أجازة مثيرة جداً …قصة بقلم عصام قابيل
دق جرسُ الهاتفِ وهو ينظر إلى لوجو الشركة على مرمى من البصر ويتمتم* شركة ماوراء البحار للبترول* ثم انتبه ونظر في هاتفه فإذا زوجته تدق عليه , إرتبك وقد شعر أن هناك شيئاً غير طبيعي فلقد كان معها على الهاتف ليلاً , تردد كثيراً ثم رد بصوت مرجوف:
_ أهلاً ياليلى , خير مالك في حاجة ؟
قالت وقد غلبها البكاء.
_ ممكن تنزل حالاً ياوجيه ثم أجهشت بالبكاء الشديد.
دارت الدنيا به وقد تلعثم واضطرب حتى سقط الهاتف من يده ,إلتقطه مجدداً فإذا هي تصرخ في حالة هيستيرية .
إنزل ياوجيه شوف المصيبة الي أنا فيها.
كان صوتها واضحا واخترق أذنيه, تمالك نفسه وأمسك وقال لها :
في إيه ياليلى وجعتي بطني ؟ إنت عارفة المسافة من سينا لعندك سهلة؟
قالت وهي لاتزال تبكي بحرقة.
_ إبنك خبطته عربية ومش عارفة حي ولا ميت ياوجيه إنزل أرجوك.
طار كالمجنون ولم يدري بماحوله إلا أنه خر ساجداً لله وهو يردد.
_ ياحي ياقيوم برحمتك أستغيث .
ثم ذهب لزميله وهو يتخبط في كل شئ حوله وأرجله تلتف حول بعضها وقال له.
_ قدملي أجازة ياحاتم .
صاح حاتم وعلامات الدهشة قد ارتسمت على وجهه الأبيض فتوهج احمراراً وقد رآه على هذه الحالة :
_ في إيه يا وجيه ؟ في إيه ؟ ومال وشك اغمق ليه كده وتقاطيعه دخلت في بعضها.
لم يرد عليه وجيه,وتركه وهو يجري، وقال حاتم في نفسه , * أي اجازة التي يريدها ؟ وماذا حدث؟ لتوه أتى من أجازته ,والأجازة كل مرور شهر تكون اسبوعاً وراح ينظر إلى النتيجة ويردد 9 يونيو 2016 وقال :
لسه بدري قوي دي شركة بترول وإدارتها شديدة .
ولكن لم يألو جهداً وكتب طلب أجازة باسم وجيه ووقع عليها نيابةً عنه وذهب إلى المدير المباشر وقدمها له.
ولم يكد يراها المدير إلا وصرخ كالمجنون وقد اشتعل غضباً
أجازة إيه ؟ ده لعب عيال . هو فين اندهولي هنا حالاً.
قال حاتم وقد أربكه الموقف.
_ ده مشي يافندم وشكله عنده مصيبة.
زاد غضبه واشتعلت حدته وسحب ورقة وقال أنا هاحوله للتحقيق حالاً وادي طلب الأجازة .
ثم كتب وهو يكاد يتشنج ويردد.
- لاأوافق
لم يدري وجيه كيف وصل إلى البيت ولا كم استغرق من الوقت فقد كان في شبه غيبوبة تامة وحالفه التوفيق وحفظ الله ان يصل الى هناك.
لم يجد أحداً في المنزل فنزل مرة أخرى مسرعاً ليسأل أي من الناس فصادف صاحب البقالة التي في اسفل المنزل والذي قال له وهو يواسيه.
_ اخدوه القصر العيني يابيه.
طار وجيه إلى هناك وهو لازال يردد ياحي ياقيوم برحمتك أستغيث
سأل وجيه في الإستقبال عن إسم ولده فلم يجده …كاد عقله أن يطير, طلب من الموظف أن يعيد البحث مرة أخرى ولكنه لم يجده, خرج إلى الشارع مرة أخرى وجسده المنهك أصبح عالة على أقدامهِ ؟ جلس على أقرب رصيف ووضع رأسه بين كفيه.
سمع صوت إشعار لرسالة , كان متلهفاً على أي معلومات تريح صدره وتسكن قلبه , فتح هاتفه بسرعة , فإذا هي رسالة من حاتم , (المدير لم يوافق على الأجازة وثائر جداً)
تمتم في نفسه * إن المصائب لاتأتي فُرادى* ثم ردد بصوت مسموع .
_ ياحي ياقيوم برحمتك أستغيث .
لم يكد يفرغ من دعائه حتى رأى زوجته آتية تضحك وتبكي في آن واحد , إنتفض من مكانه يجري نحوها وأمسك بذراعها وهو يصيح.
_ فين شمس ياليلى ؟
ردت وهي لازالت تضحك والدموع تتساقط على خديها.
_ ماطلعش شمس ياوجيه , طلع وائل ابن سميحة , والناس كانوا فاكرينه شمس وطلعوا بيه جري عالقصر وبعتوا بلغوني جيت أجري على ملا وشي.
ولما دخلت وشفته مابقيتش عارفة أفرح إنه مش شمس ولا أحزن إنه إبن سميحة.
إنتابته حالة من البلاهة فلم ينبس ببنت شفة ودارت الأفكار برأسه.
ماذا يفعل في موقفه في الشركة , هل سيصدقه أحد في هذه الحكاية , ماذا ع المدير الثائر ورفضه للأجازة , وفجأة تذكر شمس ولده وصاح كالمجنون .
_الولد يا ليلى فين ؟
أخذا يجريان بسابق كل منهما الآخر.
حملتهم سيارة أجرة وأخذوا يستحثون سائقها على السرعة , وما أن توقفت السيارة حتى خرجا يلهثان , رآهما صاحب البقالة فأشار لهما , توجها إليه وصاحا في نفس واحد.
_ فين شمس ماشفتوش ؟
قال الرجل بهدوء وهو يحاول طمأنتهما , معايا هنا جوه قعدته لحد ماتيجو , معرفش إيه الي حصل ده , ولا في الأفلام الحمدلله على سلامته
وخرج شمس من البقالة واستقبله وجيه يالأحضان وقد جثا على ركبتيه.
_ قضوا ليلة ولاأروع رغم تبعات الموقف المحتملة وصعوبة الآتي , ولم يضيع وجيه وقته , ولماذا وقد إطمأن قلبه وسعد صدره , مبكراً قام مسافراً إلى عمله.
قضى الطريق كله يفكر ماذا سيقول للمدير.
دخل إلى الشركة مباشرة دون أن يعرج إلى الإستراحة , وهم بالصعود إلى المدير مباشرةَ إلا أن حاتم قابله على الدرج , صاح متعجباً وهو يضرب كفاً بكف.
_ في إيه ياوجيه , مش فاهم أي حاجة وبرجلتلي عقلي .
قال وجيه وقد إرتسمت على وجهه علامات الثقة والإطمئنان.
_ دي حكاية أعجب من العجب ياحاتم.
سرد على حاتم ماحدث والأخير قد فغر فاه متعجباً ثم صاح متذكراً.
_ هاتعمل ايه مع المدير ده ثار ثورة كبيرة وكتبلك على طلب الأجازة لاأوافق بالخط العريض وحولك للتحقيق.
قال وجيه وكأن إطمئنانه على شمس أغناه عن الدنيا ومافيها.
_ هاروح شئون الموظفين الأول أشوف إيه الموضوع.
تحركا سوياً لمكتب شئون الموظفين , دخلا على عبد الجواد المسئول والذي بمجرد رؤيته لوجيه صاح مستغرباً.
_ إحنا عايشين أيام عجب , مشيت في إيه وجيت في إيه ومعرفش ولا فاهم الي عمله المدير لحد دلوقتي؟. عموما اعتمدت لك الأجازة
صاح وجيه :
_ إيه عمل إيه؟ واعتمدت إيه مش فاهم؟
قال عبد الجواد :
_ وافقلك على الأجازة وفي نفس الوقت محولك للتحقيق.
قال حاتم متعجباً :
_ وافق إزاي يااستاذنا ؟ ده قدامي كتب لا أوافق وهو بيلحنها ويغنيها.
أخرج عبد الجواد الورق من درجه ووضعه على المكتب ورقة بها تحويل وجيه للتحقيق وأخرى طلب الأجازة وعليه كلمة أوافق كبيرة. صاح وجيه وهو يحملق في الورق:
_ لحظة لحظة !!!
لمح وجيه على ورقة تحويله للتحقيق في طرفها كلمة (لا) كبيرة وأمسك بالورقة ووضعها إلى جانب طلب الأجازة فوجدوا كلمة لا في ورقة التحقيق وكلمة أوافق في طلب الأجازة
نظر الثلاثة إلى بعضهم البعض وانفجروا في الضحك .
التعليقات مغلقة.