأشارت إلى فمها بعد أن هدأت أنفاسها المُتقطعة .
” عاوزة أشرب ” يا ماما
فنفض الغطاء من فوق رأسه و طار ورائها ” أبوكن “
من أين سيأتي النوم بعد الآن .

شروع في سعادة بقلم أماني العربي

بعد أن طال الغياب، وأخذني الشوق ، وكادت يقتلني القلق واللهفة ، تساءلت: تراها أين تكون الآن ؟! هل استطاعت البُعد؟! فلم يُضْنها الغياب؟! وهل ما زالت صارمة حادة كعادتها أم تبدلت ؟!، هل وجدت من يتحمل عنادها وقسوتها غيري، ويعلم ما تخفيه تحت هذا الوجه الحاد من نعومة فتاكة بقلوب كل من يقترب منها ؟!، لقد مر دهر لم نفترق، تقاسمنا الحلو والمر على مدار سنوات طوال، كانت نعم الرفيقة، لا أحتاج معها لتلميحات، أو إبداء أعذار، أو اصطناع مجاملات كاذبة ،لم أشعر مطلقا بأننا بعيدان، حتى ولو فرقتنا المسافات المملة ، دوما ما نختزل المسافات، ونتعانق بشغف وود، ونسترق من الزمان لحظات السعادة المخبأة بين طيات قطعة “شيكوليت موس” التي نعشقها كلانا ،ونكاد نذوب فيها ونتلاشى ، هي التي شاركتني أفراحي وأتراحي ،وكم شحذت أنا هِمَّتها في لحظات الفتور والضعف ، افتقدتها ….و افتقدت عناق الأيدي كنوع من العهد على خطة جديدة، أو الشروع في سعادة، أو اللقاء على مائدة طعام .. افتقدتها وبحثت في كل مكان عسى أن أرى طرفها حتى وإن تعذر الوصول وتباعد المأمول ..
تلك السكين التي اعتادتها يدي عمرا !!..حقا ياللفقد وياللمفقودة !!

مشاركتي في القصة القصيرة

” نظرة حائرة “يسري ربيع داوود

    شق صياحُ الديكة سكونَ الفجر ، البيت كله أصبح في حالة حركة بعد الصلاة ،  أمي تجهز حقيبة ملابس لوالدي تكفي يومين لا أكثر ، بينما أبي على حصيرٍ في دهليز البيت يعبث في مسبحته ويحدق في سكون مطبق ، أبصرته من خارج الباب الرئيسي للبيت عبر نافذته يلقي على جدران البيت وغرفه ونوافذه نظراتٍ عجيبة، كأنه يودع البيت الصغير الذي يعتبر محصلة تعبه طوال أعوامه الستين، يمسح دمعة انحدرت على خطوط وجهه وتجاعيده، بدا جسده نحيلًا من أثر تعبه المتواصل في السنتين الأخيرتين، قام من مقعده وتحرك خطوات إلى الغرفة المقابلة ، تحركت قبالته ، رأيته يطبع قبلة على جبين أختي الوحيدة ذات السنوات الخمس ، خرج من الغرفة يترنح، يبدو عليه آثر التعب والمرض فبدا  شاحبًا كأن قلبه يلفظ أنفاسه قبل أن تبدأ يد الطبيب في علاجه . 

من الخارج علا صوت عمي الأصغر :
_ تعجل يا حج ، نريد ان نصل إلى المعهد قبل الظهر.
سمعت تنهيدة أمي من غرفتها، تدعو من قلبها :
يارب.. ليس لنا غيره، يارب عجل شفاه لأجل خاطر بنته الصغيرة. يارب لأجل حبيبك النبي اجعل الشفاء من نصيبه وقسمته.. يارب رده إلينا معافًى سليما.
خرجتْ لتساعد أبي.. ينظر إليها بانكسار، يبدو أبي لأول مرة محطمًا .. أفلت ذراعه منها بيسرٍ، لم يحب أبي أن يسنده أحد، فلم يعرف الضعف طيلة عمره.. ينظر إليها.. طالت النظرة، ومع دمعة رقراقة قطع الصمت بدعائه :
استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
تحركت السيارة أشار لأمي إشارة مسافر، فهوت أمي على ركبتيها ، بدأ البيت يصغر شيئا فشيئا.. المصباح الأصفر على باب البيت يتماهى مع أنوار الشوارع.. ذاب البيت في الملكوت حتى تلاشى ، ودعت نظرات أبي الحانية كل شيءٍ في الحي، لم تنس نظراته حتى طوارق الليل من كلاب الحي وقططه … وعندما وصلنا إلى المستشفى في قلب المدينة كان الوقت قد قارب الظهيرة، طلب أبي أن نصلي قبل الصعود إلى الطبيب.
بعد الصلاة دارت عيني في المصلى، لم أجده، خرجت مسرعًا تسبقني دقاتُ قلبي الذي يأبى بعنفوان أن يبقى مستقرًا في مكانه… تذكرت وأنا في تخبطي أنه لم يتكلم معنا طول الطريق.. كانت ردوده علينا مقتضبة.. انشغل الوقت كله بتمتمات.. علمنا أنه يذكر الله ويدعوه تارة، وتارةً أخرى يذكر بصورة واضحة اسم أختي ” ليلى “.. . كان ينظر إليَّ.. عينه تطلب مني طلبات كثيرًا ما كان يرددها علي :
_ أمك يا بني ليس لها غيرك.. لا تدعها وحدها في معمعتها.. أختك ما زالت صغيرة فارعها وحافظ عليها ؛ ” ليلى” كعودٍ أخضر يحتاج من يسهر عليها .. اترك اللهو واللعب وانتبه لمذاكرتك.. أفق يا بني من غفلتك .
حفظت كلامه من كثرة ترديده على مسامعي، تذكرت يوم أن تململت من كثرته فربَّتَ على كتفي بحنان .. قال لي يومها :
_ يوما ما ستعي كلامي عندما يسقط عمود البيت!
لم أعِ قوله، رغم أنني أعرف مقصده.. تذكرت ذلك فجأة فخرجت اتكفأ.. سمعت هرجًا ومرجًا في الخارج، شققت الصفوف لأجد عمي يحمله على صدره.. تتساقط سيولُ الدموعِ على وجهه.. وما أن تلاقت نظراتُنا الحائرة أدركت قول أبي ..
“لا تترك امك وحدها، واترك اللهو واللعب وحافظ على ليلى”

مشاركة الأستاذة نفيسة سليمان

بعبارات مقتضبه حاولت إنهاء حديثها معي ، تغمض عينيها باستمرار،، بحجة أن الشمس تؤذيهما، لأن أشعة الشمس مسلطة عليهما ، وفي لحظات متباعده كنت اختلس النظر إلي عينيها، فأجدهما مشبعتان بالعبرات المحبوسة،،
ورغم أن السجان أطلق سراح دموعها،، إلا انها تأبى أن تنال حريتها.
مددت يدي اصافح يدها الباردة المرتجفة،، وما أن لمست يدها يدي حتى شعُرَت بدفئها،، فقبضت عليها بقوتها، وكأنها تحاول إنتزاع دفئها،، لكنها شعرت إني تألمت، فأرخت قبضتها،، محاولة الهروب.
سألتها : كيف أنتي؟
أجابت بمرارة: الحمد لله بخير.
كنت قد عرفت إنها تزوجت منذ سنوات.
سألتها:
هل لديك أولاد؟
جاء ردها بصوت يملؤه الألم:
لااا
تمنيت تلك اللحظة أني لم اسألها ذلك السؤال.
حاولت تغير الحديث بيننا :
(إنتِ عارفه احنا ما شفناش بعض من إمتى؟)
فالت: فاكرة.
سألتها: هل عندك حساب علي الفيس؟
أجابت: ومين مش عنده.
أخذت منها إسم الصفحة،،سجلتها عندي، وواعدتها أن نتواصل بإذن الله.
ودعتها علي أن يكون بيننا لقاء آخر.
عدت إلى منزلي، كنت في شوق أن أدخل صفحة صديقتي، على الفيس . وجدت كل منشوراتها، تطلب الدعاء لها أن يرزقها الذرية الصالحة ،،
وعرفت أنها أكثر من مرة كانت حامل،،ولكن قبل الولادة،، يموت الجنين.
هنا أدركت كم الحزن الذي بدى عليها ، لأنها حُرمت من نعمة الأمومة.
وهي الآن حامل وسيكون ذلك الحمل هو الفرصة الاخيرة لها .
لتكون أُم.

قصة قصيرة ” حجازى”بقلم منصور عبد المقصود


سيد فى قومه ذو قوة وشكيمة… فارس مقدام موصوف بالحكمة والكياثة.. تزوج من فتاة من عائلة تمنى الكثيرون أن ينتسبوا لشرفها فانجب منها حامد… وحمد احب اطفاله حبا شديدا وساوى بينهم فى كل شيئ بل انه وصى الكبير حامد على ان يرعى اخاه الصغير وان يتخذه اخا وصديقا وان يعتبره ابنه الكبير…. كان حمد هو الطفل المدلل لأمه وكان حامد أقرب الشبه بأبيه نشأ الأبناء على دماثة الأخلاق والحب والرجولة احب كل منهم الآخر . كان كل منهم يخشى على اخيه أكثر من خوفه على نفسه… تزوجا من اختين فانجبت… زوجة حامد 10 من الأبناء أما حمد فقد اكتفت زوجته بطفل وحيد… ربى حامد اطفاله على الفروسية فكانوا صناديد لم يجهلوا يوما على أحد كانوا محبين للخير ومدافعين عن الحق.. ولم يكن ابن حمد أقل منهم شجاعة ونصرة الحق… مات الوالد الكبير حجازى … طلب حمد من أخيه أن يعطيه حقه من أرض ومال أبيه…
حامد لم يرفض لكنه خوفا من أن يغضب ربه استقطع من حقه وأعطاه لأخاه الصغير واكتفى بما تراضى عليه مع اخاه… … اكتشف حمد وهو يزرع أرضه… كنز فاستخرجه وأصبح بسببه أغنى أغنياء البلدة
هجم اللصوص على أرضه.. فكافح وقاتل حتى كاد أن يموت هو وابنه لولا وقفة أخاه وأبناءه.. الذين صدوا هجوم اللصوص على أرض عمهم…
كانت وقفة أبناء أخيه بجواره…. رسالة إلى اللصوص أنكم لن تستطيعوا شيء..
طلب حمد من أخيه وأبناءه حمايته… فلم يرفضوا حمايته…قال حمد لأخيه…. اخى ان اللصوص اتوا من جانب البحر ولولا أبناؤك لكنت وولدى قتيلان… فشكرا لك وشكرا لجميع ولدك… لكن دعنى امنحهم هدية هم يستحقونها… قال حامد لن يقبلون هديتك… هم لم يقفوا معك إلا لأنك على الحق وهم لن يقبلوا ثمنا لنصرة الحق.. حتى ولو كان صاحب الحق هو عمهم….. استدعى حمد أبناء أخيه ليشكرهم بنفسه
… قال لهم أهديكم بهذه القطعة من أرضى هدية لكم كل ما أرجوه هو أن تحافظوا عليها… والا ياتينى اللصوص من ناحيتكم… فهى الجهة الوحدة التى لن أستطيع حمايتها… وأطلب منكم حمايتها…. هى ليست ثمنا لحمايتى من اللصوص لكنها ثمنا لحمايتكم الأرض والعرض…. لم يرض اللصوص عن ما حدث لهم… فاعادوا الكرة مرة أخرى استبسل أبناء الأخ فى الزود عن الأرض حتى مات أحدهم… بكى الجميع على موته.. لكن اللصوص لم يكتفوا بقتل أحدهم أرادوا كل شيئ… فأعادوا الكرة مرة ثانية وثالثة وفى كل مرة يسقط قتيل من الأشقاء حتى مات منهم خمسة دفاعا عن الأرض والعرض لكنهم دافعوا عن الأرض بكل جسارة واستبسال… وبقى العم حمد وابنه فى أمن وسكينة وأمان حتى مات حمد… وترك ابنا وحيدا تزوج كثيرا من النساء كان المال هو كل ما يبتغيه..
تذكر ابن حمد قطعة الأرض التى منحها اباه أبناء عمه… خاطبهم… .وطالبهم بان يعيدوا له ارض ابيه…. قالوا انها ارضنا مات اخواننا دفاعا عنها…. بل ان من حاول ان يكر عليها تم دفنه فيها… نحن نعلم بكل حبة تراب بها فقط اختلطت بدم اخوتنا الذين كانوا يدافعون عنك وعن عرضك وعن مالك.. أرسل لعمه أرضى ولو لم تتركوها….. فساقاتلكم عليها….. جمع الأب أبناءه وأمرهم أن يردوا الأرض إلى ابن عمهم… فلا ينبغى ان تتسبب قطعة من الأرض فى قيام حربا بين الأشقاء…..
منصور عبد المقصود

قصة قصيرة جدا ” تَرَقُّب ” بسن قلم حسين_الجندي

جلسا حول مِنضدةٍ في النادي…
ابنهما الوحيد أخيرا على وصول ، ينتظرانه بعد سنين من العقوق!
نظرا إلى النيل تكاد تمتزج دموعهما بمياهه!
خلفهما في القاعة يصدح الغناء، لم يبدُ عليهما الفرح ولا الانزعاج!
فقط ينتظرانه!
رن الهاتف برقمه، تلقفه الأب بلهفة وبيد مرتعشة وضعه على أذنه التي لا تسمع، أدرك ذلك،غيرَّه إلى الأخرى بعد أن ضغط على زر السماعة …
سمعا جلبة وصياحا!
لم يكن هو المتحدث!
جملة واحدة مقتضبة لكن حروفها كلها وصلت!
سقط منه الهاتف أرضا، انكسر، وانكسر معه أملهما الأخير فيه…
لقد غادر!
تلفت إليها بشفقة، وجدها هي الأخرى…….
قد غادرت!

انا والوسواس قصة قصيرة بقلمً شيماء شافعى

إستيقظ متأخرا كعادته،بعدما ملأ ضجيج منبه هاتفهه أرجاءالغرفة ،وهو غارق فى سبات عميق ،وبعد ساعة من تكرار نغمة التنبيه فتح عينيه ببطأ وتحسس نظارته الطبية من فوق المنضدة بجانب الفراش،وارتدى نظارته وبدأ رحلته اليومية مع صديقه الذى يلازمه منذ الطفولة،مع الوسواس القهرى،
بدأ برحلته فى المرحاض ،وأمامه ساعة وضعها لكى تشعره بالوقت،لكنه شارد ولا ينظر إليها ،عقارب الساعة تتحرك وتتحرك وهو سارح فى أفكار مشتتة ،الوقت يمر وهو لم ينتهى بعد،
وأخيراً أمسك بالصابونة ويفركها بين يديه ويفركها ويفركها ،ويضع طبقة سميكة من الصابون على وجهه ويدلك يدلك يدلك،
عقارب الساعة تتحرك والوقت يمر وهو ينتهى بعد ،
ها هو الآن يلتقط فرشاة الأسنان ويضع عليها المعجون ،ويفرش أسنانه ويحركها فى فمه ويفرك أسنانه ،بشدة ويفرك ويفرك ،
الوقت يمر وهو لم ينتهى بعد،
توجهه إلى البانيو ،بدأ فى الاستحمام ،الليفة غارقة برغاوى صابون كثيفة وهو يفرك جسمه بها بشدة ،والوقت يمر،
الآن إنتهى من الاستحمام ،واستخدم المنشفة ،
الآن يفتح خزانة الملابس ويفكر أى قميص سيرتدى?
واخيرا يختار ثيابه،ويرتديها،ثم ينظر فى الساعة ويتسائل بتعجب (ياإلهى لقد مرت ساعتان منذ استيقاظى ،كيف هذا?!!!
هذا هو سؤاله الأزلى،الذى يعجز كل يوم عن إجابته ،
تعطيه زوجته علبة الإفطار ليأخذها وهو مسرع وغاضب من التأخير ،ويهرول سريعا ليركب سيارته
ويقود بسرعة كبيرة كى لا يتأخر على مواعيد عمله،ولكن للأسف يصل متأخر ،ليستمع إلى توبيخ مديره،وسخرية زملائه ،يقول فى سره(ماهذا ياربى?فليذهبوا الى الجحيم)
ثم يبدأ في عمله ،يراجع الأوراق مرة تلو الأخرى ،لا يستطيع أن يترك أى خطأ ولو بسيط فى أوراقه،
ولكن ميعاد تسليم الأوراق قد إقترب وهو لم ينتهى بعد،يلاحقه التوتر،يحاول أن يسرع لكن دون جدوى ،
الآن يطلبه المدير ويسأله عن الأوراق،
يرد مرتبكا(لم أنتهى بعد)
يرد المدير بتهكم(لابد أن تحترم مواعيد تسليم مهامك ،إلى متى سنحتمل تقصيرك فى عملك?)
خرج من مكتب المدير وهو يائس ،خرج فى الطريق هائم على وجهه،وذهب إلى منزله وأحضر الحاسوب ليبحث عن فرصة عمل خارج البلاد،
وأرسل سيرته الذاتية فى عدة وظائف،
وبعد أسبوع وصلت إليه رسالة من إحدى الشركات التى قام بالتقديم إليها لتخبره بموعد المقابلة الشخصية،
وذهب إلى المقابلة الشخصية وتم قبوله فى الوظيفة،وجهز أوراقه وسافر ،
وتوجهه الى مقر عمله وقابل مدير الشركة،وتحدث مع مديره بمنتهى الوضوح حين سأله عن عيوبه ومزاياه،
وقال (أنا بطىء ،موسوس ،أكرر مراجعة كل خطوة من خطوات حياتى ،والوقت يمر دون أن أشعر به،وأتأخر عن إنجاز اى شىء،
نظر له المدير بدهشة،فأعقب كلامه قائلا(ولكننى أستطيع أن اكتشف الأخطاء الصغيرة فى اى عمل اراجعه ولدى قوة ملاحظة عالية)
إبتسم المدير قائلا (ممتاز)
اندهش صاحبنا وقال (هل مازلت تريدنى فى شركتك)
قال المدير (يا عزيزى انا مؤمن بأن اختلافنا فى القدرات والطباع نعمة من الله اذما أحسنا توظيفها جيدا ،ولقد تفهمت وضعك جيدا ولن أحملك ضغوط لا طاقة لك بها،)
قال صاحبنا (كيف هذا?!)
قال المدير (سأعفيك من ضغوط الالتزام بمواعيد صارمة،فان تأخرت فى الصباح فلك الحق أن تكمل الوقت الذى تأخرته فى آخر النهار بعد إنصراف زملائك)
تبسم صاحبنا قائلا (حقا!!!)
قال المدير (نعم،وستكون مساعدى الشخصى،وسأوكل اليك مراجعة جميع أوراقى،فأنا مشغول بشدة ،وقد لا ألاحظ الأخطاء أثناء سرعة تنفيذ العمل،وانا كلى ثقة بأنك لن تخذلنى)
إبتسم صاحبنا وهو يطير فرحا(إطمئن ياسيدى،أعدك لن أخذلك أبدا،ولن أترك أى هفوة تمر من أمامى دون إصلاح)
صاحبنا الآن يعمل ولأول مرة يشعر بالإستماع بعمله ،لأول مرة يشعر بالثقة في نفسه،لأول مرة لا يشعر بالذنب وتأنيب الضمير،ولا يلوم نفسه ويصفها بالفشل،لقد وجد ضالته أخيرا،وجد العمل الذى يناسب قدراته،لقد كان مديره كمصباح نور أضاء له ظلمة ليل معتم كئيب ،ليرى فيه جوهرته المدفونة النادرة ويخرجها للوجود،ليحرره من قيود الشعور باليأس والفشل،لينطلق الى عالم جديد يحترم قدراته ويروضها لتثمر ثمار إيجابية،
السنين تمر وصاحبنا ناجح وتعلم كل شىءمن مديره الذى إعتبره مثل والده،وجاء اليوم الذى تقاعد فيه المدير ،ليستلم صاحبنا منصب المدير،
ليصبح مدير هذه الشركة الكبيرة شخص مصاب بالوسواس،
وفكر صاحبنا فى تعيين مساعد له ،مساعد يمتلك الصفات التى يفتقرها هو فى نفسه،وهى السرعة والالتزام بالمواعيد ،فأختار شخص سريع،ملتزم بمواعيده ،ليتولى الأمور فى غيابه،ويقابل العملاء فى الموعد المحدد،وهكذا إستمرت الشركة فى النجاح،
لقد خلقنا الله تعالى مختلفين،وجعل لكل منا مزايا وعيوب،فهنيئا لمن أبصره الله بمواطن قوته من بين ثنايا الضعف والسلبية ،
لا يوجد احد فينا خلق فاشل،ولكن هناك من لم يستطع إكتشاف قدراته وبالتالى لم يستخدمها ،فأدى ذلك إلى الفشل،
وانا اشكر الله واشكر مديرى الذى أضاء لى ظلام نفسى وأهدانى الأمل،وسأحاول أن أفعل الشىء ذاته مع موظفينى،ليعملوا فى مناخ يتقبل عيوبهم وينمى مزاياهم،ويستفيد منها،ليكلل فى النهاية مجهوهم بالنجاح

تحياتي،،اليوم يوم القصة ” الجانب الآخر من النهر ” بقلم محمد كمال سالم.

كاد النهار أن ينتصفَ ، والبلدةُ العتيقةٌ يفوحُ ثراها بعبقِ التاريخِ ،ماهى بقريةٍ وماهى بمدينةٍ، حانوتُ قديمٌ أظنُ أنه ليسَ له بابٌ، جاءت سيدةٌ من بعيدٍ تقصده، بيضاءٌ شرقيةٌ فى عباءتها وحجابها الذى ما استطاع أن يواري بديعَ حُسنِها.
على كتفيها شالٌ، تحمل فوق أحدهما خُرج تئن بحمله الثقيل ،بينما تسحبُ فى يدها الأخرى طفلةً دونَ الرابعة هي نسخةٌ مصغرةٌ من أمها،،
ألقت بخرجِها على جانبِ مدخلِ الحانوتِ ووقفتْ تنتظرُ أن يفرغَ البائعُ من رجُل يحادثه، لكن البائعَ يتخطَّى الرجلَ ويعاجلها:

  • ماذا تريدين يا امرأة ؟ قالت :
  • أريد أن أبتاعَ صنفين من عندك دأبَ زوجى أن يشتريهما من هنا،
    الرجل يجابها طلبها بعد أن رفض مساومتها على تخفيض السعرِ الذى قالت: أنه مبالغٌ فى ثمنه وما كان زوجها أبدًا يشتريه بهذا الثمن.
    أخذ الرجل المبلغ ألذى يريدُ فى غلظةٍ وكأنها تتسوله بضاعته،
    وهمَّت بالخروجِ من الحانوتِ فإذا بالبائعِ الغليظِ ينهرُ الرجلَ الذى كان يحدثه قبل وصولها قائلاً فى حِده:
  • فيما وقوفك ألان؟ إنتهينا، انصرف ملأتم البلد بهمكم .
    يخرج الرجلُ خجلًا فى إثرِ المرأه التى رمقته من طرفٍ خفي فنظرَ إليها لحظةً يتأملها ثم اتجه إليها فى إندفاعٍ حذرٍ وقال فى تأدب :
  • دعيني أحملُ عنكِ الطفلة أو هذا الخُرج ،
    قالت:
  • لا يبدو عليك أنك بحمَّالٍ وليس معى أجرة ما تحمله عنى .
  • لستُ بحمال يا سيدتى و لا أريدُ أجرة، فلتكن ما كانوا يطلقون عليه ( المروءة )
    فناولته خرجها وهى تقولُ :
  • أرجو ألا تكون مروءتك خدعةً كأيامنا تلك.
    ما أن يتناولها منها ويهَم أن يدافعَ عن مروءته حتى سمع أزيزَ طائراتٍ منخفضٍ، علمَ بفطنته أنهم قد قرروا ضربَ هذه البلدةِ أيضًا،فركض نحوها مندفعاً وجذبها سريعًا نحو أقربِ عربةٍ لبائعٍ جوالٍ وجرها وطفلتها قبلها تحتها فى نفس اللحظة التى ألقت فيها الطائراتُ حمولتَها المتفجرة.
    أصبح المكان في بضع ثوان وكأنه قطعةُ من جحيم، راح يهديء من روع الطفلة الصغيرة ويهدهدها من صراخها ويهدئ من روعِ المرأه التى كادت تموت رُعبًا،تتناثر الشظايا القاتله حولهم وكذلك أجساد الضحايا، مرت بضعُ دقائقَ بعدها انتهى القصف ،خرجا من تحت العربة يتحسسان موضعهما فى حذر فإذا بالطريقِ قد دُمر عن أخرِه، يبدو أنه لم يبق أحياء حولهم اللهم إلا من بعض الناجين مثلهم ،وهمهماتٍ وأنينٍ وصرخاتٍ مكتومةٍ تصدرُ من بعيدٍ، فأسرعَ وهو مازال يحمل الصغيره بين يديه يتفقد الضحايا آملًا أن يجدَ بينهم من يستطيعُ إنقاذه ولكنهم كانوا جميعا صرعى.
    أخذت المرأه المذعورةُ تبكي وتحثُه على الخروجِ من هذا الجحيم ،يعود للعربةِ التى اختبأوا تحتها، أخذ يقلب على الارض ماتبقى من بضاعتها التالفه ثم يضع عليها خُرج المرأه وصغيرتها ويجرها. ويجدان في السير إلى خارجَ البلدة.
    يسألها:
  • إلى أين تذهبين ؟
    تقول :
  • إلى الجانب الآخر من النهر.
    تملكته دهشة من إجابتها ولكنه قال :
  • وأين زوجك.؟ لِمَ لم ْ يعفكِ مشقة هذا الأمر؟
  • زوجي مات فى قصفٍ مثل هذا ،أخذ يلهث تحت وطأةِ حِملِه الذى يجرُّه ويقول :
  • إذاً سأدعك عند بداية الجسر وتعبرين أنتِ وإبنتك، قالت:
  • هل تنتهي مروءتُك عند الجسر ؟
    -.بل تنتهي حياتى إذا عبرت الجسر!!
    تتوقف وقد أفجعتها كلماته ،وقالت:
  • ماذا يعنى ما قلت ؟!
  • يعنى ما سمعتِ أنا هارب من حتفي من حيث اتيتِ أنتِ.
  • مجرمُ إذاً أنت، هارب من العداله ؟! يقف للحظه يرمُقها فى غضب ويقول :
  • عن أى عدالةٍ تتحدثين ؟! لستُ بمجرمٍ جريمتى هى ،هى، ولكن لا طائل ولا وقت للخوض فى هذا، هلمى كاد النهارَ أن ينتهي ، خطواتٌ ونبلغُ النهر وتفارقي هذا المجرمَ الخطيرَ .
    قالت معتذره :
  • لا أقصدُ هذا لولا شهامتك ،يعلم الله، لكنت وابنتي صريعتين الآن، سامحنى،،، يقول :
  • لا عليك ها قد بلغنا النهرَ ،،ولكن ،ولكن!! ما هذا الجسر ؟. لقد قصفتْ الطائراتُ الجسرَ.
    لطمت المرأه وجهها وافترشتْ الأرض تندبُ حظهَا وضياع قوتَ عيالها الذى حملها أن تعبر النهرَ من أجله وأن بلدتهم فقيرةً قد دمرت مواردها تحتَ قصفِ العدو المتصل .
    يضع الرجلُ كلتا يديه فوق رأسه يدور حولَ نفسه يفكر ماذا عساه أن يفعل ،فكر مليًا ،ثم قطع نحيبَ المرأه قائلا :
  • هونى عليكِ سأعبرُ بك النهرَ وليكن ما يكون. نظرت فى دهشةٍ كيف ؟!
  • سنسير بمحازاة النهر الى أن نصلَ البلدة المجاورةَ ثم نعبرَ جسرها.. أظنهم لم يقصفوها .
  • وحياتك ؟! ألاتخشى عليها!!
  • إن جريمتي قد اقترفها كل الرافضين هناك ،فليجرِ عليَّ ما يجري عليهم ،هلم بنا، دخل الليل ضعى شالك على الطفله فطريقنا طويل، قالت:
  • أوأسير معك فى هذا الليل وحدي.؟
    قال دون أن يلتفت إليها
  • لا يقدرُ الشيطانُ أن يشاركنا أو يتحمل أن يخوضَ معنا هذا الطريق .
    وضعت ْيدها فى خُرجها وناولته رغيف خبزٍ، فتناوله ، وهو يقول :
  • لست جائعاً، وكان قد أكله بالفعل ، وراح يجر العربه وفوقها الطفله والمرأه تتبعه منهكة وسألته:
  • أنت في مقتبل شبابك، لم هانت عليك حياتك ؟!
    قال:
  • لو أن لي إمرأةٌ مثلك أو طفلةٌ جميلةٌ كطفلتك لربما جبُنت وحرصتُ علي حياتي، سألته محاولةً أن تغير مجرى الحديث:
  • وفيم كان ينهرك صاحب الحانوت الفظ هناك ؟ أكنت تسأله شيئًا ؟! قال وهو يجدُ السير :
  • نعم كنت أسأله عملًا أقتات منه فى تشريدي هنا.
    وطال سيرهما طويلًا وروعهما الليل وأرهقهما السفر ،ولما وصلا، وعلى ضوء القمر وجدا جدارًا عالياً من السلك الشائك عليه لافتة اجتهد حتى قرأها فى الظلام:
  • ( لا تتعدوا حدودكم.. خطر،،،، حقل ألغام )

” موجة صقيع ” بقلم محمود حمدون

====

حديثها إليّ من طرف واحد , تتكلم هي وأنصت أنا , تنساب كلماتها ببطء إلي أذني قالئلة : لم أرك منذ يومين كاملين , أظنها فترة قليلة , لعل مشغوليات أخذتني بعيدًا عنك , فلمّا التقيتك الآن و أقسم وأنت تعلم أنّي لا أميل للحلف والقسم , وجدت شيخًا, يمتلئ وجهه بالتجاعيد , أخاديد حفرها الزمن بقسوة , أنكرتك لوهلة , ثم سألت نفسي : تُرى كيف يتغيّر المرء هكذا بسرعة , ينتقل من مرح الشباب لمرحلة الفناء دون إعلان أو تمهيد ؟!

آلمني أن أنظرك هكذا , زاد من ألمي أنك كنت شارد اللب , غائب بفكرك عنّي , بل لعلك لم تع الطريق وما يحويه من عثرات ومطبات كثيرة ..

ثم نظرت عبر النافذة وهمست : تبدو ليّ ” سيزيف ” من نوع خاص , يدمن معاقبة نفسه وجلد ذاته كل فترة , كأنك تكره أن تكون سعيدًا , فتنكص على عقبيك , تُقبل بصدر رحب على كل ما يؤرقك ..

تحاشيت النظر لها , لكنها راوغتني حتى انتبهت ثم باغتتني بعبارة : لطالما عرفت أشكالًا عديدة من البشر , من طباع ومشارب كثيرة لكنّك بينهم شخص غريب في كل شيء , صمتك الدائم يؤرقني , حتى صخبك المفاجئ ومرحك غير المعهود ينبئني أن وراء ذلك عاصفة قريبة ستحلّ في الأفق , وما بين صخبك وصمتك , يعذّبني غموضك.

كنت أستمع لها , أزن كل حرف تنطق به , ترن كلماتها في أذني , لعلي استغربت وقع مفرداتها كأني أسمعها لأول مرة , كانت تحدّثني ويأتيني صوتها من جُب عميق أو يفرق بيني وبينها بحر سوداء مياهه .. لكنّي أفقت على حديثها عندما هزّت كتفي برفق , سألتني : ما بك ؟

قلت لها : عجيبة تلك الليلة الصيفية , الجو بالخارج خانق الرطوبة والحرارة , بينما تستقر بداخلي موجة من صقيع تأبى أن تغادرني !!

قصة قصيرة


ممنوع الدخول تأليف صبري الصبري



في الصباح الباكر اضطررت للذهاب لإدارة الري مع جاري للإبلاغ عن ماسورة ري تعمد مقاول رصف الطريق عدم تركيبها أمام حقل جاري ، مما سيؤدي إلى تبوير الأرض الزراعية وحرمانها من ماء الترعة , وكان جاري قد طلب مني الذهاب معه بسيارتي الخاصة فأجبته إلى طلبه برغم مشاغلي , وذلك لأن مهندس الري ربما يكون زميلاً لي في الدراسة الجامعية أو لأنني في اعتقاد جاري أستطيع عرض المشكلة بصورة أفضل أمام المسئولين أو لكل تلك الأسباب مجتمعة .

غادرنا القرية إلى إدارة الري وسألت عن المسئول عن تلك المشكلة فعرفت أنها لدى مهندس الري المسئول عن المنطقة ، وأن مكتبه في الدور الثاني , صعدت إلى مكتب مهندس الري فوجدت أمام المكتب فلاحين كثيرين يريدون مقابلته , وشاهدت حاجباً طويل القامة يرتدي جلباباً واسعا وطاقية صوف وقد سد الباب بمنكبيه ، ممسكاً بالمقبض الخارجي للباب صائحاً : ممنوع الدخول !!

قلت له في هدوء : أريد مقابلة المهندس ، فقال في برود : وكل هؤلاء يريدون مقابلة البيه المهندس .

لم أكن أعرف أن المهندس الذي أريد أن أقابله أصبح “بيه ” ولكني الآن أدركت أن كل مهندس ري بيه كبير ، وعرفت السبب دون مشقة , فهؤلاء الفلاحون متعطشون لمقابلة سعادة البيه .

جلست على مقعد خشبي وسط الفلاحين أنتظر البيه المهندس كي يسمح لنا بالدخول , وشاهدت ذات اللقاء الأول لكل قادم يريد مقابلة البيه المهندس والحاجب الطويل يصيح في وجهة : ممنوع الدخول !!

مرت دقائق طويلة قبل أن يفتح الحاجب الباب ويغلقه سريعاً , فقلت في نفسي : ربما يعقد مهندس الري اجتماعاً هاماً لترتيب أمور الري بالمركز , وآثرت الصمت والهدوء قبل أن أسأل الحاجب: ماذا يفعل البيه المهندس ؟!

صاح الحاجب في وجهي : البيه المهندس بيفطر أصله ما تعشاش يا ولداه !! البيه بيفطر يا سيدي إتفضل اقعد مكانك , البيه ما تعشاش امبارح يا ولداه جلست متعاطفاً مع سعادة البيه الذي لم يتناول طعام العشاء البارحة , والآن هو يتناول طعام الإفطار , دون أن يتناول طعام العشاء بالأمس !.

ازدادت أعداد المنتظرين أمام باب سعادة البيه المهندس فوقفت صائحاً في الحاجب قائلاً له في غيظ : أريد الدخول الآن لابد أن البيه انتهى من تناول الطعام .

لم أنتظر الإجابة من الحاجب الطويل ، ودفعت الباب ودخلت مكتب المهندس فوجدت بقايا الفول والطعمية على مكتبه فقلت له : كان الله في عونك يا باشمهندس، لم تتناول طعام العشاء بالأمس ، والآن تتناول طعام الإفطار وسط هذا الضجيج أمام باب مكتبك !!

تناول (القلة) من شباك المكتب البحري وشرب قبل أن يقول لي :

مشاكل هؤلاء الفلاحين لا تنتهي .

قلت له : يا با شمهندس أنت هنا كي تحل تلك المشاكل .

قال لي : ما هي مشكلتك أنت ؟!

قلت له : مشكلتي أن جاري له أرض زراعية لن تجد ماء الري نظراً لأن المقاول لم يضع ماسورة الري بالطريق قبل أن يرصفه .

قال : إذاً المشكلة مع إدارة الطرق وليس مع إدارة الري .

قلت : المشكلة مشتركة بينكما يا باشمهندس .

قال في برود : إذاً نبحث لها كلنا عن حل .

طلب مني الانتظار معه في المكتب قليلاً حتى يستعرض بعض مشاكل الفلاحين الواقفين خارج المكتب .

ثم طلب من الحاجب إدخال الفلاحين فرداً فرداً ، فدخل الفلاح الأول واشتكى أن نوبة الري لا تصله وأنه لا يجد الماء الكافي لري أرضه الزراعية , ودخل الفلاح الثاني فاشتكى من تعنت مسئول القنطرة وتحكمه في مواعيد الري حسب هواه ومصلحته, واستمع إلى الفلاح الثالث يشتكي من نقص منسوب الماء في الترعة الفرعية .

مرت ساعتان وهو يصغي إلى شكوى الفلاحين قبل أن يأمر الحاجب من جديد بإغلاق باب المكتب وقال لي : ألم أقل لك إن مشاكل الفلاحين لا تنتهي .

عندما علم مهندس الري أن معي سيارتي الخاصة قال لي : سأصحبك في جولة على طول الطريق الذي فيه مشكلة جارك لترى أنها مشكلة عامة .

ما هي إلا لحظات حتى انطلقت بسيارتي ومهندس الري بجواري وخلفنا عمال الري التابعين لإدارة الري في سيارة نصف نقل تابعة للإدارة ، وعرجنا في ذهابنا للقرية على قرية مجاورة عاين فيها مهندس الري شكوى نزاع على أرض متاخمة لنهاية الترعة التي تقع بدايتها في قريتنا , وتجمهر الناس وكاد أن يقع اشتباك بين الفريقين المتنازعين على قطعة أرض تمتلكها إدارة الري ويطمع فيها جيرانها من ناحيتين مختلفتين , خشيت على نفسي وعلى السيارة وتمنيت أن أغادر المنطقة على عجل حتى لا تحدث صدامات وشيكة , وبعد وقت قصير عاد مهندس الري وغادرنا القرية الواقعة في مصب الترعة إلى قريتنا الواقعة في منبع الترعة , وأثناء السير أخذ المهندس في حصر مآخذ الري الواجب تنفيذها على الترعة ، وقبل وصولنا إلى حدود المأخذ الذي ذهبت أنا وجاري إلى إدارة الري من أجله قابلنا مقاول الطريق الذي أخبرنا أنه ليس لديه تعميد من أحد بتنفيذ ذلك , قلت لمهندس الري : كيف يستلم مقاول الطريق هذا الطريق دون تعميده بتنفيذ مواسير الري قبل تنفيذ الرصف . صمت مهندس الري وأيقن أنه مسئول ضمن المسئولين عن هذا الخطأ , طلبت منه ضرورة مقابلة مسئول إدارة الطرق والاتفاق معه على صيغة عاجلة لتعميد مقاول الطرق بوضع مواسير الري في جسم الطريق قبل رصفه .

وعدني بعمل ذلك قبل أن ينزل من سيارتي ويركب السيارة النصف نقل التابعة لإدارة الري ، وسمعته ينهر عمال الري على أخذهم عطايا من الفلاحين الواقفين أمام الحقول منتظرين تركيب مواسير الري بعد إيهامهم أنهم جاءوا لتركيبها مستغلين لهفة الفلاحين لري حقولهم . مرت أسابيع قبل أن أعود إلى القرية وما إن شاهدني جاري حتى هرع إلي قائلاً : لم يتم تركيب الماسورة .

شخصت إلى الأرض الزراعية العطشى وتأملت النباتات المتلهفة إلى الماء العذب , وتذكرت حاجب البيه المهندس الواقف أمام مكتبه في إدارة الري وهو يصيح : ممنوع الدخول !! البيه بيفطر !! أصله ما تعشاش إمبارح يا ولداه !!

الاختبار بقلم دلال أديب

أتراه حلماً كان؟؟
أم هو كابوس؟؟
ياالهي ماذا ترى عيناي؟؟
كان ضوء القمر تلك الليلة يملأ المكان والنجوم تناثرت في كبد السماء تساعد القمر في اضاءة ساحة الدار..
نعم انها دار نستخدمها كمركز صحي في تلك القرية النائيه حيث جاء تعيني لأمضي سنتين من خدمتي في الريف قبل تعيني في العاصمه؛ انها القوانين…
كل ماأذكره من تلك الليلة المشؤومة بأحداثها الجميلة بأجوائها.
أن ليلتي كانت صيفية لطيفة.
فالليل بالصيف يكون منعشاً بنسيماته الرقيقه التي تداعب العيون لتقاوم النوم.
وفجأة شق صمت الليل صراخ وأصوات تعالت في الدار..وعلى مقعد الانتظار اجساد منهكة تصرخ وتستغيث من شدة الالم..
نهضت مسرعاً ألملم نفسي وأهرع لانقاذ مااستطيع انقاذه.
هيا أسرعوا!! صرخت بمن معي جهزو غرفة الانعاش، للاسف انها الغرفه الوحيدة في ذلك المشفى الصغير العاجز عن تقديم أي من الخدمات..
وعادت تساؤلاتي ياالهي من أين اتى لهؤلاء الناس هذا الوباء وهي البعيدة عن كل شي..
كل المؤشرات تؤكد أنها الكورونا اللعينه أصابتهم..
كيف اجتاحها الوباء لأعلم فيما بعد أن احدهم قد وصل من السفر.وكما جرت العادة ان القادم من السفر تجتمع في مضافته أهل القرية فيتبادلون الاحاديث للاطمئنان عن احواله
ومعرفه أخبار الجميع..
لكن نسي الجميع توصيات الصحه العامه وجلسوا معا
يأكلون ويشربون ولم تمض عدة أيام حتى بدأت تظهر عليهم بعض الاعراض
فقد كان صديقنا القادم حاملا الفيروس وهو لايدري
واشتد الوضع سوءا فمعظم من أصابهم الوباء هم من كبار السن فلم تتحمل اجسادهم ضراوة ذلك الفيروس الذي ان دخل الجسد أنهكهه..
على ذلك المعقد جلس طالعت عيني صدره يعلو ويهبط وكأنه مع كل شهقة وزفرة يقول للحياة لاتهربي مني فأنا لم اكمل مهمتي بعد..
في عقدة الخمسين..قوي البنيه
مليء الصدر الا من هواء بات يستجدي دخوله لصدره اقتربت منه واضعا جهاز التنفس الاصطناعي له وعيونه تستجديني أن أساعده وأمده بالحياة..وارتد بصري عنه حسيرا وانهالت دموعي لهول مارأيت..
وبدأت الاعداد بازدياد..
ياالهي ماذا عساي أفعل وامكانياتنا لاتكفي لانقاذ الجميع؟؟؟
ياالهي ماهذا الامتحان الذي أنا فيه؟؟انه الاختبار الاصعب والاسوأ في حياتي
ويح قلبي مما أرى!!!
وكدت انهار بينهم وأقع على الارض… ان تهاويت فقد خسر الجميع حياتهم..وفجأة استحضرني قول نبينا الكريم:”انما الصبر عند الصدمة الاولى”
نعم انها صدمة ومن العيار الثقيل..
وتمسكتُ بحبال الصبر وبدأت..
وعلا صوت المؤذن لصلاة الفجر “الله أكبر”


أنجزها تقديرا للاجداد الذين قضوا بسبب فيروس كوفيد_19 فيما لم يستطع أحفادهم بسبب اجراءات العزل الصحي أن يقولوا لهم:

وداعاً

قصة قصيرة -كتبت مرڤت البربري سُبُل


خرجت من منزلي مهموما شاعرًا بضياع الدين، بعدما رأيت على صفحات الافتراضي جريمة تحرش ، ورأيت جدلا أثار حفيظتي ، هناك من يدافع عن الفتيات المتحرش بهن ، وهناك من يدافع عن المتحرش ، لم أعبر عن رأيي كي لا أقابل بالهجوم، فمن وجهة نظري أرى أن الفتيات هن سبب كل بلاء ، عندما كنت أسير في الطرقات هونا، أراقب السابلة في فحص شامل لمظاهر التدين الواضحة في ملابس المحتشمات، تُسبِح الفضيلة مع وقع خطواتهن، وتسجد العفة لطهارتهن، وغيرهن من يقتات الفجور على براءتهن، يصرخ بالزينة على وجوه (العا… )نعم أنعتهن بهذا الوصف فمن تسير كاشفة لمفاتنها فهي كما ذكرت، حلقت حول نافذة ذهني فكرة .. سوف تخدم الدين ومن بعدها (ستتحجب) النساء الكاسيات العاريات، سأمزق عبث حبائل الشيطان، سأجبرهن على الاحتشام فالأمر أصبح مستفِزًا منفِرًا ،فقد صدقت جدتي(البنت إما جبرها أو قبرها).
سأعلِّم كل ديوث كيف يمنع بناته من الخروج إلا بالزي الشرعي، ها هي أولى تلميذاتي،
سأمنحها نظرات تفيض باللّذة، عيناي ستسرح على مفاتنها ، سأفجعها برؤية الشهوة تحلق حولها كالغربان من عينيَّ، ملأت
رئتيِّ بنشوة الانتصار عندما حاوَلتْ لملمة صدرها العاري بطرف ثوبها، كانت تلميذتي التالية ترتدي شالا فوق رأسها ومفاتنها تصرخ من تحت سروالها الضيق، بربك يا بنت (الك…) أتعتبرين هذا (حجابا)..سأعلمك كيف وماذا ترتدين، سرت بجوارها وكأنني لا أقصد لمست جسدها، ثم التفتتُ إليها بعدما انتفضت مذعورة من لمستي، وبنظرة شهوانية قلت : لا تلومين يدي التي وجدت جسدك يناديها فلبَت، قهقهتُ وسرتُ في طريقي بعد أن قام الناس بإكمال الدرس بدلا عني ، يالسعادتي لقد أفاق الناس من غيبوبتهم وستتعلم هذه أن ملابسها ستُعرضَها للأذى، ها هي الثالثة أرى ملابسها محتشمة ولكنها تضع أحمر شفاة، لا تضع كثير من الأصباغ على وجهها، ولكنني إن تركتها ربما غدا تكون (كالبلياتشو )ملطخة وجهها بالأصباغ،،
هذه سأكتفي بمنحها درسا بسيطا، بنظرة امتعاض رمقتها و بصقتُ على الأرض ، تابعت ذلك بسباب يجعلها تفهم أن زينتها مكانها المنزل..
كنت في السابق أدندن أغنياتي الدينية ممزوجة بحشرجة حسرات عالقة تمنع استمتاعي بمعانيها أما الآن فلسوف أغنيها رافعا هامة انتصاري لتصل إلى عنان سماء.. مجموعة نحن الشباب كانوا يتابعون دروسي فراقتهم، حملوني فوق الأعناق هاتفين بمبادئي، الآن الآن صرتُ صاحب رسالة ولي مريدين يوافقوني الرأي، هناك على الجانب الأيسر من الطريق رأيت شابا منفلتا يتحرش بفتاة منتقبة ، ويتوعدها إن هي تمسكت بهذا الزيّ ، ويهددها بمتابعة أزاها إن رمقها (بالحجاب )، جالت عيناها مرتعدة تستجدي ملاذا ، انطلقت إليها عابرا الطريق …

قدر ومكتوب..بقلم ……منى الشوربجى

بعد مابتحلى الحياة لفترة ..لغاية مابيقدر الانسان يستعيد قوته ويفوق لمفاجأته ..ويشوف جمال الروح وحلو الذكريات..بتتشابك الايدين وبيجلى صدا الماضى وتتجلى بحاضر يضوى فى سما اﻷمل متﻷﻷة بها أحلى النجمات ..يحسوا هنا أن وقت رجوعهم ولقائهم تأخر كتييييير ولكن مع إرهاصات الحب اللى علقت قلوبهم حاولوا إنهم يتحرروا من الواقع بتاعهم المرسوم ويعيشوا فى أحلامهم ولو ﻷيام ..وتكررت اﻷحلام وعاشوا الاتنين يحلموا..رجعت الصدمة وافتكروا أن لكل واحد فيهم كان نصيب وعاشه خلاص فى الدنيا..لكن ظهر تانى بصيص أمل من بعييييد ..طرف منهم شاف منام وقام سعيد وفرحان أوى ؛ ولما حكى منامه لحبيبه فرح معاه وحلموا تانى سوا إن الحياة ممكن تتفتح لهم ويكملوا وأكيد كل اﻷمور هتعدى وهتتظبط وهيتصلح حالهم ؛ وأخيرا هيعيشوا …قال المنام “ان الحبيب اللى طلع من المية ربنا كتب له الفرح فى بيت محبوبته اللى كانوا فى الوقت ده بيبنوا لهم أوضة فيه عشان يعيشوا فيها وكان أخوها فى الفرح والكل سعيد ومتهنى ولما كتبوا الكتاب وعلوا الجواب صحى وفرحان وفرح الدنيا كلها ……..”
فجأة …ماتت الحبيبة واتضح ان المنام كان ليها نهاية ؛ واﻷوضة اللى كانت فى رؤية الحبيب هى مدفنها وأخوها واقف بياخد عزاها……..واتقلبت السعادة لحزن مرير وألم كتيييير ..رجع الحبيب باكى لحاله ساب الحياة ورجع نط فى البحر من تانى ..لكن أيها الحبيب ؛ الحياة قدر ومكتوب ومحدش بيعرف يغير قدره اللى إتكتب ……
راحت سنين فاتت ؛ وماتت سنين جاية

عَـــوْدَة بقلم القاصة دكتورة وفاء الحكيم


حدث أنْ تمرَّ بك فترةُ صمتٍ…. لا مزيد من الكلام لا مزيد من الشعور..لا مزيد من الأشخاص .
(دوستوفسكي)
عدتُ إلى البيتِ بعدَ عدةِ ساعاتٍ أمضيتها واقفا في قسم الشرطة دخلتُ البيتَ أرجفُ صمتا ، خلعتُ حذائي ،أمسكته بيدي ولم أدرِ في أي الأمكنة أضعه- فقد كنت متخما بحيرةٍ خانقةٍ-فقذفتُه لا مباليا فسقطتْ كل فردة منه في اتجاه بعيدة عن الأخرى. دخلتُ الحمامَ وبي رغبةٌ أن أستحم لكنّ رغبة مساوية ومعاكسة جعلتني أركن تماما لرائحةِ العرقِ المالحةِ التي اجتاحت جسدي . دخلت المطبخ ، وشربتُ زجاجةَ ماءٍ مثلجٍ بأكملها لكني رغم ذلك لم أُحِس بأنني ارتويتُ وقفتُ أمامَ اللهبِ لأصنع لنفسي فنجاناً من القهوة وأنا أحاول بهدوء استعادة غموض ما حدث !!كان منظراً بشعا وحادثا أليما حيث كنا في الصباح وسط الزحام مثلي مثل الآلاف من البشر مهرولين صامتين صوب أعمالنا لا نلوي عن شيء عندما استوقف رجلٌ رجلاً آخر ظلَّ يحادثه ثم فجأة طعنَهُ عدةَ طعناتٍ فأرداه قتيلاً وغطَّتْ الدماءُ الغزيرةُ الأرضَ لكن القاتلَ لم يحاولْ الهربَ بل إنه قد أعطى هاتفه لأحدِ الواقفين ليقومَ بإبلاغِ الشرطةِ.. !!! كنت كالآخرين لا أعرفُ القاتلَ ولا القتيلَ ولكنَّ الشرطةَ حين جاءت أخذتنا جميعا شهودا على الواقعة وقامت باستجوابنا جميعا ..!! كانت إجاباتُنا واحدة وكلنا أكَّدَ بأننا لا نعرف القاتلَ ولا القتيلَ وأنَّ وجهَ أيٍّ منهما لم يكن مألوفا لنا ولم نَرَهُمَا من قبل ولا نعرفُ السببَ الحقيقيّ وراءَ الحادثِ كما أكدنا جميعا أنَّ الزحامَ الشديدَ هو السببُ الوحيدُ الذي أعاق حركتَنا وحالَ بيننا وبين تركنا للمكان . أمسكتُ بفنجانِ القهوةِ ووقفتُ في الشرفة أنظر للشارع كانت الحافلات تسيرُ في اتجاهاتٍ عدةٍ متعاكسةٍ بينما على تخوم الأرصفة أطفالٌ يئنُّون من وجع الخطواتِ رحتُ أرتشفُ ببطءِ محاولاً إقناع نفسي أنَّ كلَّ شيءٍ على ما يرام والأمر لا يعدو أنْ يكونَ سوء حظ جعلني بالصدفة أحدَ شهودَ هذهِ الواقعةِ . وقبل أن أنتهي من فنجان القهوة كان هناك على مددِ البصرِ رجل يمشي يُشبُه القتيلَ تماما ، نفس العينين والحاجبين والجرح الغائِر أسفلَ الذقنِ خُيِّلَ إلىَّ أنني أتوهم من أثرِ الإرهاقِ والتعبِ سوى أنه أشاَرَ لي من بعيد وظل يضحكُ ويلوِّحُ لي بيديه ويناديني باسمي فتركتُ الشرفةَ والبيتَ ونزلتُ مسرعا أعدو وراءَهُ حافيَ القدمين .

دفء البرد ..قصة قصيرة بقلم محمد عبد المجيد الصاوي


لن أمتثل لوصايا أمي ..
فأنا لي حرية لا تعرف الحدود ، لي كيان سيكون له مع التمرد وقفات .. سأسير في شوارع المدينة بما يحلو لي ، ولتلك التي تنكبت صراط حبي الويل والثبور .

كان قد أنهى حمامه الساخن ، ليشعر بدفء مغاير عما اعتاده ، نظر من نافذته في الطابق العاشر المطل على مدينة لا تعرف غير القسوة لمن جاءها راغبا بنعمائها .. انتشى بتيار الهواء الذي زلزله .

رذاذ من المطر يسّاقط على رأسه الذي لا تزال رطوبة الحمام الساخن تعشش فيه ، انطلق متجردا من كثيف الثياب التي كانت تتراكم على جسده النحيف .. فقط قميص وسترة شفيفة .
رعود ثائرة تضج في المدينة .. وشمس أبت في يومها هذا إلا أن تخلد لراحة تستعيد بعدها على أهل المدينة تجلياتها .

قفزت أمامه صور لبلدته التي تنام طويلا وتصحو في آذار .. عبق الأتربة المبللة بماء السماء .. أمه المسكينة التي آوت إليها حزنها وأبناءها ومرارات الفقر ..
طعام الغداء الريفي الذي يشتاقه كما يشتاق سلوى ..
ليالي الشتاء في بلدة يعرف أهلها الطيبون معاني القداسة ..

يسير في الحي الشهير في حالة تقاسم فيها الحب والحنين روحه التي يكتشفها الآن ، ويعرف معها وللمرة الأولى للحياة لذة تدب في أوصاله لتنعشه وتدفئه ..
هذا الحي الذي جاءه باحثا عن المجد بعد أن أمضى في بلاد الغربة أعواما وسنينا عاد لموطنه وقد حصل على درجة علمية مرموقة في تخصص يفتح له آفاق التنقل للوصول لما يستحق .

لاحت له تلك الفتاة التي ارتبط بها لنصف عام ، لتبدو له أتفه من أن يلتفت لذكرياته معها ..
سأركلها كما ركلت فقري وهواني .. سأبني مهد دفئي من جديد .. سأحصنه بكل الجدر التي لا ينفد برد العمر إليها .

رائحة الكباب التي تنبعث دعته لأن يلج المطعم الكبير .. يلتهم وجبته بسرعة وعجالة .. ضحكة ما .. إنها سلوى !!!
ابنة خاله الغضة مع صويحباتها ..
هو قدر إذن ..
ودع خوفك الرعديد ..
تقدم ..
وابثث الحب قصيدة آن لها أن يكتحل شوقها ..

أشعل سيجارته وكأنها المنقذ له .. نفثها بقوة تخفف من دفقات قلبه المجنون ..
غادر المطعم وواصل سيره في المدينة ..

وقد علته ابتسامة المنتصر .. التي أوحت له بها ابتسامتها ..

تمرد بقلم مها الخواجه

كلما اقتربت منه سمعت صوت أنينه ، أكاد أشعر به
يرتعد خوفا وقلقا مني ، تصم أذناي أصوات صرير رفوفه ،
يكاد ينطق قائلا:- جاءت معذبتي .
لكن ما ذنبي ؟!
فأنا عاشقة للموضة وتثير شهيتي الملابس والاكسسوارات ، الحقائب والأحذية.
كلما سنحت لي الفرصة لاقتناء المزيد ، أنهل منها
ما استطعت.
اليوم عدت محملة بما طالته يداي ، وقفت أمامه
أرتب الأرفف والشماعات ، أتأمل مقتنياتي الثمينة.
لاحظت أنني أمتلك الكثير منها ،
حتى أن معظمها لم أرتديه يوما ، مع ذلك أثقل
كاهله بها ،
أثناء وقوفي أمامه ، شعرت به يزمجر ويستشيط غضبا ، تراجعت خطوة ؛ فإذا به ينهار فوقي ،
قاذفا ما بجوفه بوجهي.
………..

يوم القصة القصيرة …حقيبة سفري “من احداث حياتي الخاصة “بقلم لينا نجم

عندما غادرت وطني حاولت جاهدةً ان لا اضع عيني في عين والدتي التي اصطحبتني الى المطار مع والدي …لم اذرف يومها ولا دمعة واحدة وكنت ابدو متماسكة واتصنع الضحكات هنا وهناك فقط من اجل ان لا ارى دموع امي والحزن القابع في حدقة عين ابي …والدي يُتقن البكاء ولايراه عيباً يعيب الرجل بل يراه انسياباً طبيعياً للمشاعر حين تضيق بها الصدور والقلوب !!!!!
ذالك الصوت المكبَر عشرات المرات الذي يضج به المطار كل دقيقة ..كان يدق في اوتار قلبي المهترئة ليعزف لحن الوداع الاخير ( النداء الاخير …الرجاء من السادة الركاب التوجه الى الطائرة ) …امي تتفحص ماخبأته لي من مأكولات في شنطتي حيناً وتتفحص وجهي حيناً اخر …هي تريد الهروب من شئ ٍ ما اعرفه انا وهي …انتبهي للمثلجات ضعيها في الثلاجة فور وصولك …الكيس الاحمر فيه اغراض لخالك وخالتك لاتنسي ذلك ( حاضر ) ….عند وصولك ابعدي القهوة عن باقي البهارات لكي لاتعشق الرائحة ( حاضر ) …
ماذا بعد يا امي !!!!؟؟؟؟؟ رافقتك السلامة يابنتي انتبهي لنفسك كثيرا …قبلت يديها وجبينها وادرت ظهري بسرعة البرق …امي تعرف لماذا ادرت ظهري فوراً لذلك هي لم تنادي علي بعدها !!!!! امي كانت تعرف انني كنت اغرق في بحر دموعي ولكنها لاتريد ان تراها ….
بدأت الطائرة بالهبوط التدريجي في مطار برلين ….ومعها بدأ العد التنازلي للفرح في قلبي وانا لا ادري مالذي ينتظرني …الكل ينتظر الحقائب وهي تدور واحدة تلو الاخرى وعيونهم تدور مع كل حقيبة تمر …مرت كل الحقائب الا حقيبتي !!!!!
حقيبة سفري تعني لي الكثير …هي لاتحمل اغراضي فقط ..هي تحمل طفولتي وذكرياتي وحنان جدتي ودفئ مشاعر ابي وضحكات اخواتي ولمة العائلة …هي البقية الباقية من عمري …
حقيبة سفري كانت التابوت الذي دفنت فيه عمري ….لن اغادر هذا المكان قبل ان اجدها ….الكل حمل حقائبه وغادر الا انا ..ظللت انتظر العشرين عاماً من عمري …وعادت لي حقيبتي ولكن للاسف العشرون عاماً لم يعودوا بل ظلوا تائهين في حنايا وتلابيب دماغي وقلبي ….الى متى ؟ لا ادري !!!!!!



وهكذا كانت أعمال المبدعين في يوم القصة مع تحيات جريدة على باب مصر

التعليقات مغلقة.