في جهاد الصحابة.. الحلقة الرابعة والثمانون.. أبو ذر الغفاري.. قال “تعفف..”(2)
في جهاد الصحابة..
الحلقة الرابعة والثمانون.. أبو ذر الغفاري.. قال “تعفف..”(2)
بقلم/ مجدي سالم
ثالثا.. بقية.. في إسلام إبي ذر الغفاري.. في رواية أخرى..
- روى مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: خرجنا من قومنا غفار.. أنا وأخي أُنيس وأُمنا.. فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة.. فاكفني حتى آتيك.. قال: فانطلق فراث عليَّ.. ثم أتاني.. فقلت: ما حبسك؟ قال: لقيت رجلًا يزعم أن الله أرسله على دينك.. فقلت: ما يقول الناس له؟
قال: يقولون: إنه شاعر وساحر وكاهن.. وكان أنيس شاعرًا.. فقال: قد سمعت قول الكهان.. فما يقول بقولهم.. وقد وضعت قوله على أقراء الشعر.. فوالله ما يلتئم لسان أحد أنه شعر.. والله إنه لصادق.. وإنهم لكاذبون.. فقلت له: هل أنت كافيَّ حتى أنطلق فأنظر؟ قال: نعم.. فكُن من أهل مكة على حذر.. فإنهم قد شنفوا له.. وتجهموا له.. قال: فانطلقت حتى قدمت مكة.. فتضعَّفت رجلًا منهم.. فقلت: أين هذا الرجل الذي تدعونه الصابئ؟ قال: فأشار إلي.. قال: الصابئ.. فمال أهل الوادي علي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشيًا علي.. فارتفعت حين ارتفعت.. كأني نُصب أحمر فأتيت زمزم فشربت من مائها.. وغسلت عني الدم.. فدخلت بين الكعبة وأستارها.. فلبثت به وما لي طعام إلا ماء زمزم.. فسمنت حتى تكسرت عُكن بطني.. وما وجدت على كبدي سخفة جوع.. - فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان.. فضرب الله على أصمخة أهل مكة.. فما يطوف بالبيت غير امرأتين.. فأتتا علي.. وهما تدعوان إساف ونائلة.. قال: فقلت: أنكحوا أحدهما الآخر.. فما ثناهما ذلك.. فأتتا علي.. فقلت: وهن مثل الخشبة.. غير أني لم أكن.. فانطلقتا تولولان.. وتقولان: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا..
- قال: فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه.. وهما هابطان من الجبل.. فقال: “مَا لَكُمَا؟” قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها.. قالا: “مَا قَالَ لَكُمَا؟” قالتا: قال لنا كلمة تملأ الفم..
- فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وصاحبه حتى استلم الحجر.. فطاف بالبيت.. ثم صلى.. قال: فأتيته.. فكنت أول من حياه بتحية أهل الإسلام.. فقال: “عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ.. مِمَّنْ أَنْتَ؟” قلت: من غفار.. قال:
- فأهوى بيده فوضعها على جبهته.. فقلت في نفسي: كره أني انتميت إلى غفار.. فأردت أن آخذ بيده..
- فقذفني صاحبه.. وكان أعلم به مني.. قال: “مَتَى كُنْتَ هَاهُنَا؟” قلت: كنت ها هنا منذ ثلاثين من بين ليلة ويوم.. قال: “فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟” قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم.. فسمنت حتى تكسرت عكن بطني.. وما وجدت على كبدي سخفة جوع..
- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ.. وِإنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ”.. قال أبو بكر رضي الله عنه:
- ” ائذن لي يا رسول الله! في طعامه الليلة”.. ففعل.. فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم وانطلق أبو بكر رضي الله عنه وانطلقت معهما.. حتى فتح أبو بكر بابًا.. فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف.. فكان ذلك أول طعام أكلته بها.. فلبثت ما لبثت.. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- “إِنِّي قَدْ وُجِّهْتُ إِلَى أَرْضٍ ذَاتِ نَخْلٍ.. وَلَا أَحْسَبُهَا إِلَّا يَثْرِبَ.. فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ؟ لَعَلَّ اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ وَيَأْجُرَكَ فِيهِمْ؟”.. فانطلقت حتى أتيت أخي أنيسًا.. فقال لي: ما صنعت؟ قلت: إني صنعت أني أسلمت وصدقت..
- قال: فما بي رغبة عن دينك فإني قد أسلمت وصدقت.. ثم أتينا أمنا.. فقالت: فما بي رغبة عن دينكما.. فإني قد أسلمت وصدقت.. فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفارًا.. فأسلم بعضهم….. وكان يؤمهم خفاف بن إِيماء بن رحضة الغفاري.. وكان سيدهم يومئذ.. ثم قدمت قبيلة غفار على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة بعد أن ذهبت غزوة بدر.. وأحد.. كما تقدم..
رابعا.. في وصية النبي صلى الله عليه وسلم له (منقول).. فقد أوصاه النبي صلى الله عليه وسلم بالصدع بالحق.. روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: “أَمَرَنِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ: أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ.. وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ.. وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي.. وَلَا أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي.. وَأَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ.. وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَسْأَلَ أَحَدًا شَيْئًا.. وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا.. وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ.. وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا باللَّهِ.. فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ”.. وقد أوصاه النبي صلى الله عليه وسلم بالتعفف والصبر.. والبعد عن الفتن.. فروى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي ذر قال: “رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِمَارًا وَأَرْدَفَنِي خَلْفَهُ.. ثُمَّ قَالَ: “يَا أَبَا ذَرٍّ.. أَرَأَيْتَ إِنْ أَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ شَدِيدٌ لا تَسْتَطِيعَ أَنْ تَقُومَ مِنْ فِرَاشِكَ إِلَى مَسْجِدِكَ.. كَيْفَ تَصْنَعُ؟”
قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.. قَالَ: “تَعَفَّفْ”… نكمل غدا إن شاء الله..
التعليقات مغلقة.