72 عامًا على نكبة التهجير ونكبة التجهيل.. وتستمر التغريبة الفلسطينية
د.حاتم كريزم
7 عقودٍ وعامان، هي عمر النكبة الفلسطينية، يوم شُرد شعب بأكمله؛ قتل وذبح على أيدي العصابات الصهيونية، ليقام كيان الاحتلال على أنقاض فلسطين.
72 عامًا ولا يزال الاحتلال يمارس أبشع جرائم القتل والإرهاب والتطهير ضد أبناء شعبنا الفلسطيني؛ في القدس التي تتعرض للتهويد، في غزة التي تقتل بسهام الحصار والعدوان، في الضفة التي تسلب أراضيها ليل نهار بالاستيطان، وتهدد بالضم، في الشتات الذي يعاني الفلسطينيون فيه نار البعد والتغريبة.
كما تأتي ذكرى ضياع فلسطين الأليمة، في وقت علا فيه موج التطبيع مع كيان الاحتلال، وأصبحت فيه فكرة التعايش مع العدو الاحتلالي قابلة للنقاش على قنوات عربية، وأصبح الفلسطيني فيه عدوًّا يُهاجَم في البرامج التلفزيونية والمسلسلات الدرامية.
وشكلت نكبة فلسطين 1948 محطة سوداء في التاريخ الحديث للشعب الفلسطيني، فمن ناحية تم طردهم من وطنهم وأرضهم وجردوا من أملاكهم وبيوتهم.
ومن جهة ثانية شردوا في بقاع الأرض لمواجهة جميع أصناف المعاناة والويلات وتسببت في تحويل مئات آلاف الفلسطينيين إلى لاجئين، وعشرات الآلاف إلى مهجرين في وطنهم ممن يرون بلداتهم وأراضيهم، وأحيانا منازلهم، وهم يحرمون منها.
ورغم تشريد أكثر من 800 ألف من أبناء شعبنا من وطنهم ومنعهم من العودة إليه، ورغم اقتراف جريمة التطهير العرقي التي ارتكبت خلالها العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة، ودمرت أكثر من 531 قرية ومدينة بالكامل، إلا أن شعبنا مصمم على البقاء في أرضه حيث بلغ إجمالي تعداده في العالم مع نهاية 2019 حوالي 13.4 مليون نسمة، ما يشير إلى تضاعف عدد الفلسطينيين أكثر من 9 مرات منذ نكبة 1948، أكثر من نصفهم (6.48 مليون) نسمة في فلسطين التاريخية (1.57 مليون في المناطق المحتلة عام 1948).
حين تصبح النكبة نكبتان نكبة التهجير ونكبة التجهيل …. لا زلت أذكر في طفولتي ذلك التاريخ المهم، حين كانت تخط على الجدران شعارات تحمل اسم النكبة مضافًا إليها رقم من أرقام معاناتنا التي تزداد في كل وقت وحين، فأذكر أول رقم رأيته مضافا لهذه الكلمة قليلة الحروف كثيرة الحتوف كان يحمل الرقم 48!
بقيت تلك الشعارات تُكتب كل عام مع ازدياد الرقم، وتُحيى الذكرى على الجدران وإذاعات المدارس، دونما أن تحمل في ثورة معلوماتية تهب على الأدمغة الكسولة، ووسط دوي الشعارات الرنانة التي تؤكد العودة ولا زالت تلك العبارات تكتب حتى يومنا هذا فمن شعار “العودة حق كالشمس ” إلى شعار ” لكيلا ننسى ” إلى شعار ” عائدون ” وغيرها من الشعارات التي باتت مستهلكة في سوق الشعارات.
امتدت الأيام وظهر جيل بعد جيل وبقيت ذكرى النكبة لا تحمل في طياتها أسلوبًا إبداعيًا في إيصال صورة إرهاصات ذلك الحدث الأسوأ في تاريخ القضية الفلسطينية بعد سقوط الخلافة العثمانية، صورة توضح أبعاد تلك النكبة وتشرح وتفصل حيثياتها، فما أشبه اليوم بالبارحة إذ توالت علينا نكبات أشد وطأة ، لكن دونما أن تترك أثر كتلك النكبة التي تحاول حتى اللحظة تجديد النكبات على فلسطين حتى ينسوا نكبتهم الأولى، انفصامهم الجبري الأول عن أرضهم ومزارعهم وبياراتهم؛ نكبةٌ تمنع الصياد من ممارسة صيده، وتحرم المزارع من استغلال أرضه، وتفصل الفلسطيني عن هويته.
وفي الحقيقة إن مفهوم النكبة رغم تردُّده كل عام إلا أني لم أستقِ من موردٍ ثقافيٍّ ما يشبع من معلومات حول هذا المفهوم وأظن أن مثلي الكثير الكثير، فلا تزال مصطلحات كثيرة تمر على أجيال بأكملها ترددها في موطن معين، دون أن تكون على وعي منها ماذا تعني تلك المصطلحات أو المعاني، وهذا ما قصدته بنكبة التجهيل، التي نشأت بقصد مدبر من الاحتلال ومُرِّرت علينا بغير قصد من حولنا.
لم أستطع أن أقف على معنى النكبة الكامل إلا حينما كبرت وبدأت أبحث على الشبكة العنكبوتية وبعض الكتب، وكلما ازددت بحثًا بشكل متواضع لأستقي بعض المعلومات، وصلت لنتيجة أن بعض الكتب وبعض المواقع على الشبكة تشاركان بنكبتنا عبر نكبة تجهيلية قديمة جديدة.
أصبحت ذكرى النكبة جزء من مناسباتنا السنوية، فلا زال شعبنا ينتكب كل يوم نكبة جديدة، في الوقت الذي نرفع فيه شعارات العودة، وعلى الخط الموازي نرسخ الشعارات الاستسلامية في أذهان أجيالنا جيلًا بعد جيل، حتى أنك فيما لو ذكرت كلمة ” اليهود أو سلطة الاحتلال أو الكيان الغاصب” كبديل عن لفظة إسرائيل اتهمك البعض بالانتماءات الممنوعة التي ترفع تلك الشعارات، ولم يعلموا أن عودتهم ستكون يوم إزالة نكبتنا المعلوماتية حول قضية النكبة ومحو آثارها.
في حين أننا نرسخ المفاهيم الاستسلامية، ندعو أشقاءنا العرب إلى عدم التطبيع مع الاحتلال، فنستخدم في دعوتنا كلمة التطبيع التي روَّج لها الاحتلال، فما حقيقة التطبيع سوى الاستسلام، إذ من المفترض أن نستخدم مصطلحاتنا نحن بدعوة الدول العربية إلى عدم توقيع تفاهمات أو اتفاقيات استسلامية بدل استخدام كلمة (التطبيع) ، فلقد بتنا نُعَوِّد أنفسنا وأبناءنا جيلًا بعد جيل، ونقوم بدورٍ أسوأ من دعواتنا تلك، عبر غسيل الأدمغة التي تلقَّيناه من كل شيء حولنا أثر في ثقافتنا المضمحلة.
فمن نكبة التهجير إلى نكبة التجهيل نكبات متتالية لن تزال الأولى حتى نرفع عوالقها من أذهاننا وصولًا للنكبة الأخيرة.
لقد باتت العودة عن نكبتنا المعرفية أمرًا مقدورا عليه فيما لو قارنَّاه بنكبة التهجير، إذ أن نكبتنا المعرفية لا تتطلب سوى تخطيط مدروس لأجيال قادمة لمحو هذا الجهل الذي عمدت مؤسسات عدة بقصد أو بغير قصد لعقد اتفاقه بين سلطة الاحتلال وعقولنا الباطنة.
حاجتنا لسلاح العلم هي أساس انتصارنا على نكبتنا المعرفية، وعينا لما يدور حولنا، وقراءتنا للتاريخ، وقبل ذلك كله عودتنا لكتاب الله وسنة نبينا، فتلك عوامل لا تحتاج الجهد الجهيد كي نسعى في تحقيقها، فمن اليوم لا يستخدم منا المصطلحات التي وضعها الغرب لنا كـ ” الشرق الأوسط “؟! ومن منا لا يشير لإخواننا في عرب ال48 بـ ” عرب إسرائيل “؟!، فهل من العسير علينا أن نستبدل مسمياتهم بمسمياتنا فنكون جاهدناهم في حربهم الثقاف
التعليقات مغلقة.