” ٱخر رعدة ” خاطرة قصصية بقلم/ فادية حسون
” ٱخر رعدة ” خاطرة قصصية بقلم/ فادية حسون
إحداهنّ تطرقُ بابي بإصرار ..
من تراها تكون في هذا الجو الماطر ؟
لابدً أنها ( ميرفت) الجارة الأقرب لبيتي وقلبي معا ..
رغم أنها تعرف مواقيت استيقاظي المتأخر ، لكنها تصرّ دائما على كسر روتيني .. بل وكسر هيبتي المزعومة أيضا .. ربما لأنها تعلم جيدا مقدار مالديها من هوامش صفحٍ وسماح في قلبي تجاهها .. هي أكثر شخص يحاول استفزازي وإغضابي .. والغريب أنها تسعد كثيرا حين يتحقق مطلبها وأغضب ..
أما غضبي فلايتعدى دقائق معدودة وأكبر أسبابه أن يخرق أحدهم قوانين حياتي .. كأن يرفع أحدهم ستارة النافذة المطلة على الشارع .. أو أن يساعدني أحد بأي عملٍ مطبخيٍّ دون غسل يديه .. أو أن يغيروا هوية القهوة وهم يفرغونها في كأس الشاي بدلا من الفنجان فيفقدونها مذاقها .. والأهم على الإطلاق هو عدم الالتزام بالمواعيد ..
كل ذلك تحاول أن تفعله ميرفت كل يوم .. هي ليست فوضوية ..لكنها تحب أن تشاكسني وتعشق استفزازي لتُخرجَ من داخلي تلك الذبذبات الصباحية التي تسعدها فتضحك وهي تلقم دلة القهوة بملعقتين إضافيتين من البن بالرغم من أنها تعلم أنني لاأحب القهوة ( ثقيلة القوام ) ، ولاأحبها مع الرغوة لأنني ببساطة لاأحب الفقاعات … هكذا هي ميرفت تحب العبث بمزاجيتي لا لشيء.. فقط لأنها تحب أن ترى هذا الجانب مني وتقول لي بالٱخر ( عم نهز الورد )
في الوقت الذي أكون فيه قد جهزتُ طاولتي المتواضعة مع بعض الرتوش والإضافات التي أعشق ، وأهمها المذياع الأثري القديم ..
كانت الأبخرة المتصاعدة من فنجاني كفيلة بإبادة كل كوابيس الليلة الماضية .. وتحفًزني على لم شمل جاراتي الأخريات ليشاركنني هذه المتعة الصباحية مع رنين القطرات ..
اجتمعنا حقا .. وتشاركنا القهوة والأحاديث اللطيفة التي كنا نقطعها كل عدة دقائق ونحن نتمتم بعيون رامشة وجذوع منحنية : ( سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ) ..
لكن ٱخر رعدة كانت قوية لدرجة أنها أجلستني في السرير مذعورة .. هي لم تكن رعدة .. بل كان طرقا متواصلا على الباب .. يبدو أن الطارق قد ضاق ذرعا بالانتظار .. نهضتُ بسرعة .. سترت رأسي بغطاء الصلاة .. فتحت الباب .. وإذ به رجلٌ طويل القامة يلبس سترة مطرية مبللة وقفازات سميكة وقبعة أبانت القليل من وجهه ( إنه ساعي البريد المسؤول عن إيصال الطلبات أو كما يسمونها هنا الكارغو ) .. سألني هل هنا بيت فلان ؟ ..
قلت له بامتعاض : لا ليس هو ..
فاعتذر بلباقة مصطنعة ثم قفل راجعا ..
أغلقتُ الباب .. ثم فركتُ عينيّ .. نظرتُ في أنحاء المنزل فأدركتُ على الفور أنني في استنبول العجيبة .. حيث لاجارة تستأنس بها …ولاقلوب تمدك بالدفء الذي تنشد ..
مججتُ لعاب حسرتي وأنا جالسة في أزقة مخيلتي أبكي على أطلال فنجان قهوة بنكهة الغوالي و الأحباب ..
صباح الناس الطيبين
التعليقات مغلقة.