وقفة تأمل مع البعوضة… محمد الدكرورى
وقفة تأمل مع البعوضه
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
إن التأمل في تصميم البعوضة البالغ التعقيد و الإتقان يدرك مدى عظمة ذكر الله للبعوضة في كتابه ومن دون أي استحياء ، ويدرك أيضا ًسبب اختيار البعوضة بالذات للرد على افتراءات أهل الضلال ، وهو يشعر قبل كل شيء بعظمة الخالق التي تتجلى في هذا المخلوق ، ولكن هل يتوقف إعجاز هذه الآية القرآنية عند هذه الحدود ؟
فاستخدام الضمير المؤنث في كلمة ( فوقها ) بحد ذاته إعجاز ، وذلك لأن الحقيقة الراسخة هي أن إناث البعوض هي فقط التي تمتص الدماء ، و هي لا تمتصه لكي تتغذى عليه فغذاء البعوض عامة هو خلاصة رحيق الأزهار ، ولكنها تمتصه لأن البويضات التي تحملها أنثى البعوض بحاجة الى بروتين لتكبر ، وهكذا يعدل القرآن باللفظ إلى صيغة تتفق مع الواقع قبل أن يكتشفها الزمان وتعاينها الأجيال .
وهل تصدق أن في هذه البعوضة جهاز رادار تتجه وهي في ظلمة الليل إلى الإنسان النائم على فراشه، من دون أن تخطئ الهدف، وهل تصدق أن في هذه البعوضة جهازاً لتحليل الدم، قد يعجبها دم هذا النائم، ولا يعجبها دم أخيه، فتعكف على الأول، وتترك الثاني .
وهل تصدقوا أن للبعوضة جهازاً لتمييع الدم، لأن لزوجة الدم لا تعينها على امتصاصه في المنطقة التي تلدغ بها، تفرز مادةً تميِّع بها الدم، وهل تصدق أن هذه البعوضة تملك جهازاً للتخدير، لأنها لو وقفت على جلدك، وغمست خرطومها في جلدك، وشعرت بها لقتلتها قبل أن تأخذ من دمك شيئاً، لكنها تخدر؟ .
إن كثيراً من الناس في هذه الأيام لا يهتم بصغائر الأمور ويهتم بالأمور العظيمة التي تقع بين عينيه مع أن في الصغائر آيات وعبر لأولى الألباب ولعل من آيات الله العظيمة التي ينكرها أو يجهلها كثيرُ من الناس تلكم الدابة الصغيرة التي خلقها الله سبحانه وتعالى وهى أصغر دابة يراها الإنسان بالعين المجردة ، وهى البعوضة .
فقال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ ) سورة البقرة .
وأسباب نزول هذه الآيه الكريمه وهو ، عن ابن عباس أن الله تعالى لما أنزل قوله ( إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ) وقوله عز وجل (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا ) قال المشركون أرأيتم أي شيء يصنع بهذا .
فأنزل الله عز وجل ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ) وروي عن الحسن وقتادة أن الله لما ذكر الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب بها المثل ضحك اليهود وقالوا : ما يشبه أن يكون هذا كلام الله ، فأنزل الله إن الله لا يستحيي الآية .
والوجه أن نجمع بين الروايتين ونبين ما انطوتا عليه بأن المشركين كانوا يفزعون إلى يهود يثرب في التشاور في شأن نبوءة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وخاصة بعد أن هاجر النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فيتلقون منهم صورا من الكيد والتشغيب فيكون قد تظاهر الفريقان على الطعن في بلاغة ضرب المثل بالعنكبوت والذباب .
فلما أنزل الله تعالى تمثيل المنافقين بالذي استوقد نارا وكان معظمهم من اليهود هاجت أحناقهم وضاق خناقهم فاختلفوا هذه المطاعن فقال كل فريق ما نسب إليه في إحدى الروايتين ونزلت الآية للرد على الفريقين ووضح الصبح لذي عينين .
وفسر العلماء أنه تعني كلمة ( فوق ) الزيادة في الحجم ، أي أن الله يضرب المثل بالبعوضة و بما هو أكبر منها حجما ً ، و إما أن تعني الزيادة في الوصف ، أي أن الله يضرب المثل بالبعوضة و بما هو أحقر و أدنى منها ، و لكن حديثا ًوبعد اختراع المجاهر الإلكترونية ، يتضح بأن هذه الكلمة عبارة عن ظرف مكان .
وذلك بعد اكتشاف الطفيليات و الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش على ظهرها ، فيصبح معنى الآية أن الله تعالى يضرب المثل بالبعوضة و بما يعيش فوقها من كائنات لا نبصرها بعيننا المجردة .
وإن في الإشارة الى و جود هذه الكائنات الحية إعجاز فمن كان يتخيل وجود مثل هذه الكائنات الحية في زمن الرسول عليه الصلاة و السلام ، و كيف يجرؤ أحد على ذلك وهي لا ترى إلا ّ بالمكروسكوب .
وإن وجود هذه الكائنات الحية الدقيقة على ظهر البعوضة ليس أمرا ًمميزا ًلها ، فهناك الكثير من الكائنات التي تشترك في هذا ، ولكن في الحقيقة إن البعوضة لا تحمل فقط البكتيريا والفيروسات كباقي الكائنات ، فهي تحمل الطفيليات التي هي أرقى رتبة ًمن البكتيريا والفيروسات ، وتعد أعقد منها بكثير ، حيث يعد البعوض من أشهر الكائنات التي تنقل هذه الطفيليات التي تصيب الإنسان و الحيوان ، والتي هي وراء العديد من الأوبئة التي فتكت بالملايين على مر التاريخ .
ومن منا يصدق أن في خرطوم البعوضة ست سكاكين، أربعة سكاكين تقطع جلد الذي تلسعه، وسكينان تلتئمان مع بعضهما بعضاً فتكونان أنبوباً حاد الأطراف يغرس في جسم الغلام، أربع سكاكين تقطع اللحم بها وأنبوب أساسه، سكينان ملتئمان يغرس في جسم الطفل كي يمتص دمه .
لكن بعد أن تطير يذهب التخدير فيشعر باللسعة فيضرب ضربة بلا فائدة تكون قد طارت، معها مواد مخدرة وجهاز رادار أساسه مستقبلات حرارية، وفي خرطومها ست سكاكين أربع لقطع اللحم، واثنتان لتكون أنبوباً لتمتص فيه الدم، ومعها مادة تميع الدم كي يجري في خرطومها الدقيق، ولها مائة عين وثلاثة قلوب، ولكل قلب أذينان وبطينان ودسامات قلب مركزي وقلب لكل جناح.
وإذا وقفت بعوضة على يدك تقتلها، ولا تشعر بشيء، وكأن شيئاً لم يحدث، لهوانها عليك، لا شأن لها، حتى أن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ” رواه الترمذى .
أنها بقدرة الله سبحانه وتعالى تشعر عندما تقف على أي جسم بسمكة ، وهل هذا الجسم جسم إنسان أو حيوان ، وهذه الدابة لها خرطوم تمتص به غذاءها من الدم ، وهذا الخرطوم مجوف من الداخل ولم يستطع العالم حتى الآن صنع إبرة خياطة مجوفة بهذا الحجم الدقيق .
فسبحان من خلقه بقدرته وعظمته ولعل الغريب في هذا أن الله ذكر هذه الدابة في أول القرآن في سورة البقرة ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } سورة البقرة .
فهذه الآيات تدلنا إلى أن جميع مخلوقات الله سبحانه من أصغرها إلى أكبرها هي آية دالة على استحقاق الله عز وجل للعبادة دون سواه ، وإن بدت هذه الحشرة تافهة فقد أودع الله سبحانه فيها من آياته وقدرته ما تتحير بها العقول .
فالله سبحانه وتعالى في هذه الآيات لا يستحي أن يضرب مثلاً بالبعوضة ، التي قد يعتبرها بعض الجهال مخلوقاً تافهاً ، لكن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً بها ، وذلك ليدلنا على آيات عظمة خلق البعوضة حتى نكتشف بديع صنع الله تبارك وتعالى في البعوض .
وهذه البعوضة إذا طارت ، سُمع لها طنين، ومعنى الطنين، أن عدد خفقان أجنحتها أربعة آلاف خفقةٍ في الثانية الواحدة، وأن لها ثلاثة قلوب ، قلبٌ مركزي، وقلبٌ لكل جناح، وأن في أرجلها محاجم، وأن في أرجلها مخالب، فإذا وقفت على سطحٍ خشن تستخدم المخالب، وإذا وقفت على سطحٍ أملس تستخدم .
وللبعوضة أكثر من مئة عين، وعيون البعوضة بالمجهر المكبر تشبه خلية النحل، وعندها مستقبلات حرارية واحد من الألف من درجة الحرارة تتحسسها البعوضة، وترى الشيء الحار بلون آخر، لذلك تتجه إلى جبين الصبي على فراشه دون أن تخطئه بفعل مستقبلات الحرارة التي زودت بها من قبل الله عز وجل .
وهذه المستقبلات تميز بين تطور حرارة يقل عن واحد بالألف من درجة الحرارة، وعندي صورة كيف أن البعوضة بهذه المستقبلات ترى الأشياء والألوان خاصة بحسب الحرارة، لذلك عبروا عن هذه الحقيقة بالرادار، تتجه إلى جبين الصبي.
فهذه الدابة الصغيرة لا يعلم شأنها وأهميتها إلا الله سبحانه وتعالى ، فذكرها في أول القرآن ، وكذلك ختم الله سبحانه وتعالى القرآن بما يخص الدواب أكبر دابة وهي الفيل : ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) والعجيب والغريب أن الدابتين لهما خرطوم ، ولكن شتان بين خرطوم البعوضة وخرطوم الفيل ، فسبحان من له الحكم والعلم ولا يطلع على علمه أحد .
ولقد تبين للناس في العصر الحديث أن هذه البعوضة الصغيرة الحجم لها أهمية كبرى ، فقامت الأبحاث والدراسات ، فأنشأت المعاهد في أنحاء أوروبا باسم البعوض ، لأن هذه الدابة تقتل ملايين الأشخاص سنوياً عن طريق انتقال مرض الملاريا ، وحمى الضنك وغيرهما .
ونذكر موقف البعوضه مع النمرود ، حينما سأل النمرود إبراهيم عليه السلام من ربك؟ فأجابه “ربي هو الذي خلق كل شيء وهو الذي يحيي ويميت”، فرد عليه النمرود قائلا: أنا الذي أحيي وأميت، فرد عليه إبراهيم عليه السلام وقال له: إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتي بها من المغرب .
فحينها شعر النمرود بالعجز والذل، وزاد تمردا وطغيانا، إلا أن الله عز وجل حاربه بشيء بسيط جدا وهو البعوض ، حيث أمر الله عز وجل أن تدخل بعوضة من أنفه إلى دماغه، وكان لا يستريح إلا عندما يضربه أحدهم على رأسه بالنعال، واستمر على هذا الحال حتى توفى
التعليقات مغلقة.